هناك عبارة انتشرت كثيرًا وهي : “الله أَحَنُّ عليك من ألف كتف” فما حكم هذا العبارة ؟ وهل تثبت صفة (الحَنَان) واسم (الحَنَّان) لله سبحانه ؟
هل (الحنان) من صفات الله ؟
السؤال: 307585
ملخص الجواب
في عد (الحنان) من أسماء الله الحسنى: اختلاف بين أهل العلم، والأحسن أن يتوقف عن ذكره في باب الأسماء، ولا حرج في الإخبار عن الله جل جلاله بحنانه على عباده ، أو تحننه عليهم، ونحو ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا :
( الحنَان ) صفة ثابتة لله تعالى ، وهي بمعنى : الرحمة .
قال ” الحليمي ” : ” الحنان : وهو الواسع الرحمة ، وقد يكون المبالغ في إكرام أهل طاعته، إذا وافوا دار القرار، لأن مَن حَنّ إلى غيره من الناس، أكرمه عند لقائه ، وكَلِف به عند قدومه “، انتهى من “المنهاج في شعب الإيمان” (1/ 207).
وقال ابن تيمية في “شرح حديث النُّزول” (184) : ” وقال [يعني: الجوهري] : الحنين : الشوق ، وتوقان النفس . وقال: حنَّ إليه يحنُّ حنينًا فهو حانٌّ .
والحَنَان : الرحمة ، يقال : حنَّ عليه يحنُّ حنانًا ، ومنه قوله تعالى : ( وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وزكاةً ). والحنَّان بالتشديد : ذو الرحمة . وتحننَّ عليه : ترحَّم ، والعرب تقول : حنانيك يا رب! وحنانك! بمعنى واحد ؛ أي : رحمتك . وهذا كلام الجوهري .
وفي الأثر في تفسير الحنَّان المنَّان: “أنَّ الحنان هو الذي يُقبل على من أعرض عنه، والمنَّان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال” ، وهذا باب واسع ” انتهى .
وقال ابن القيم في “القصيدة النونية” (1/50) رادًا على الجهمية نفاة الصفات:
“قالوا وليس لربِّنَا سَمْعٌ ولا بَصَرٌ … ولا وَجْهٌ، فكيفَ يَدَانِ
وكذاك ليس لربِّنَا من قُدْ … رَةٍ وإرادةٍ أو رحمةٍ وحَنَانِ
كلا ولا وَصْفٌ يَقُومُ بِه … سِوى ذاتٍ مجردةٍ بِغَيْرِ مَعَانِ”.
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله : ” هو صفة فعل لله – تعالى – بمعنى الرحيم، من الحنان – بتخفيف النون – وهو الرحمة، قال الله تعالى: ( وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا ) مريم/ 13 ، أي : رحمة منا “، انتهى من “معجم المناهي اللفظية” (237).
وقال علوي السقاف : ” [ الحنان ] صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: ( يَايَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً – وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيَّاً ) مريم/ 12 – 13.
الدليل من السنة:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا: ( يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، عليه حسك كحسك السعدان … ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أنَّ لا إله إلا الله مخلصاً، فيخرجونهم منها ) .
قال: ثم يتحنَّن الله برحمته على مَن فيها، فما يترك فيها عبداً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا أخرجه منها ) .
رواه: الإمام أحمد (3/11) ، وابن جرير في التفسير (16/113) ” انتهى من “صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة” (140) .
ثانيًا :
الذي يظهر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يعد (الحنان) من أسماء الله تعالى الحسنى.
قال: ” وجاء في تفسير اسمه الحنّان، المنّان:
أنّ الحنّان: الذي يُقبل على من أعرض عنه.
والمنّان: الذي يجود بالنوال قبل السؤال” انتهى من “النبوات” (1/365).
وبعض أهل العلم يمنع ذلك ، لأنه الأسماء الحسنى مبناها على “ثبوت التوقيف” بها، فما لم يرد بذكر الاسم دليل ثابت من الكتاب، أو صحيح السنة، فلا ينبغي عده في أسماء الله الحسنى.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ” هل الحنَّان, المنان ,المحسن, من أسماء الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحنان لم يثبت أنها من أسماء الله.
وأما المنان : فثابت أنها من أسماء الله، والمحسن أيضاً من أسماء الله تبارك وتعالى. ولهذا ما زال الناس يسمون عبد المحسن، عبد المنان، والعلماء يعلمون بذلك ولا ينكرونها.” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (4/2) – الشاملة – .
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (24/172) : ” أسماء الله تعالى توقيفية، فلا يسمى الله جل وعلا إلا بما جاء في القرآن أو صحت به السنة، وبناء على ذلك فإن (الحنان) ليس من أسماء الله تعالى، وإنما هو صفة فعل، بمعنى: الرحيم، من الحنان بتخفيف النون- وهو الرحمة، قال الله تعالى: وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا، أي: رحمة منا، على أحد الوجهين في تفسير الآية.
وأما ما جاء في بعض الأحاديث من تسمية الله تعالى ب: (الحنان) فإنه لا يثبت.
وأما: (المنان) فهو من أسماء الله الحسنى الثابتة، كما في (سنن أبي داود والنسائي) من حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع داعيا يدعو: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى” انتهى.
وقد توسع الشيخ “علوي السقاف” في دراسة ثبوت “الحنَّان” اسما لله تعالى ، في كتابه “صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة” (140 – 147) ، ثم قال:
“والخلاصة : أنَّ عدَّ بعضهم (الحنَّان) من أسماء الله تعالى فيه نظر ؛ لعدم ثبوته” انتهى .
وانظر: ” معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى ” ، لمحمد بن خليفة بن علي التميمي : (224).
وأما العبارة المذكورة في السؤال – (الله أَحَنُّ عليك من ألف كتف) – : فليست من باب “التسمية” ، أو إطلاق “اسم” (الحنان)، على الله جل جلاله، بل هي من باب الإخبار عنه بعظم تحننه على عباده ، وأن رحمته وحنانه على عباده: أقرب لهم من كل من سواه ، وعونه لهم ، أقرب من عون من عداه ، سبحانه ، وهذا معنى صحيح ، شريف ، لا مانع منه ، ولا حرج فيه .
وباب الإخبار أوسع من باب الأسماء ، كما هو معروف في هذا الباب.
وينظر جواب السؤال رقم : (198069) .
والحاصل:
أن في عد (الحنان) من أسماء الله الحسنى: اختلافا بين أهل العلم، والأحسن أن يتوقف عن ذكره في باب الأسماء، ولا حرج في الإخبار عن الله جل جلاله بحنانه على عباده ، أو تحننه عليهم، ونحو ذلك.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة