هل القرآن يصلح للأزمان والأقوام الغابرة ، أي ما قبل فترة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ؟ سؤالي عن القرآن وليس عن الإسلام ، فكما نعرف أن الإسلام يصلح لكل زمان ، ماضي وحاضر ومستقبل .
هل القرآن يصلح للأمم السابقة؟
السؤال: 305484
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا وجه للتفريق بين الإسلام والقرآن ؛ لأن القرآن هو المبين للإسلام والداعي إليه ؛ وما جاء به القرآن ودعا إليه من الإسلام هو على معنيين:
فالمعنى الأول ، هو إسلام عام : وهو توحيد الله تعالى وطاعته ، حسب شريعة النبي التي شرعها الله في ذلك الوقت .
وهو المراد بقوله تعالى: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران/19 .
وقول الله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85.
والمعني الثاني ، إسلام خاص : وهو توحيد الله تعالى، وطاعته حسب شريعة القرآن التي أنزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وبعد نزول القرآن: لم يعد يقبل من الناس إسلام إلا هذا ، لأن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الناس والأجناس إلى يوم القيامة ، فمن لم يؤمن به كان من الكافرين .
كما في قوله تعالى:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف/157 – 158.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
“قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد، سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي سد جميع الطرق إليه، إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثته محمدًا صلى الله عليه وسلم، بدِين على غير شريعته، فليس بمتقبل. كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85 ] وقال في هذه الآية مخبرًا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (2/25) .
ويدلّ على هذا المعنى قول الله تعالى :( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) المائدة/48.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
“( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ ) أيها الأمم جعلنا ( شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) أي: سبيلا وسنة، وهذه الشرائع التي تختلف باختلاف الأمم، هي التي تتغير بحسب تغير الأزمنة والأحوال، وكلها ترجع إلى العدل في وقت شرعتها، وأما الأصول الكبار التي هي مصلحة وحكمة في كل زمان، فإنها لا تختلف، فتشرع في جميع الشرائع. ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) تبعا لشريعة واحدة، لا يختلف متأخرها ولا متقدمها.
( وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) فيختبركم وينظر كيف تعملون، ويبتلي كل أمة بحسب ما تقتضيه حكمته، ويؤتي كل أحد ما يليق به، وليحصل التنافس بين الأمم فكل أمة تحرص على سبق غيرها ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 234).
ويدل على المعنيين جميعا حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ ) رواه البخاري (3443) ، ومسلم (2365).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” فتبين أن دين الأنبياء واحد، وأنهم إخوة لعلات: وهم الذين أبوهم واحد، وأمهاتهم شتى…
وهذا لأن الدين هو الأصل، فشبه بالأب، والشرعة والمنهاج تبع، فشبه بالأم. فقال تعالى: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا )، والشرعة والمنهاج: السبيل. وقال: ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) والقرآن له شريعة، والتوراة لها شريعة قبل النسخ، واتباع كل شريعة قبل النسخ والتبديل: هو الواجب. وهو من تمام الدين الذي هو الإسلام، فلما بدلت اليهود التوراة، ونسخت لم يبقوا مسلمين، حيث كفروا ببعض الكتاب وآمنوا ببعض ” انتهى من “مختصر الفتاوى المصرية” (ص 509 – 510).
فالذي اقتضته حكمة الله تعالى : أن يخص كل أمة بشريعة ، ولو شاء لجعل الناس جميعا على شريعة واحدة ، غير أنه سبحانه وتعالى عدَّدَ الشرائع ابتلاء للناس .
وأما هل كان أمر الناس يصلح على شريعة الإسلام ، وعلى ما أنزله الله في القرآن: فلا شك أن هذا تكلف لما لا معنى للبحث فيه ، ولا طائل من ورائه ، وهو من الرجم بالغيب ، في أمر لا ينال بالظنون، ولا رجم الغيب ؛ وقد قال الله تعالى : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ص/86 .
وإنما الذي ينبغي أن يعلمه السائل، ويفهمه المسترشد: أن أمر الخلائق كلهم: لم يعد له صلاح، ولا استقامة، ولا قِوَام، ولا رشاد، منذ أن بعث الله نبيه، وأنزل عليه كتابه: إلا بالقرآن، وعلى أمر الإسلام؛ وقد قال الله تعالى في وصفه نبيه الكريم: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء/107 .
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (284304) .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة