ورد الحديث في مسند الإمام أحمد في مسند علي رضي الله عنه (١١٩٦) قال عبد الله بن أحمد : حدثني حَجّاج بن الشاعر حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا يزيد بن أبي صالح أبا الوضيء عبّادًا حدثه أنه قال: ” كنّا عامدين إلى الكوفة مع علي بن أبي طالب ، فذكر حديث المُخْدَج، قال على: فوالله ما كَذبتُ ولا كُذبتُ ، ثلاثا، فقال علي: أما إن خليلي أخبرني ثلاثةَ إخوةٍ من الجنّ، هذا أكبرهم ، والثاني له جمع كثير، والثالث فيه ضعف ” ما معنى قوله : (ثلاثة من الجن ….) إلى آخر الحديث ؟
التعليق على حديث وصف ذي الثدية الذي قتله علي بن أبي طالب، وفيه قوله:” أما إن خليلي أخبرني ثلاثة إخوة من الجن ، هذا أكبرهم “.
السؤال: 303795
ملخص الجواب
عند تتبع الروايات التي نقلت واقعة قتل علي بن أبي طالب للمخدج ، نجدها قد تواترت عنه ، ولم يذكر واحد منهم كونه من الجن . وجميع الروايات التي تدل على أن المخدج الذي قتله علي بن أبي طالب كان من الجن كلها ضعيفة لا تثبت ، إلا الرواية الأولى من طريق يزيد بن أبي صالح ، عن أبي الوضيء، وقد انفرد يزيد بن أبي صالح عن أبي الوضيء بذكر ذلك ، وهذا مما يقوي شذوذ هذا اللفظ ، بل نكارته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
قد تواترت الروايات بثبوت قتل علي رضي الله عنه يوم النهروان ذلك الرجل المعروف بالمخدج ، ولقبه ذو الثدية ، وقد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر علاماته ووصفه.
والمخدج : أي يده غير مكتملة في الخلقة .
وذو الثدية : لأن إحدى عضديه مثل ثدي المرأة .
قال أبو عبيد في “غريب الحديث” (1/266) :” قيل لذي الثُدَيَّة : إنه مُخْدَجٌ اليد أي ناقصها “. انتهى.
وقال أبو عبيد في “غريب الحديث” (3/446) :” قال الفراء : إنما قيل ذو الثديّة، فأدخلت الهاء فيها ، وإنما هي تصغير ثَدْي ، والثدي ذكر، لأنها كأنها بقية ثدي قد ذهب أكثره ؛ فقلّلها”. انتهى.
وقد أخرج البخاري في “صحيحه” (3610) ، ومسلم في “صحيحه” (1064) ، من حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قَالَ: ” بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا ، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ ، فَقَالَ: ( وَيْلَكَ ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ) ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ ؟ فَقَالَ: ( دَعْهُ ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ ، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ ، – وَهُوَ قِدْحُهُ – ، فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، قَدْ سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ .
آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ) .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ”.
ثالثا:
أكثر الروايات جاءت بذكر وصفه ، وبيان علاماته ، دون أن تتطرق لكونه من الإنس أم من الجن .
إلا أن بعض الأحاديث جاءت بما يفيد أنه من الجن، وبيان هذه الأحاديث كما يلي :
الحديث الأول ، وهو الذي أورده السائل الكريم :
أخرجه عبد الله بن أحمد في “زوائد المسند” (1197) ، والحاكم في “المستدرك” (8617) ، واللفظ له ، من طريق عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ ، أَنَّ أَبَا الْوَضِيءِ عَبَّادًا حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ قَالَ: ” كُنَّا فِي مَسِيرٍ عَامِدِينَ إِلَى الْكُوفَةِ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا بَلَغْنَا مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مِنْ حَرُورَاءَ شَذَّ مِنَّا نَاسٌ ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَلِيٍّ ، فَقَالَ: لَا يَهُولَنَّكُمْ أَمْرُهُمْ فَإِنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ ، فَنَزَلْنَا ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ شَذَّ مَثْلَيْ مَنْ شَذَّ ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِعَلِيٍّ ، فَقَالَ: لَا يَهُولَنَّكُمْ أَمْرُهُمْ فَإِنَّ أَمْرَهُمْ يَسِيرٌ ، وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَبْدَأُوهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ يَبْدَأُونكُمْ ، فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ وَاتَّقَيْنَا بُتُرُسِنَا ، فَجَعَلُوا يُنَاوِلُونَا بِالنُّشَّابِ وَالسِّهَامِ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ دَنَوْا مِنَّا ، فَأَسْنَدُوا لَنَا الرَّمَّاحَ ، ثُمَّ تَنَاوَلُونَا بِالسُّيُوفِ ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَضَعُوا السُّيُوفَ فِينَا .
فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ يُقَالُ لَهُ: صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ ، فَنَادَى ثَلَاثًا فَقَالُوا: مَا تَشَاءُ؟ فَقَالَ: أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَخْرُجُوا بِأَرْضٍ تَكُونُ مَسَبَّةً عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَأُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَمْرُقُوا مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُمْ قَدْ وَضَعُوا فِينَا السُّيُوفَ ، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: انْهَضُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَمَا كَانَ إِلَّا فَوَاقٌ مِنْ نَهَارٍ ، حَتَّى ضَجَعْنَا مَنْ ضَجَعْنَا وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ .
فَحَمِدَ اللَّهَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ: إِنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي : ( أَنَّ قَائِدَ هَؤُلَاءِ رَجُلٌ مُخَدَّجُ الْيَدِ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِهِ شُعَيْرَاتٌ كَأَنَّهُنَّ ذَنَبُ يَرْبُوعٍ فَالْتَمِسُوهُ ) ، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ ، فَأَتَيْنَاهُ ، فَقُلْنَا: إِنَّا لَمْ نَجِدْهُ ، فَقَالَ: الْتَمِسُوهُ ، فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ . فَمَا زِلْنَا نَلْتَمِسُهُ حَتَّى جَاءَ عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ إِلَى آخِرِ الْمَعْرَكَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: اقْلِبُوا ذَا، اقْلِبُوا ذَا، حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَقَالَ: هَا هُوَ ذَا .
فَقَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ أَحَدٌ يُخْبِرُكُمْ مَنْ أَبُوهُ مَلَكٌ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مَلَكٌ هَذَا مَلَكٌ ، يَقُولُ عَلِيُّ: ابْنُ مَنْ؟ يَقُولُونَ: لَا نَدْرِي فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذَا ، كُنْتُ أَرُوضُ مُهْرَةً لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ شَيْخً مِنْ بَنِي فُلَانً ، وَأَضَعُ عَلَى ظَهْرِهَا جَوَالِقَ سَهْلَةً أُقْبِلُ بِهَا وَأُدْبِرُ إِذْ نَفَرَتِ الْمُهْرَةُ فَنَادَانِي ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ انْظُرْ، فَإِنَّ الْمُهْرَةَ قَدْ نَفَرَتْ ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَأَرَى خَيَالًا كَأَنَّهُ غَرْبٌ أَوْ شَاةٌ ، إِذْ أَشْرَفَ هَذَا عَلَيْنَا ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ، قَالَ: وَمَا جَاءَ بِكَ شَعِثًا شَاحِبًا؟ قَالَ: جِئْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ فِي مُصَلَّى الْكُوفَةِ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ مَا لَنَا رَابِعٌ إِلَّا اللَّهُ ، حَتَّى انْطَلَقَ بِهِ إِلَى الْبَيْتِ ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَاقَ إِلَيْكِ خَيْرًا ، قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي إِلَيْهِ لَفَقِيرَةٌ ، فَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ شَعِثٌ شَاحِبٌ كَمَا تَرَيْنَ، جَاءَ مِنَ الْيَمَامَةِ لِيَعْبُدَ اللَّهَ فِي مُصَلَّى الْكُوفَةِ ، فَكَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ وَيَدْعُو النَّاسَ حَتَّى اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَا إِنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي : ( أَنَّهُمْ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ مِنَ الْجِنّ،ِ هَذَا أَكْبَرُهُمْ ، وَالثَّانِي لَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ ، وَالثَّالِثُ فِيهِ ضَعْفٌ).
وإسناده صحيح الإسناد ، لكن في متنه غرابة شديدة .
ومعنى قوله :” ثلاثة إخوة من الجن هذا أكبرهم ” : أي من شياطين الجن ، وهذا ظاهر ما يدل عليه اللفظ .
قال ابن كثير في “البداية والنهاية” (10/607) بعد أن أورد هذه الرواية :” وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ شَدِيدَةٌ جِدًّا. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذُو الثُّدَيَّةِ مِنَ الْجِنِّ ، بَلْ هُوَ مِنَ الشَّيَاطِينِ ; إِمَّا شَيَاطِينِ الْإِنْسِ ، أَوْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ . إِنْ صَحَّ هَذَا السِّيَاقُ “. انتهى.
الحديث الثاني :
أخرجه أحمد في “مسنده” (1551) ، والحميدي في “مسنده” (74) ، وابن أبي عاصم في “السنة” (920) ، وابن أبي شيبة في “مصنفه” (37921) والحاكم في “المستدرك” (8588) ، من طريق أبي الطُّفَيْلِ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ قَرْوَاشٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: ” ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الثُّدَيَّةِ فَقَالَ: ( شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ رَاعِي الْجَبَلِ أَوْ رَاعٍ لِلْجَبَلِ ، يَحْتَدِرُهُ رَجُلٌ مِنْ بَجِيلَةَ ، يُقَالَ لَهُ الْأَشْهَبُ ، أَوِ ابْنُ الْأَشْهَبِ ، عَلَامَةٌ فِي قَوْمٍ ظَلَمَةٍ ).
قال الصنعاني في “التنوير شرح الجامع الصغير” (6/529) :” ( شيطان الردهة ) بفتح الراء المشددة وسكون المهملة، هي النقرة في الجبل ، يستنقع فيها الماء . ( يحتدره ) بالحاء المهملة والدال المهملة ، أي : شرع في أخذه وقتله ” انتهى .
وإسناده ضعيف .
قال العقيلي في “الضعفاء” (1/149) بعد أن أورد هذه الرواية :” وَفِي قِصَّةِ ذِي الثَّدْيَيْنِ أَسَانِيدُ صِحَاحٌ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ ، فَأَمَّا هَذَا اللَّفْظُ فَلَا يُعْرَفُ إِلَّا عَنْ بَكْرِ بْنِ قِرْوَاشٍ ” انتهى .
وقال الذهبي في “ميزان الاعتدال” (1291) :” بكر بن قرواش عن سعد بن مالك. لا يعرف ، والحديث منكر “. انتهى ، وقال الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (3750) :” منكر “. انتهى.
الحديث الثالث :
أخرجها أبو يعلى في “مسنده” كما في “المقصد العلي” للهيثمي (986) ، من طريق أبي مَعْشَرٍ ، قال : حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: ” حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُقَسِّمُ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، إِلَى أَنْ قَالَ: (عَلامَتُهُمْ رَجُلٌ يَدُهُ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ، كَالْبِضْعَةِ تَدَرْدَرُ فِيهَا شَعَرَاتٌ كَأَنَّهَا سَبَلَةُ سَبْعٍ ) .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَحَضَرْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ، وَحَضَرْتُ مَعَ عَلِيٍّ حِينَ قَتَلَهُمْ بِنَهْرَوَانَ قَالَ: فَالْتَمَسَهُ عَلِيٌّ فَلَمْ يَجِدْهُ.
قَالَ: ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْتَ جِدَارٍ عَلَى هَذَا النَّعْتِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَيُّكُمْ يَعْرِفُ هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: نَحْنُ نَعْرِفُهُ هَذَا حَرْقُوسُ وَأُمُّهُ هَهُنَا.
قَالَ: فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ إِلَى أُمِّهِ ، فَقَالَ لَهَا: مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: مَا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ إِلا أَنِّي كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالرَّبَذَةِ ، فَغَشِيَنِي شَيْءٌ كَهَيْئَةِ الظُّلْمَةِ، فَحَمَلْتُ مِنْهُ ، فَوَلَدْتُ هَذَا “.
وإسناده ضعيف أيضا ، ومتنه منكر جدا .
فيه أبو معشر نجيح السندي ، قال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (6/224) :” فِيهِ أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ ” انتهى ، وقال البخاري كما في “الضعفاء الصغير” (400) :” منكر الحديث ” انتهى .
وفيه كذلك : أفلح بن عبد الله بن المغيرة ” ، مجهول ، لم يترجم له أحد .
الحديث الرابع :
أخرجه مسدد في “مسنده” ، كما في “إتحاف الخيرة المهرة” للبوصيري (3447) ، وابن أبي خيثمة في “التاريخ الكبير” (893) ، من طريق سليمان التيمي ، عن أبي مجلز – قال : أراه عن قيس بن عُبَاد – قال :” كف علي عن قتال أهل النهروان حتى يُحدثوا ، فانطلقوا فأتوا على عَبد الله بن خباب وهو في قرية له قد تنحى عن الفتنة ، فأخذوه ، فرأوا تمرة وقعت من رأس نخلة فأخذها رجل منهم فجعلها في فيه ، قال : فقالوا : تمرة من تمر أهل العهد أخذتها بغير ثمن ؟! قال : فلفظها ، قال : وأتوا على خنزير فبعجه أحدهم ، قال : فقالوا : خنزير من خنازير أهل العهد قتلته ؟!
فقال عَبد الله بن خباب : ألا أنبئكم – أو ألا أخبركم – بمن هو أعظم عليكم حقًّا من هذه التمرة وهذا الخنزير ؟ قالوا : من ؟ قال : أنا – أراه قال ما تركت صلاة منذ صليت ، ولا صيام رمضان . وعدد أشياء – فقربوه فقتلوه ، فبلغ ذلك عليًّا ، فأمر أصحابه بالسير إليهم ، وقال : أقيدونا بعبد الله بن خباب . قالوا : كيف نقيدك به ، وكلنا قتله ؟ فقال : كلكم قتله ، الله أكبر . قال لأصحابه : انشطوا فواللّه لا يقتل منكم عشرة ولا يفر منهم عشرة ، فكان كذاك – أو كذلك – قال : فقال علي : اطلبوا رجلا صفته كذا وكذا ، فطلبوه فلم يجدوه ، ثم طلبوه فوجدوه ، فقال علي : من يعرف هذا ؟ فلم يعرف ، فقال رجل : أنا رأيت هذا بالنجف ، فقال : إني أريد هذا المصر وليس لي فيه نسب ولا نعرفه ، فقال علي : صدقت هو رجل من الجن “.
وإسناده فيه علة ، وهي عنعنة أبي مجلز لاحق بن حميد ، فإنه ثقة مدلس .
قال الذهبي في ترجمته في “ميزان الاعتدال” (4/356) :” من ثقات التابعين ، لكنه يدلس “. انتهى.
وقد رواه الدارقطني والبيهقي، لم يذكرا فيه قيس عباد. ينظر: “المطالب العالية” (18/220) تعليق المحققين.
الحديث الخامس :
أخرجه ابن أبي خيثمة في “التاريخ الكبير” (892) ، والفسوي في “المعرفة والتاريخ” (1/232) ، وابن أبي شيبة في “مصنفه” (37899) ، من طريق شعبة ، عن أبي إِسْحَاقَ ، عَنْ حَامِدٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ سُعْدًا يَقُولُ: ” قتل علي شيطان الردهة ” .
وعند ابن أبي شيبة :” عن أبي إسحاق ، عن أبي بركة الصائدي .
وإسناده ضعيف أيضا .
فيه : حامد أبو بركة الصائدي ، مجهول ، قال علي بن المديني كما في “الجرح والتعديل” (3/300) :” لا يعرف “انتهى ، وقال الفسوي في “المعرفة والتاريخ” (1/232) :” لا أعرفه “. انتهى .
ومما سبق يتبين أن جميع الروايات التي تدل على أن المخدج الذي قتله علي بن أبي طالب كان من الجن كلها ضعيفة لا تثبت ، إلا الرواية الأولى من طريق يزيد بن أبي صالح ، عن أبي الوضيء، وقد سبق الإشارة إلى ما فيها من نكارة .
وعند تتبع الروايات التي نقلت واقعة قتل علي بن أبي طالب للمخدج ، نجدها قد تواترت عنه ، ولم يذكر واحد منهم كونه من الجن .
فمن ذلك :
رواية : عبيدة السلماني ، عن علي . عند مسلم في “صحيحه” (1066) .
رواية : زيد بن وهب ، عن علي . عند مسلم في “صحيحه” (1066) .
رواية : عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي . عند مسلم في “صحيحه” (1066) .
رواية : أبي كثير ، عن علي . عند أحمد في “مسنده” (672) .
رواية : أبي الوضيء ، عن علي . عند أبي داود في “سننه” (4769) .
رواية : طارق بن زياد ، عن علي . عند النسائي في “السنن الكبرى” (8513) .
رواية : مالك بن الحارث ، عن علي . عند الحاكم في “المستدرك” (2658) .
رواية : أبي مريم ، عن علي . عند أبي داود الطيالسي في “مسنده” (1/138) .
رواية : أبي موسى الهمداني ، عن علي . عند عبد الرزاق في “مصنفه” (5962) .
ثم رواية أبي سعيد الخدري ، كما في “صحيح البخاري” (3610) ، و “صحيح مسلم” (1064) .
كل هذه الروايات لم تذكر أنه كان من الجن ، وانفرد يزيد بن أبي صالح عن أبي الوضيء بذكر ذلك ، وهذا مما يقوي شذوذ هذا اللفظ ، بل نكارته.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب