0 / 0

رواية في صفة الغرباء

السؤال: 297911

ما مدى صحة هذا الحديث ، ‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (‏طوبى للغرباء) ، قيل: ومَن الغرباء يا رسول الله؟ (‏قال: ناسٌ صالحونَ قليلٌ ، في ناسِ سوءٍ كثيرٍ، مَن يعصيهم أكثرُ ممن يُطيعهم ) ‏رواه أحمد ، والطبراني ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى الإمام أحمد في المسند (11 / 230)، وعبد الله بن المبارك في “الزهد” (775)، والطبراني في “المعجم الكبير” (13 / 363) و”المعجم الأوسط” (9 / 14)، وغيرهم؛ من حديث ابْن لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ عَوْفٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاص، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ:  طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ 

فَقِيلَ: مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ:  أُنَاسٌ صَالِحُونَ، فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ  .

ففي اسناده الحارث بن يزيد، وثّقه أهل العلم.

وشيخ الحارث وهو جُنْدُب بْن عَبْدِ الله، لم يوثقه إلا العجلي في كتابه المشهور باسم “الثقات” (ص 100).

والراوي عن عبد الله بن عمرو، سُفْيَان بْن عَوْفٍ: وثقه العجلي (ص 194)، وذكره ابن حبان في كتابه “الثقات” (4 / 320).

والاشكال في هذا الحديث وجود عبد الله بن لهيعة في سنده وهو مختلف فيه؛ والخلاف في حاله كبير.

قال المعلمي رحمه الله تعالى:

” أقول: في ابن لهيعة كلام كثير.

فأطلق بعضهم الثناء عليه، وقال جماعة، منهم ابن مهدي، والإمام أحمد، وأحمد بن صالح: سماع المتقدمين عنه صحيح.

وقال الحافظ عبد الغني والساجي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح.

وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب، طلابا للعلم.

وقال أبو زرعة: سماع الأوائل والأواخر منه سواء، إلا ابن المبارك وابن وهب، كانا يتتبعان أصوله، وليس ممن يحتج به.

وأطلق جماعة توهينه.

وقال ابن معين: هو ضعيف، قبل أن تحترق كتبه، وبعد احتراقها ” انتهى من”عمارة القبور – ضمن آثار المعلمي” (5 / 1 – 100).

وبناء على هذا؛ فمن يراه ثقة؛ فإنه يصحح حديثه؛ كما قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى:

” تكلم فيه كثيرون بغير حجة، من جهة حفظه، وقد تتبعنا كثيرا من حديثه، وتفهمنا كلام العلماء فيه، فترجح لدينا أنه صحيح الحديث… ” .

انتهى من “سنن الترمذي- تحقيق أحمد شاكر” (1 / 16).

فلهذا نص على صحة هذا الحديث؛ كما في تحقيقه ” مسند الإمام أحمد” (6 / 207)؛ حيث قال: ” اسناده صحيح”.

ومن يرى أنه ثقة في نفسه لكنه أدركه الضعف أخيرا؛ فإنه يصحح رواية أصحابه القدماء الثقات المتحرين في الرواية؛ كعبد الله بن المبارك، كما هو الشأن في هذا الحديث.

فإنه يحكم بصحة هذا الحديث لأنه من روايته؛ ولذا صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى؛ حيث قال:

” ابن لهيعة، وهو ثقة صحيح الحديث إذا روى عنه أحد العبادلة، ومنهم عبد الله بن المبارك، وهذا الحديث من روايته عنه، كما ترى .

ومن الظاهر أن ابن لهيعة كان عنده فيه إسنادان، فرواه عنه ابن المبارك، مرة بهذا ومرة بهذا، وبه صح الحديث والحمد لله ” انتهى من “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (4 / 154).

وأما من يرى توهين روايته مطلقا؛ فإنه لا يصحح هذا الحديث؛ كما يشير إلى ذلك الهيثمي في “مجمع الزوائد” (7 / 278):

” وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: ( طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ….) الحديث.

رواه أحمد والطّبرانيّ في الأوسط، وقال: ( أُنَاسٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ )، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف ” انتهى.

وعلى القول بدخول الضعف في حديثه مطلقا؛ فإن حديثه خاصة إذا كان من رواية القدماء الثقات من أصحابه كعبد الله بن المبارك لا ينبغي أن يهدر، خاصة إذا كان في باب الرقائق فإنه صالح للاعتبار.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

” وكان من بحور العلم، على لين في حديثه…

لا ريب أن ابن لهيعة كان عالم الديار المصرية، هو والليث معا، كما كان الإمام مالك في ذلك العصر عالم المدينة…

ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم.

وبعض الحفاظ يروي حديثه، ويذكره في الشواهد والاعتبارات، والزهد، والملاحم، لا في الأصول.

وبعضهم يبالغ في وهنه .

ولا ينبغي إهداره، وتُتجنب تلك المناكير، فإنه عدل في نفسه…

وما رواه عنه ابن وهب والمقرئ والقدماء : فهو أجود ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (8 / 13 – 14).

وهذا الحديث من هذا النوع ، ومتنه على شطرين:

الشطر الأول: الثناء على الغرباء:  طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ  ، فهذه الجملة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بروايات أخرى؛ ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ  .

وأما الشطر الثاني في وصف الغرباء:  أُنَاسٌ صَالِحُونَ، فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ .

فهذا الشطر معناه صحيح معقول؛ فغربة المسلمين في بداية الإسلام في مكة كانت على هذا الوصف؛ كانوا قلة في وسط يغلب عليه أهل الكفر، وكان من يعصيهم ويؤذيهم أكثر ممن يستجيب لهم ويطيعهم.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الإسلام لم يستجب له في أول الأمر إلا الواحد بعد الواحد من كل قبيلة، وكان المستجيب له خائفًا من عشيرته وقبيلته، يؤذى غاية الأذى، وينال منه وهو صابر على ذلك في الله عز وجل، وكان المسلمون إذ ذاك مستضعفين، يطردون و يشردون كل مشرد، ويهربون بدينهم إلى البلاد النائية، كما هاجروا إلى الحبشة مرتين ثم هاجروا إلى المدينة، وكان منهم من يعذب في الله، وفيهم من قتل، فكان الداخلون في الإسلام حينئذ غرباء.

ثم ظهر الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة وعزّ، وصار أهله ظاهرين كل الظهور، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجا، وأظهر الله لهم الدين، وأتم عليهم النعمة.

وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم، وهم متعاضدون، متناصرون، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

ثم أعمل الشيطان مكائده على المسلمين، وألقى بأسهم بينهم، وأفشى بينهم فتنة الشبهات والشهوات، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئا فشيئا، حتى استحكمت مكيدة الشيطان، وأطاعه أكثر الخلق، فمنهم من دخل في طاعته في فتنة الشبهات، ومنهم من دخل في فتنة الشهوات، ومنهم من جمع بينهما، وكل ذلك مما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوعه…

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى على أمته هاتين الفتنتين…

فلما دخل أكثر الناس في هاتين الفتنتين، أو إحداهما ، أصبحوا متقاطعين متباغضين، بعد أن كانوا إخوانا متحابين متواصلين، فإن فتنة الشهوات عمت غالب الخلق، ففتنوا بالدنيا وزهرتها، وصارت غاية قصدهم، لها يطلبون، وبها يرضون، ولها يغضبون، ولها يوالون، وعليها يعادون، فتقطعوا لذلك أرحامهم، وسفكوا دماءهم، وارتكبوا معاصي الله بسبب ذلك.

وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة فبسببها تفرق أهل القبلة، وصاروا شيعا وكفر بعضهم بعضا، وصاروا أعداءً وفرقا وأحزابا، بعد أن كانوا إخوانا قلوبهم على قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، وهم المذكورون في قوله صلى الله عليه وسلم:  لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ .

وهم في آخر الزمان الغرباء المذكورون في هذه الأحاديث… لأنهم قلوا، فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلا الواحد والاثنان، وقد لا يوجد في بعض القبائل منهم أحدٌ، كما كان الداخلون إلى الإسلام في أول الأمر كذلك، وبهذا فسر الأئمة هذا الحديث ” انتهى من “كشف الكربة – ضمن مجموع رسائل ابن رجب” (1 / 319).

ولمزيد الفائدة طالع جواب السؤال رقم :(45855).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android