تنزيل
0 / 0

المراد بالناس في حديث (فمَن أحَب أن يُزحزَح عن النار ………. وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه).

السؤال: 300003

سؤالي بخصوص حديث في صحيح مسلم مطول فيه : ( فمَن أحَب أن يُزحزَح عن النار ويدخل الجنة ، فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) ؛ ففي الحديث ثواب عظيم لمن يأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، وأنا كمسلم أطمع في هذا الثواب العظيم ، لكن العلماء اختلفوا فيمن هم الناس المقصودين بالحديث ، فهناك من العلماء من قال : إن الناس في الحديث عامة كالنووي ، وهناك من قال : إن المقصود بالناس الأمراء كالقرطبي ، فما هو التأويل الراجح ؟

ملخص الجواب

قول جماهير أهل العلم ، وهو الموافق لظاهر الحديث ؛ أن المراد بالناس هنا عموم الناس ، وأن على المسلم أن يفعل مع الناس جميعا ما يُحب أن يفعل معه ، ويؤدي للناس جميعا ما يُحب أن يؤدى إليه 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الحديث الذي أورده السائل الكريم حديث صحيح .

 أخرجه مسلم في “صحيحه” (1844) ، من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ ، قَالَ:” دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: 

إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا ، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي ، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ !!

فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ .

وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ 

 .

فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ ، وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، وَوَعَاهُ قَلْبِي ”  .

فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ ، يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا ، وَاللهُ يَقُولُ:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا  النساء/29 .

قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ: ” أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ ” .

والموضع الذي خصه السائل بالذكر ، هو قوله صلى الله عليه وسلم 🙁 فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ).

واستفسار الأخ الكريم حول المراد بالناس في الحديث ، هل هم الأمراء كما قال القرطبي ، أم عموم الناس ؟

وجوابه كما يلي :

قال الإمام أبو العباس القرطبي في “المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم” (4/52) :” قوله : ( وليات إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ) ؛ أي : يجيء إلى الناس بحقوقهم ؛ من النصح ، والنيّة الحسنة ، بمثل الذي يحبُّ أن يُجَاءَ إليه به . وهذا مِثْلُ قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).

والنَّاسُ هنا : الأئمة والأمراء . فيجب عليه لهم من السمع ، والطاعة ، والنُّصرة ، والنَّصيحة ، مثل ما لو كان هو الأمير ؛ لكان يحب أن يُجاءَ له به ” انتهى .

هكذا قال القرطبي ، وهو خلاف ظاهر الحديث ، من عموم لفظ (الناس) ، وهو الذي توارد عليه شراح الحديث ، ومن تكلم عليه من العلماء .

قال القاضي عياض في “إكمال المعلم” (6/256) :” وقوله: ” وليأت إلى الناس الذى يحب أن يؤتى إليه “: من جوامع كلمه ، واختصار حِكَمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهذا معيار صحيح فيما يعتبره الإنسان من أفعاله ، وتمييزه قبيحها من حسنها ” انتهى .

وقال النووي في “شرح مسلم” (12/233) :” قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَلْيَأْتِ إلى الناس الذي يجب أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ) : هَذَا مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبَدِيعِ حِكَمِهِ ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ يلزم أن لا يَفْعَلَ مَعَ النَّاسِ ، إِلَّا مَا يُحِبُّ أَنْ يَفْعَلُوهُ مَعَهُ ” انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “بيان الدليل على بطلان التحليل” (1/211) في أثناء تقريره حرمة الحيل ، قال :” وَذَلِكَ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ وَالْإِتْلَافَ اللَّذَيْنِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي وَصَّى بِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ : وَلْيَأْتِ إلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ .

وَهَذَا الْقَدْرُ وَاجِبٌ ; لِأَنَّهُ قَرَنَهُ بِالْإِيمَانِ وَبِالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ فِي سِيَاقِ مَا يُنَجِّي مِنْ النَّارِ وَيُوجِبُ الْجَنَّةَ ، وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ فِي الْوَاجِبَاتِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ , وَلِهَذَا غَايَةُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُسْأَلُ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَيُنَجِّي مِنْ النَّارِ إنَّمَا يَذْكُرُ الْوَاجِبَاتِ .

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَأْتِ إلَى النَّاسِ مَا يَجِبُ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ ؛ بَلْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا يَحْتَالُ عَلَيْهِ لَكَرِهَهُ ، أَوْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَرُبَّمَا اتَّخَذَهُ عَدُوًّا ” انتهى .

وقال السندي في “حاشيته على النسائي” (7/154) :” وليأت إِلَى النَّاس ” : أَي ليؤدِّ إِلَيْهِم ، وَيفْعل بهم ، مَا يحب أَن يفعل بِهِ ” انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين في “شرح رياض الصالحين” (3/664) :” ( وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ) : يعني يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به ، فينصح للناس كما ينصح لنفسه ، ويكره للناس ما يكره لنفسه ، فيكون هذا قائماً بحق الله ، مؤمناً بالله واليوم الآخر ، وقائماً بحق الناس ، لا يعامل الناس إلا بما يحب أن يعاملوه به ، فلا يكذب عليهم ، ولا يغشهم ، ولا يخدعهم ، ولا يحب لهم الشر ، يعني يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به .

فإذا جاء يسأل مثلاً هل هذا حرام أم حلال؟ قلنا له: هل تحب أن يعاملك الناس بهذا؟ إذا قال: لا قلنا له: اتركه ، سواء كان حلالاً أم حراماً ، ما دمت لا تحب أن يعاملك الناس به ، فلا تعامل الناس به ، واجعل هذا ميزاناً بينك وبين الناس في معاملتهم ؛ لا تأت الناس إلا ما تحب أن يؤتى إليك ؛ فتعاملهم باللطف كما تحب أن يعاملوك باللطف واللين ، بحسن الكلام ، بحسن المنطق ، بالبيان باليسر كما تحب أن يفعلوا بك هذا ، هذا الذي يزحزح عن النار ويدخل الجنة. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منهم ” انتهى .

ولا شك أن الراجح هو قول جماهير أهل العلم ، وهو الموافق لظاهر الحديث ؛ من أن المراد بالناس هنا عموم الناس .

وقد قال الإمام الشافعي، رحمه الله : ” الحديث على عمومه وظهوره وإن احتمل معنى غير العام والظاهر حتى تأتي دلالة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر” انتهى من “الأم” (6/417).

وقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما يوافق كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلامه أيضا على سبيل العموم .

قال عبد الله بن مسعود :” مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُنْصِفَ اللَّهَ مِنْ نَفْسِهِ ، فَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ “أخرجه ابن أبي شيبة في “مصنفه” (34562) ، بإسناد صحيح .

فتبين مما سبق أن الحديث عام في جميع الناس ، وأن على المسلم أن يفعل مع الناس جميعا ما يُحب أن يفعل معه ، ويؤدي للناس جميعا ما يُحب أن يؤدى إليه ، والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android