تنزيل
0 / 0

هل تصح قصة رؤيا مالك بن دينار التي كانت سببا في توبته ؟

السؤال: 306472

ما هي صحة قصة مالك بن دينار التي تتحدث عن رؤياه التي كانت سبباً في هدايته ؟ وهل نشر القصص التي لا نعلم صحتها من عدمها نأثم عليها ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

مالك بن دينار ، أبو يحيى البصري ، الزاهد ، كان أبوه من سبي سجستان . وقيل : كان كابليا .

مولى امرأة من بني ناجية من بني سامة بن لؤي ، ويقال : مولى خلاس بن عمرو بن المنذر بن عصر بن أصبح بن عبد الله . 

 كان عالما زاهدًا كثير الورع ، قنوعًا لا يأكل إلا من كسبه ، وكان يكتب المصاحف بالأجرة . 

وروي عنه أنه قال : قرأت في التوراة : أن الذي يعمل بيده ؛ طوبى لمحياه، ومماته.

وكان يومًا في مجلس وقد قص فيه قاص ، فبكى القوم ، ثم ما كان بأوشك ما أن أتوا برؤوس، فجعلوا يأكلون منها ، فقيل لمالك : كل . فقال : إنما يأكل الرؤوس من بكى ، وأنا لم أبك ، فلم يأكل .

ويقال: إنه أقام أربعين سنة لا يأكل من رطب البصرة، ولا من تمرها، وإنه وقع حريق بالبصرة، فقال شباب الحي: بيت أبي يحيى مالك بن دينار ، فخرج من منزله متزرا ببارية وبيده مصحف وقال:  فاز- أو نجا -المُخِفُّون .

مات رحمه الله سنة سبع وعشرين ومئة .

وينظر ترجمته في: “تاريخ دمشق” لابن عساكر (56/ 393) ، “وفيات الأعيان” (4/ 139)، “قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر” (2/ 92)، “تهذيب الكمال في أسماء الرجال” (27/ 137)، “سير أعلام النبلاء” (5/ 362) .

ثانيا:

القصة المشار إليها ذكرها ابن قدامة في “كتاب التوابين” (ص: 124) ، فقال :

وروي عن مالك بن دينار ، أنه سئل عن سبب توبته فقال : ” كنت شرطيًا ، وكنت منهمكا على شرب الخمر ، ثم إنني اشتريت جارية نفيسة ، ووقعت مني أحسن موقع ، فولدت لي بنتا ، فشغفت بها ، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا ، وألفتني وألفتها .

قال : فكنت إذا وضعت المسكر بين يدي ، جاءت إلي وجاذبتني عليه ، وهرقته من ثوبي .

فلما تم لها سنتان ماتت ، فأكمدني حزنها .

فلما كانت ليلة النصف من شعبان ، وكانت ليلة الجمعة ، بت ثملا من الخمر ، ولم أُصلّ فيها عشاء الآخرة ، فرأيت فيما يرى النائم : كأنَّ القيامة قد قامت ، ونفخ في الصور ، وبعثرت القبور ، وحشر الخلائق وأنا معهم ، فسمعت حسَّا من ورائي ، فالتفت ، فإذا أنا بتنين أعظم ما يكون ، أسود أزرق ، قد فتح فاه مسرعا نحوي .

فمررت بين يديه هاربا فزعًا مرعوبًا ، فمررت في طريقي بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، فقلت: أيها الشيخ ! أجرني من هذا التنين أجارك الله .

فبكى الشيخ ، وقال لي : أنا ضعيف ، وهذا أقوى مني ، وما أقدر عليه ، ولكن مرّ وأسرع ، فلعل الله أن يتيح لك ما ينجيك منه .

فوليت هاربا على وجهي ، فصعدت على شرف من شرف القيامة ، فأشرفت على طبقات النيران، فنظرت إلى هولها ، وكدت أهوي فيها من فزع التنين ، فصاح بي صائح : ارجع ، فلست من أهلها! فاطمأننت إلى قوله ، ورجعت .

ورجع التنين في طلبي ، فأتيت الشيخ فقلت : يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين، فلم تفعل، فبكى الشيخ ، وقال : أنا ضعيف ، ولكن سر إلى هذا الجبل ، فإن فيه ودائع المسلمين ، فإن كان لك فيه وديعة ، فستنصرك .

قال : فنظرت إلى جبل مستدير من فضة ، وفيه كُوى مخرمة ، وستور معلقة ، على كل خوخة وكوة مصراعان من الذهب الأحمر ، مفصلة باليواقيت ـ مكوكبة بالدر ، على كل مصراع ستر من الحرير ، فلما نظرت إلى الجبل وليت إليه هاربًا والتنين من ورائي ، حتى إذا قربت منه صاح بعض الملائكة : ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع وأشرفوا ! فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه ، فإذا الستور قد رفعت ، والمصاريع قد فتحت ، فأشرف علي من تلك المخرمات أطفال بوجوه كالأقمار ، وقرب التنين مني ، فتحيرت في أمري .

فصاح بعض الأطفال: ويحكم أشرفوا كلكم فقد قرب منه عدوه .

فأشرفوا فوجا بعد فوج ، وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرفت علي معهم ، فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله ، ثم وثبت في كفة من نور ، كرمية السهم ، حتى مثلت بين يدي ، فمدت يدها الشمال إلى يدي اليمنى فتعلقت بها ، ومدت يدها اليمنى إلى التنين ، فولى هاربا.

ثم أجلستني وقعدت في حجري ، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي ، وقالت : يا أبت ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) [الحديد: 16] .

فبكيت وقلت : يا بنية ! وأنتم تعرفون القرآن ؟ فقالت : يا أبت ! نحن أعرف به منكم .

قلت:  فأخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني ؟

قالت : ذلك عملك السوء ، قويته ، فأراد أن يغرقك في نار جهنم.

قلت : فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي ؟

قالت : يا أبت ! ذلك عملك الصالح ، أضعفته حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء .

قلت: يا بنية ! وما تصنعون في هذا الجبل ؟

قالت : نحن أطفال المسلمين ، قد أسكنا فيه إلى أن تقوم الساعة ، ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم .

قال مالك : فانتبهت فزعا ، وأصبحت ، فأرقت المسكر ، وكسرت الآنية وتبت إلى الله – عز وجل – وهذا كان سبب توبتي ” انتهى.

وقد ذكر القصة أيضًا : ابن الجزري في “الزهر الفائح” (ص45).

وهذه القصة مذكورة بلا إسناد ، وفيها بعض ما ينكر ، ومن ذلك :

1- أنه كان سكيرًا ، يشرب الخمر ، ولم يذكر هذا من ترجم له من الأئمة المحققين كابن عساكر والمزي والذهبي وغيرهم !

2- أنه تزوج جارية ، وأنجب منها بنتا ، وهذا أيضا لم يذكر في ترجمته !

ولو كانت هذه القصة صحيحة ؛ لذكرها من ترجم له من أهل التراجم والتاريخ ، وهم أئمة علماء محققون ، كابن عساكر وابن خلكان والذهبي والمزي وغيرهم !

ولكن من عادة أهل العلم أنهم لا يدققون في مثل هذه القصص الواردة عن التابعين فمن بعدهم من السلف الصالحين ، والتي يراد منها الترغيب في التوبة والطاعة ، وأخذ العظة والعبرة .

بخلاف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيجب التثبت منه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ؛ من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .  رواه البخاري (1229) ، ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (3) دون قوله : ” إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ” .

وكذلك الأخبار الواردة عن الصحابة ؛ لا بد من التثبت منها ، لأنه يعتمد عليها ؛ خاصة الواردة في العقائد والأحكام ، أما الواردة في الزهد والرقائق ، فإن من العلماء من يتسامح فيها بشروط ، سبق بيانها في جواب السؤال رقم : (282886).

والحاصل : أن هذه القصة غير ثابتة فيما يبدو ، ولا نعلم لها إسنادا يعتمد عليه .

لكن من ذكرها للعبرة : فلا إثم عليه ؛ وينبغي أن يذكرها بصيغة التمريض ، فيقول : روي عن مالك بن دينار ، أو حكي ، أو ذُكر ، أو ينسبها لمن ذكرها كابن قدامة في كتاب التوابين أو نحو ذلك . 

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android