0 / 0

ما المقصود من ذم مَن يكسبون رزقهم بألسنتهم؟

السؤال: 298545

روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقرة)رأخرجه الترمذي، أو الإمام أحمد؟ وهل المقصود بآخر الحديث: أن يكسبوا عيشهم بألسنتهم؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

حديث: ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرُ بِأَلْسِنَتِهَا )

روي من طرق لا تخلو من ضعف؛ منها:

ما رواه البزار في “المسند” (4/31)، والإمام أحمد في “المسند” (3/102):

عن يَحْيَى بْن سَعِيدٍ الْقَطَّان، قَالَ: أخبرنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، نَسِيتُ اسْمَهُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ حَاجَةُ إِلَى أَبِيهِ، فَانْطَلَقَ فَوَصَّلَ كَلَامًا، ثُمَّ أَتَى سَعْدًا، فَكَلَّمَهُ بِكَلَامٍ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ.

فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَفْرَغْتَ مِنْ حَاجَتِكَ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَبْعَدَ مِنْ حَاجَتِكَ مِنِّي الْآنَ، وَلَا كُنْتُ أَزْهَدَ فِيكَ مِنِّي الْآنَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( يَكُونُ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرُ بِأَلْسِنَتِهَا ).

وهذا إسناد ضعيف، لجهالة الرجل الذي أخبر أبا حيّان، ونسي اسمه.

قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

” رواه أحمد والبزار من طرق، وفيه راو لم يسم .

وأحسنها ما رواه أحمد عن زيد بن أسلم عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم، كما تأكل البقر بألسنتها ) ورجاله رجال الصحيح، إلا أن زيد بن أسلم لم يسمع من سعد، والله أعلم.” انتهى من”مجمع الزوائد” (8/ 116).

وهذا الإسناد الثاني هو عند الإمام أحمد في “المسند” (3 /153-154): قال: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرُ بِأَلْسِنَتِهَا ).

والإسناد منقطع كما قال الهيثمي رحمه الله تعالى.

ورواه الإمام أحمد في “المسند” (3/102) عن أَبي حَيَّانَ، عَنْ مُجَمِّعٍ، قَالَ: ( كَانَ لِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ إِلَى أَبِيهِ حَاجَةٌ … ) الحديث.

قال محققو المسند:

” ضعيف لانقطاعه، مجمع لم يدرك سعداً ولا أحدا من الصحابة، وهو مجمع بن سمعان التيمي الحائك أبوحمزة الكوفي الزاهد ” انتهى.

ولمعنى الحديث: شاهد صحيح عند الترمذي (2853)، وأبي داود (5005)عن نَافِع بْن عُمَرَ الجُمَحِيّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ، سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ البَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ ).

وقال الترمذي:

” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.

وَفِي البَابِ عَنْ سَعْدٍ ” انتهى.

وقال رحمه الله تعالى:

” سألت محمدا – أي البخاري – عن هذا الحديث فقال: إن نافع بن عمر يقول: عن عبد الله بن عمرو، ومرة يقول: أُراه عن عبد الله بن عمرو. قال محمد: وأرجو أن يكون محفوظا ” انتهى. “العلل الكبير” (ص 346).

وصححه أبو حاتم الرازي، كما في “العلل” (6/ 305–307).

وقد حسَّن حديث سعد رضي الله عنه بهذا الشاهد: الشيخُ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1/ 779-780)، ومحققو المسند (3/103).

ثالثا:

دل هذا الحديث على ذم من يطلب رزقه بلسانه، من غير أن يتقيد بتقوى الله تعالى في ذلك.

كمن يطلب رزقه بشاهدة الزور، والكذب ونحو هذا من المنهيات، ومثل ما نشاهد اليوم في وسائل الإعلام ووسائل التواصل؛ من يجتهد في جلب المشاهدين إليه بالمواضيع التي تثير نفوس الناس، ويستعمل في ذلك كل ما أمكنه من أساليب الخطاب والتأثير، من غير أن يراعي الأحكام والمصالح الشرعية، بل يراعي فيها فقط عدّاد المشاهدين والمتابعين.

قال ابن الملك رحمه الله تعالى:

” (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرُ بِأَلْسِنَتِهَا)، يعني: كما أن البقر تأكل الحشيش من كل نوع، ولا تميز بين النافع والضار؛ فكذلك هؤلاء لا يبالون بما يقولون من كلامهم.

وقيل: إن البقرة كما لا تهتدي إلى الكلأ، ولا تتمكن من الاحتشاش إلا بلسانها، فكذلك هؤلاء لا يهتدون إلى المآكل إلا بذلك، لا يميزون بين الحق والباطل، وبين الحلال والحرام، سماعون للكذب أكالون للسحت، فوقع ضرب المثل بالبقر عن هذين المعنيين ” انتهى. “شرح المصابيح” (5 / 230).

وقال الطيبي رحمه الله تعالى:

” قوله: ( كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرُ بِأَلْسِنَتِهَا ): ضرب للمعنى مثلا يشاهده الراءون من حال البقر؛ ليكون أثبت في الضمائر؛ وذلك أن سائر الدواب تأخذ من نبات الأرض بأسنانها، والبقر بلسانها، فضرب بها المثل لمعنيين: أحدهما: أنهم لا يهتدون من المأكل إلا إلى ذلك سبيلا، كما أن البقرة لا تتمكن من الاحتشاش إلا بلسانها.

والآخر: أنهم في مغزاهم ذلك كالبقرة التي لا تستطيع أن تميز في رعيها بين الرطب والشوكة، وبين الحلو والمر، بل تلف الكل بلسانها لفا، فكذلك هؤلاء الذين يتخذون ألسنتهم ذريعة إلى مأكلهم لا يميزون بين الحق والباطل، ولا بين الحلال والحرام، سماعون للكذب أكالون للسحت ” انتهى من “شرح الطيبي على مشكاة المصابيح ” (10/3106).

قال الصنعاني رحمه الله تعالى:

” ( سيَكُونُ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ الْبَقَرُ من الأرض)، أي: يجعلون النفاق والكذب والزور والشتم ونحوه آلة لأكلهم الأموال، وشبههم بالبقر من حيث إنهم لا يهتدون لما ينفعهم ويضرهم في الدين.

ويحتمل أن المراد أنهم يأكلون بأفواههم شرها ونهما، كما تأكل البقرة ” انتهى من “التنوير” (6/ 451–452).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android