أريد شرح هذا الحديث ، عن ثوبان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما أحب أن لي الدنيا بهذه الآية : (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا ) الآية ، فقال رجل : فمن أشرك ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ألا ومن أشرك) ثلاث مرات .
حديث حول غفران الشرك
السؤال: 301473
ملخص الجواب
هذا الحديث ضعيف لأن مدار إسناده على ابن لهيعة وهو متكلم في ضبطه، وشيخه في هذا الحديث في عداد المجهولين. وقد نص على ضعف هذا الحديث جماعة من العلماء ، كالشيخ الألباني رحمه الله تعالى في “السلسلة الضعيفة” (9 / 398)، ومحققو المسند.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في “المسند” (37 / 45) عن ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُبْلَانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ ! فَمَنْ أَشْرَكَ ؟
فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: إِلَّا مَنْ أَشْرَكَ ، إِلَّا مَنْ أَشْرَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتِ ” .
ورواه غير الإمام أحمد، كالطبري في “التفسير” (20 / 229) ، والروياني في “المسند” (1 / 422 – 423) ، والطبراني في “المعجم الأوسط” (2 / 250) ، والبيهقي في “شعب الإيمان” (9 / 339 – 341)، وغيرهم؛ كلهم عن ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ؛ لكن اختلفوا في تحديد أبي عبد الرحمن الراوي عن ثوبان وشيخ أبي قبيل:
فعند بعضهم عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُبْلَانِيّ، عن ثَوْبَانَ.
وعند بعضهم عن ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المري (أو المزني)، عن ثَوْبَانَ.
وعند بعضهم عن ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ ، عن ثَوْبَانَ.
وعند بعضهم عن ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المرادي، عن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُبْلَانِيّ، عن ثَوْبَانَ.
فالحاصل؛ أن هذا الحديث مداره على ابن لهيعة، وهو متكلم في ضبطه وإتقانه، فضعّفه جماعة من أهل الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” وكان من بحور العلم، على لين في حديثه…
لا ريب أن ابن لهيعة كان عالم الديار المصرية، هو والليث معا، كما كان الإمام مالك في ذلك العصر عالم المدينة…
ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم.
وبعض الحفاظ يروي حديثه، ويذكره في الشواهد والاعتبارات، والزهد، والملاحم، لا في الأصول.
وبعضهم يبالغ في وهنه، ولا ينبغي إهداره، وتتجنب تلك المناكير، فإنه عدل في نفسه…
وما رواه عنه ابن وهب والمقرئ والقدماء فهو أجود ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (8 / 13 – 14).
وقال المعلمي رحمه الله تعالى:
” أقول: في ابن لهيعة كلام كثير.
فأطلق بعضهم الثناء عليه، وقال جماعة، منهم ابن مهدي، والإمام أحمد، وأحمد بن صالح: سماع المتقدمين عنه صحيح.
وقال الحافظ عبد الغني والساجي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح.
وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب، طَلَّابا للعلم.
وقال أبو زرعة: سماع الأوائل والأواخر منه سواء، إلا ابن المبارك وابن وهب، كانا يتتبعان أصوله، وليس ممن يُحتج به.
وأطلق جماعة توهينه.
وقال ابن معين: هو ضعيف، قبل أن تحترق كتبه، وبعد احتراقها ” انتهى من “عمارة القبور – ضمن آثار المعلمي” (5 / 1 – 100).
وحاصل ذلك:
أن بعض أهل العلم قوّى حديث ابن لهيعة إذا ورد عن تلامذة له معيّنين ؛ والذين رووا عن ابن لهيعة هذا الحديث ليسوا من هؤلاء الخاصة ، غير أن عبد الرحمن بن مهدي كان ممن يتحرى فيما يصله من حديث ابن لهيعة.
وقد روى الروياني في “المسند” (1 / 422) أخبرنا سُفْيَانُ، أخبرنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُبْلَانِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ – فذكر الحديث-.
لكن السند إلى عبد الرحمن بن مهدي ضعيف، فسفيان شيخ الروياني هو سفيان بن وكيع، وهو ضعيف الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” سفيان بن وكيع بن الجراح أبو محمد، ضعيف ” انتهى من “الكاشف” (1 / 449).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” سفيان بن وكيع بن الجراح؛ كان صدوقا إلا أنه ابتلي بورّاقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنُصح، فلم يقبل، فسقط حديثه ” انتهى من”تقريب التهذيب” (ص 245).
ومع تفرد ابن لهيعة برواية هذا الحديث، فقد وقع إشكال في إسناده، وفي ومتنه أيضا:
ففي إسناده؛ وقع اضطراب في تعيين المراد بأبي عبد الرحمن شيخ أبي قبيل، كما سبقت الإشارة إليه، فإن كان هو الجبلاني فهو مجهول الحال فلم يرد توثيقه عند أهل العلم، وما ورد بأنه الحبلي فلعله “الجبلاني” ووقع تصحيف فيه، فبعضهم صحفه إلى “الجبلي”.
وإن كان هو أبو عبد الرحمن المرادي، أو المري -وبعضهم نسبه إلى “المزني” ورجح عدد من المحققين أنه تصحيف-؛ فلم نقف على من وثقهما، وهما في عداد مجهولي الحال.
وأما الإشكال في متنه: فالرواية الأكثر شهرة ( إِلَّا مَنْ أَشْرَكَ ). بالاستثناء.
وقد ورد في بعض الكتب بصيغة ( أَلَا وَمَنْ أَشْرَكَ )، كما في “تفسير الطبري” (20 / 229). وهذا السياق إما أن يكون تصحيفا من النساخ.
قال أبو الحسن المباركفوري رحمه الله تعالى:
” قوله: ( إلا من أشرك ) هكذا وقع في جميع نسخ المشكاة الحاضرة؛ وهكذا في تفسير ابن كثير والشوكاني، ووقع في المسند (ج5: ص275) (طبعة الحلي) ( إلا من أشرك ) أي: بسقوط الواو، وعلى هذا فيمكن حمل (إلا) على الاستثناء والمعنى: إلا المشرك فلا يغفر ذنبه إلا بالتوبة. كما قال الله تعالى: ( إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) ومعنى قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (الزمر: 53) أن كل ذنب كائنًا ما كان ماعدا الشرك بالله مغفور لمن يشاء الله ” انتهى من “مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” (8 / 69 – 70).
وعلى فرض صحة هذا الحديث بلفظ ( أَلَا وَمَنْ أَشْرَكَ )، فيكون المقصود بذلك التائب من الشرك ، أما من لم يتب من الشرك فلا يغفر له ، فمن حصل منه شرك، فعليه ألا يقنط من رحمة الله تعالى، بل يبادر إلى التوبة منه.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:
” ( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 727).
وهذا كما في قوله تعالى:
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا الفرقان/68 – 70 .
قال عبد الحق الدهلوي رحمه الله تعالى:
” وقوله: (أَلَا وَمَنْ) لولا الواو حملت (أَلَا) على استثناء، فهي حرف تنبيه، وغفران الإشراك يكون بالتوبة، وهذا لا ينافي عموم الآية بـ: ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ). ” انتهى من “لمعات التنقيح” (5 / 172).
والخلاصة:
أن هذا الحديث ضعيف لأن مدار إسناده على ابن لهيعة وهو متكلم في ضبطه، وشيخه في هذا الحديث في عداد المجهولين.
وقد نص على ضعف هذا الحديث جماعة من العلماء ، كالشيخ الألباني رحمه الله تعالى في “السلسلة الضعيفة” (9 / 398)، ومحققو المسند.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب