ما صحة حديث : ( يفسح للغريب في قبره كبعده عن أهله) من أخرجه ؟ وهل له أصل؟ وحديث : ( ما من ميت يموت في الغربة إلا قيس ما بين قبره إلى منقطع أثره في الجنة) أو نحو هذا اللفظ ، فهل يصح ؟ أم هو معلول ؟ نرجو الإفادة حول ما ورد من فضل الموت في الغربة.
حول صحة الأحاديث الواردة في فضل من مات غريبا .
السؤال: 307298
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أما الحديث الأول ، وهو :( يفسح للغريب في قبره كبعده عن أهله ) . فلم نقف له على إسناد .
وإنما أورده الديلمي في “الفردوس بمأثور الخطاب” (9008) ، بدون إسناد ، وقال السيوطي في “شرح الصدور” (ص153) :” وَأخرج أَبُو الْقَاسِم بن مَنْدَه عَن ابْنِ مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم :( يفسح للغريب فِي قَبره كبعده عَن أَهله ). انتهى ، ولم يذكر له إسنادا أيضا .
وأما الحديث الثاني :
فأخرجه النسائي في “سننه” (1832) ، وابن ماجه في “سننه” (1614) ، وابن حبان في “صحيحه” (2934) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (13/39) ، والبيهقي في “شعب الإيمان” (9421) ، والآجري في “الغرباء” (37) ، جميعا من طريق ابن وهب .
وأخرجه أحمد في “مسنده” (6656) ، من طريق ابن لهيعة .
كلاهما عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ المعافري , عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: ” تُوُفِّيَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ عَنْ وَلَدٍ ، بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا لَيْتَهُ مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ فِي غَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ “.
ومدار الحديث على حُيي بن عبد الله المعافري ، وهو مختلف فيه :
قال ابن معين :” ليس به بأس “. كذا من “الجرح والتعديل” لابن أبي حاتم (3/273) ، وقال ابن عدي في “الكامل” (3/390) :” لا بأس به إذا روى عنه ثقة “. انتهى ، وقال الذهبي في “ديوان الضعفاء” (1195) :” حسن الحديث ” انتهى .
وضعفه أحمد فقال :” أحاديثه مناكير ” . انتهى من “الضعفاء الكبير” للعقيلي (1/319) ، وقال البخاري في “التاريخ الكبير” (3/76) :” فيه نظر ” انتهى ، وقال النسائي في “الضعفاء والمتروكون” (162) :” ليس بالقوي ” انتهى .
والحديث اختلف أهل العلم في صحته لأمرين :
الأول : الخلاف في حُيي بن عبد الله المعافري .
الثاني : مخالفة ظاهر الحديث ، لما ورد من الترغيب في الموت في المدينة .
فقد روى الترمذي في “سننه” (3917) ، من حديث ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا .
وهو حديث صحيح ، صححه عبد الحق الإشبيلي في “الأحكام الوسطى” (2/341) ، والشيخ الألباني في “صحيح الترمذي” (3076) .
فمن رأى أن حيي بن عبد الله ضعيف الحديث، مع المخالفة: حكم على الحديث بأنه لا يصح .
قال النسائي في “السنن الكبرى” (1971) :” حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: لَيْسَ مِمَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنَ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا انتهى .
وأما من حكم للحديث بالقبول ، فعنده أن حيي بن عبد الله المعافري : فيه مقال يسير ، وحديث في رتبة الحسن .
وجمع بين الحديث المذكور، وما ورد في فضل الموت بالمدينة.
وقد سلك ذلك الشيخ الألباني رحمه الله، وحسن الحديث في “صحيح ابن ماجه” (1309) .
ووجه الجمع بينه وبين الأحاديث التي فيها فضل الموت بالمدينة : أن يحمل الحديث على من مات بالمدينة أيضا ، ممن كان غريبا عنها ، فهذا له فضيلة ، لأجل غربته ، أو هِجْرته ، على من ولد بها ، ومات فيها .
قال الزركشي في “إعلام الساجد” (ص249) :” وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية، وسئل عنه الدارقطني في العلل الكبير، فقرر صحته بما يطول ذكره ، وهو مذكور في الذهب الإبريز من تأليفي .
فإن قيل: وقد جاء ما يعارض هذا، وهو ما رواه النسائي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: مات رجل بالمدينة، ممن ولد بها، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا ليته مات بغير مولده . قالوا: لم ذاك يا رسول الله؟ قال: إن الرجل إذا مات بغير مولده، قيس له من مولده إلى منقطع أَثره في الجنة . وذكره ابن طاهر في الصفوة وبوب عليه – إِيثارهم الغربة على الوطن – ؟
فالجواب : إن صح، فلا يعارضه ، بل الحديث خاص بمن لم يولد في المدينة ” انتهى.
وقال الإمام أبو الحسن السندي رحمه الله :
“قوله: ( يا ليته مات في غير مولده ): لعله صلى الله عليه وسلم لم يرد بذلك: يا ليته مات بغير المدينة ، بل أراد: يا ليته كان غريبا ، مهاجرا إلى المدينة ، ومات بها . فإن الموت في غير مولده – فيمن مات بالمدينة – : كما يُتصور بأن يولد في المدينة ، ويموت في غيرها ، كذلك يتصور بأن يولد في غير المدينة ، ويموت بها ؛ فليكن التمين راجعا إلى هذا الشق ، حتى لا يخالف الحديثُ حديثَ فضل الموت بالمدينة المنورة”. انتهى، من “حاشية السندي على مسند أحمد” (2/253-254). وينظر أيضا : “حاشية السندي على ابن ماجه” (1/491).
ثانيا:
جاءت أحاديث أخرى تفيد بأن من مات غريبا، مات شهيدا ، وجميعها لا يصح .
روي هذا الحديث من طريق ابن عباس ، وأبي هريرة ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك .
وبيان هذه الطرق كما يلي :
أولا : حديث ابن عباس ، وقد رُوي عنه من طريقين :
الطريق الأول :
أخرجه ابن ماجه في “سننه” (1613) ، وأبو يعلى في “مسنده” (2381) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (11/246) ، وأبو نعيم في “حلية الأولياء” (8/201) ، من طريق الهذيل بن الحكم .
وأخرجه ابن الأعرابي في “معجمه” (1956) ، والقضاعي في “مسند الشهاب” (83) ، من طريق إبراهيم بن بكر .
كلاهما ( الهذيل بن الحكم ، وإبراهيم بن بكر ) ، عن عبد العزي بن أبي رواد ، عن عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ .
والحديث إسناده تالف ، علته الهذيل بن الحكم ، وإبراهيم بن بكر .
فأما الهذيل بن بكر فقال البخاري في “التاريخ الأوسط” (2120) :” منكر الحديث ” . انتهى ، وقال ابن حبان في “المجروحين” (1168) :” مُنكر الحَدِيث جدا ” انتهى .
وأما إبراهيم بن بكر الشيباني الأعور ، فقال أحمد بن حنبل :” أحاديثه موضوعة ” . نقله عنه الذهبي في “ميزان الاعتدال” (1/24) ، وقال الدارقطني كما في “سؤالات البرقاني” (23) :” متروك “. انتهى ، قال ابن عدي في “الكامل” (1/415) :” كان ببغداد يسرق الحديث “. انتهى ، ولذا قال بعد أن أورد روايته لهذا الحديث :” وإبراهيم بن بكر هذا هو الشيباني ، سرق هذا الحديث من الهذيل ، ولاَ أعلم له كبير رواية، وأحاديثه إذا روى: إما أن تكون منكرة بإسناده، أو مسروقة ممن تقدمه ” انتهى.
وقد رواه أيضا إبراهيم بن بكر هذا عن عمر بن ذر عن عكرمة عن ابن عباس ، كما عند أبي نعيم في “حلية الأولياء” (5/119) .
والحديث من هذا الطريق:
قال ابن معين في “سؤالات ابن الجنيد” (218) :” ليس هذا الحديث بشيء ، هذا حديث منكر “. انتهى
الطريق الثاني :
أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (11/57) ، وابن عساكر في “تعزية المسلم” (79) ، من طريق عَمْرُو بْن الْحُصَيْنِ الْعُقَيْلِيُّ ، قال ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُلَاثَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ إِذَا احْتُضِرَ ، فَرَمَى بِبَصَرِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ ، فَلَمْ يَرَ إِلَّا غَرِيبًا ، وَذَكَرَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ ، وَتَنَفَّس؛َ فَلَهُ بِكُلِّ نَفَسٍ يَتَنَفَسُّهُ: يَمْحُو اللهُ أَلْفَيْ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَيَكْتُبُ لَهُ أَلْفَيْ أَلْفِ حَسَنَةٍ .
وإسناده تالف أيضا .
قال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (2/317) :” فِيهِ عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ الْعُقَيْلِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ “. انتهى، وقال الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (425) :” موضوع ” . انتهى
وأما حديث أبي هريرة فيروى عنه من طريقين :
الأول :
أخرجه ابن بشران في “الأمالي” (1059) ، والقضاعي في “مسند الشهاب” (349) ، من طريق أَبُي رَجَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ عَبْد اللَّهِ بْن الْفَضْلِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ .
وإسناده منكر ، فيه أبو رجاء الخراساني عبد الله بن الفضل .
قال العقيلي في “الضعفاء الكبير” (859) :” منكر الحديث ” انتهى .
والحديث قال عنه الذهبي في “المغني في الضعفاء” (7455) :” منكر ” انتهى
الثاني :
أخرجه البيهقي في “شعب الإيمان” (9427) ، من طريق إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ مَاتَ غَرِيبًا مَاتَ شَهِيدًا ، وَوُقِيَ فَتَّانَيِ الْقَبْرِ ، وَغُدِيَ وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ مِنَ الْجَنَّةِ .
وإسناده تالف ، فيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ، كان كذابا .
كذا قال علي بن المديني كما في “سؤالات عثمان بن أبي شيبة” (153) ، ويحيى بن سعيد القطان كما في “التاريخ الكبير” للبخاري (1/323) ، وابن معين وأبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” لابن أبي حاتم (2/126) .
وأما حديث أنس :
فقد أخرجه أبو طاهر المخلص في “المخلِّصيات” (2532) ، من طريق سليمان بن المعتمرِ بنِ سليمانَ التيميّ ، عن مَولى لآل محدوجٍ ، عن محمدِ بنِ يحيى بنِ قيسٍ المأربيِّ ، عن أبيه ، عن أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَن ماتَ غريباً ماتَ شهيداً .
وإسناده منكر .
فيه :” محمد بن يحيى بن قيس المأربي ” ، قال فيه ابن عدي في “الكامل” (6/234) :” منكر الحديث .. أحاديثه مظلمة منكرة “. انتهى
وفيه مبهم لم يسم ، وهو مولى لآل محدوج .
وأما حديث جابر ، فله طريقان :
الأول :
أخرجه أبو نعيم في “حلية الأولياء” (8/203) ، من طريق حَفْص بْن عُمَرَ الْبَصْرِيُّ , عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ , عَنْ طَلْقٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ غَرِيبًا أَوْ غَرِيقًا مَاتَ شَهِيدًا .
وإسناده تالف أيضا ، فيه حفص بن عمر البصري ، قال أبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” (3/183) :” متروك الحديث ” انتهى.
الثاني :
أخرجه ابن عساكر في “تعزية المسلم” (85) ، من طريق عَبْدُ الّلِه بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ ، قال نَا مِسْعَرٌ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَوْتُ الْمُسَافِرِ شَهَادَةٌ .
وإسناده لا يصح ، فيه :” عبد الله بن محمد بن المغيرة ” .
ترجم له الذهبي في “ميزان الاعتدال” (2/487) ، فقال :” قال أبو حاتم: ليس بقوى ، وقال ابن يونس: منكر الحديث ، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه .. ثم ساق له عدة أحاديث وحكم عليه بالوضع ، منها هذا الحديث .
وهذه الروايات التي وردت في كون من مات غريبا شهيدا صرح بضعفها جمعٌ من أهل العلم ، منهم ابن الجوزي في “العلل المتناهية” (2/893) ، وابن الملقن في “البدر المنير” (5/367) ، وابن حجر في “التلخيص الحبير” (2/283) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب