هل صح أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت الذي تزعم أنك رسول الله ؟
حول صحة ما يروى أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت الذي تزعم أنك رسول الله .
السؤال: 306257
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الحديث الذي أورده السائل الكريم : حديث ضعيف لا يثبت ، وبيان ذلك كما يلي :
الحديث أخرجه أبو يعلى في “مسنده” (4670) ، وأبو الشيخ في “الأمثال” (56) ، من طريق سلمة بن الفضل ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: ” وَكَانَ مَتَاعِي فِيهِ خَفٌّ ، وَكَانَ عَلَى جَمَلٍ نَاجٍ ، وَكَانَ مَتَاعُ صَفِيَّةَ فِيهِ ثِقَلٌ ، وَكَانَ عَلَى جَمَلٍ ثَقَالٍ بَطِيءٍ يَتَبَطَّأُ بِالرَّكْبِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَوِّلُوا مَتَاعَ عَائِشَةَ عَلَى جَمَلِ صَفِيَّةَ ، وَحَوِّلُوا مَتَاعَ صَفِيَّةَ عَلَى جَمَلِ عَائِشَةَ حَتَّى يَمْضِيَ الرَّكْبُ .
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: يَا لَعِبَادِ اللَّهِ ، غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!
قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ ؛ إِنَّ مَتَاعَكِ كَانَ فِيهِ خَفٌّ ، وَكَانَ مَتَاعُ صَفِيَّةَ فِيهِ ثِقَلٌ ، فَأَبْطَأَ بِالرَّكْبِ ، فَحَوَّلْنَا مَتَاعَهَا عَلَى بَعِيرِكِ ، وَحَوَّلْنَا مَتَاعَكِ عَلَى بَعِيرِهَا .
قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ. قَالَ: أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟
قَالَتْ: قُلْتُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ؟ أَفَلَا عَدَلْتَ؟
وَسَمِعَنِي أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ فِيهِ غَرْبٌ – أَيْ حِدَّةٌ – فَأَقْبَلَ عَلَيَّ ، فَلَطَمَ وَجْهِي .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلًا يَا أَبَا بَكْرٍ .
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْغَيْرَى لَا تُبْصِرُ أَسْفَلَ الْوَادِي مِنْ أَعْلَاهُ .
والحديث ضعيف ، فيه علتان :
الأولى : عنعنة محمد بن إسحاق ، وهو حسن الحديث إلا أنه مدلس ، ويدلس عن الضعفاء والمجهولين ، وقد عنعن .
قال ابن حجر في “طبقات المدلسين” (ص51) :” محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني ، صاحب المغازي ، صدوق ، مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم ، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما “. انتهى.
الثانية : سلمة بن الفضل الأبرش ، وهو ضعيف، كثير الخطأ .
وقد ضعفه إسحاق بن راهويه كما في “الكامل” لابن عدي (4/469) ، والنسائي كما في “الضعفاء والمتروكون” (241) ، وقال علي بن المديني: “ما خرجنا من الري حتى رمينا بحديث سلمة” . انتهى من “الضعفاء” لأبي زرعة (2/363) ، وقال البخاري كما في “الضعفاء الصغير” (149) :” عِنْده مَنَاكِير وَفِيه نظر “. انتهى ، وقال أبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” (4/169) :” صالح ، محله الصدق ، في حديثه إنكار ، ليس بالقوي ، لا يمكن أن اطلق لساني بأكثر من هذا ، يكتب حديثه ولا يحتج به “. انتهى ، وقال ابن عدي في “الكامل” (4/370) :” وعنده سوى المغازي ، عنِ ابْن إسحاق وغيره إفرادات وغرائب، ولم أجد في حديثه حديثا قد جاوز الحد في الإنكار وأحاديثه مقاربة محتملة ” انتهى ، وقال ابن حبان في “الثقات” (8/287) :” يُخَالف ويخطىء “. انتهى ، وقال ابن حجر في “تقريب التهذيب” (2505) :” صدوق كثير الخطأ ” انتهى.
والحديث ضعفه البوصيري في “إتحاف الخيرة المهرة” (3/154) ، والعراقي في “المغني عن حمل الأسفار” (1/391) ، وقال المعلمي اليماني في “الأنوار الكاشفة” (1/245) :” حديثٌ منكر “. انتهى ، وضعفه الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (2985) .
وهذا الحديث أورده أبو حامد الغزالي في “إحياء علوم الدين” (2/43) ، فقال :” وقالت له مرة في كلام غضبت عنده أنت الذي تزعم أنك نبي الله ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم واحتمل ذلك حلما وكرما “انتهى .
واستنكره عليه ابن الجوزي في “المنتظم” (17/125) ، فقال في أثناء ترجمته لأبي حامد الغزالي :” وقد جمعت أغلاط الكتاب وسميته إعلام الإحياء بأغلاط الإحياء. وأشرت إلى بعض ذلك في كتابي المسمى بتلبيس إبليس مثل ما ذكر في كتاب النكاح أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تزعم أنك رسول الله . وهذا محال ” انتهى.
ثانيا:
على أنه لو ثبت الحديث لكان يمكن حمله على غير المتبادر إلى الذهن ، لأن كلمة (زعم) ليست خاصة بالتعبير عن الأمر المشكوك فيه ، وإنما يستعملها العرب بمعنى: قال وأخبر .
ويدل على ذلك ما جاء في “صحيح مسلم” (12) ، من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: ” نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ ، فَيَسْأَلَهُ ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَكَ ، قَالَ: صَدَقَ ..” .
قال النووي في “شرح صحيح مسلم” (1/170) :” وَقَوْلُهُ (زَعَمَ رَسُولُكُ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَكَ قَالَ صَدَقَ) : فَقَوْلُهُ زَعَمَ وَتَزْعُمُ ، مَعَ تَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاه: ُ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ (زَعَمَ) : لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْكَذِبِ وَالْقَوْلِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ ، بَلْ يَكُونُ أَيْضًا فِي القول المحقق ، والصدق الذى لاشك فِيهِ ، وَقَدْ جَاءَ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْأَحَادِيثِ …
وَقَدْ أَكْثَرَ سِيبَوَيْهِ ، وَهُوَ إِمَامُ الْعَرَبِيَّةِ ، فِي كِتَابِهِ الَّذِي هُوَ إِمَامُ كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ، مِنْ قَوْلِهِ : زَعَمَ الْخَلِيلُ، زَعَمَ أَبُو الْخَطَّابِ ؛ يُرِيدُ بِذَلِكَ : الْقَوْلَ الْمُحَقَّقَ .
وَقَدْ نَقَلَ ذَلِكَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَنَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ ، عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٍ ، عَنِ الْعُلَمَاءِ بِاللُّغَةِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ ” انتهى.
وعلى كل فالحديث ضعيف لا يثبت ، والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب