0 / 0

حول الجمع بين حديث :”ولا تستخلقي ثوباً حتى تسترقعيه “. وحديث: ” وأصلحوا لباسكم “.

السؤال: 309147

ما صحة هذا الحديث وفيه قول النبي صلى الله علية وسلم : ( یا عائشة إذا أردت اللحوق بي فلیكفك من الدنیا كزاد الراكب ، ولا تستخلقي ثوباً حتى ترقعیه) ؟ وكيف نوفق بينه وبين هذا الحديث قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالشَّامَةِ فِي النَّاسِ) وبين حديث قال رسول الله صلى الله علية وسلم: ( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ) ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فكما هو معلوم أنه لا تعارض بين آية وآية ، ولا بين آية وحديث ، ولا بين حديث وحديث ، لأن الكل وحي من عند الله تعالى .

والأمر في قضية اللباس واضح إن شاء الله ، وبيانه كما يلي :

أولا : تخريج الأحاديث التي أوردها السائل الكريم .

أما الحديث الأول :

فهو حديث ضعيف جدا ، لا يصح ، وله طريقان :

الطريق الأول :

أخرجه الترمذي في “سننه” (1780) ، وابن السني في “القناعة” (64) ، وابن أبي الدنيا في “الزهد” (95) ، والحاكم في “المستدرك” (7867) ، والبيهقي في “شعب الإيمان” (5770) ، جميعا من طريق صالح بن حسان ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ” قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  إِذَا أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي ، فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ ، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ ، وَلاَ تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ  .

وإسناده تالف ، مداره على : صالح بن حسان .

قال فيه أحمد بن حنبل كما في “العلل” (1/540) :” ليس بشيء “. انتهى ، وقال البخاري كما في “علل الترمذي” (544) :” منكر الحديث “. انتهى ، وقال النسائي في “الضعفاء والمتروكون” (296) :” متروك الحديث “. انتهى ، وقال ابن حبان في “المجروحين” (489) :” كَانَ مِمَّن يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات حَتَّى إِذَا سَمعهَا من الْحَدِيث صناعته شهد لَهَا بِالْوَضْعِ ”  انتهى.

وقد قال الإمام الترمذي، رحمه الله، عقب تخريج الحديث: ” هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث صالح بن حسان وسمعت محمدا يقول: صالح بن حسان منكر الحديث، وصالح بن أبي حسان الذي روى عنه ابن أبي ذئب ثقة.” انتهى.

الطريق الثاني :

أخرجه الطبراني في “المعجم الأوسط” (7010) ، من طريق سويد بن عبد العزيز ، عن نوح بن ذكوان ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ غَالِبٍ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:” دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ ، وَعَلَيْهَا شَمْلُ ثَوْبٍ مَرْقُوعٍ ، فَقُلْتُ: لَوْ أَلْقَيْتِ عَنْكِ هَذَا الثَّوْبَ؟ فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  إِنَّ سَرَّكِ أَنْ تَلْقيني فَلَا تُلْقِيِنَّ ثَوْبًا حَتَّى ترَقِّعِيهِ ، وَلَا تَدَّخِرينَ طَعَامًا لِشَهْرٍ » ، وَمَا أَنَا مُغِيرَةٌ مَا أَمَرَنِي بِهِ حَتَّى أَلْحَقَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ  .

وإسناده تالف ، فيه نوح بن ذكوان ، وسويد بن عبد العزيز ، وكلاهما متروك الحديث .

أما نوح بن ذكوان : فقال فيه أبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” (8/485) :” ليس بشئ مجهول “. انتهى ، وقال ابن حبان في “المجروحين” (1102) :” مُنكر الحَدِيث جدا ، وَلست أَدْرِي أتفرد بهَا أَو شَارك أَخَاهُ فِيهَا ، وعَلى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا يجب التنكب عَن حَدِيثهمَا، لما فِيهِ من الْمَنَاكِير وَمُخَالفَة الْأَثْبَات “. انتهى

وأما سويد بن عبد العزيز: فقال فيه أحمد بن حنبل كما في “العلل” (2/476) :” متروك الحديث ” . انتهى ، وقال ابن معين كما في “سؤالات ابن الجنيد” (229) :” ليس بثقة “. انتهى .

والحديث أورده ابن الجوزي في “العلل المتناهية” (2/806) ، وقال الشوكاني في “الفوائد المجموعة” (ص239) :” وَفِي إِسْنَادِهِ: صَالِحُ بْنُ حسان ، وهو متروك “. انتهى ، و قال الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (1294) :” ضعيف جدا ” انتهى.

الحديث الثاني :

أخرجه أحمد في “مسنده” (17622) ، وأبو داود في “سننه” (4089) ، وابن أبي شيبة في “مصنفه” (19524) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (6/94) ، جميعا من طريق هشام بن سعد ، عن قيس بن بِشْرِ التَّغلبيِّ ، قال: أخبرني أبي – وكان جليساً لأبي الدرداء – قال:” كان بدمشقَ رجل من أصحاب النبي – صلَّى الله عليه وسلم – يقال له: ابن الحنظلية ، وكان رجُلاً متوحِّداً قلَّما يُجَالِسُ الناسَ ، إنما هو صلاةٌ ، فإذا فَرَغَ فإنما هو تسبيحٌ وتكبيرٌ حتى يأتيَ أهلَه ، قال: فمرَّ بنا ونحنُ عندَ أبي الدَّرداء ، فقال له أبو الدرداءِ: كلمةً تنفعُنا ولا تضُرُّك ، قال: بعثَ رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلم – سرِيةً ، فقَدِمت ، فجاء رجلٌ منهم ، فجلس في المجلسِ الذي يَجْلِسُ فيه رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلم – ، فقال لرجُلٍ إلى جنْبه: لو رأيتَنا حينَ التقَينا نحنُ والعدوُّ فحملَ فلانٌ فَطَعَنَ فقال: خُذْها مني وأنا الغلامُ الغِفاريُّ ، كيف ترى في قوله؟ قال: ما أُراه إلا قد بَطَلَ أجرُه، فَسَمعَ بذلك آخرُ ، فقال: ما أُرى بذلك بأساً ، فتنازعا ، حتى سُمِعَ رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلم – ، فقال:  سُبحانَ الله! لا بأسَ أن يُؤجرَ ويُحمدَ   ، فرأيتُ أبا الدرداء سُرَّ بذلك ، وجَعَلَ يرفعُ رأسَه إليه ، ويقولُ: أنتَ سَمِعْتَ ذلك مِنْ رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلم -؟ فيقولُ: نعم ،  فما زالَ يُعيدُ عليه حتى إني لأقوُلُ: ليَبْرُكنَّ على رُكبتيه . قال: فمرَّ بِنا يوماً آخرَ ، فقال له أبو الدرداء: كلِمةً تنفعُنَا ولا تَضُرُّك ، قال: قال لنا رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلم -:  المُنْفِقُ على الخَيلِ كالبَاسِطِ يَدَه بالصَّدقَةِ لا يقْبِضُها  .

ثم مرَّ بِنَا يوماً آخَرَ ، فقال له أبو الدرداء: كلمةً تنفعُنا ولا تَضُرُّك ، قال: قالَ لنا رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلم -: نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيمٌ الأسدِيُّ لولا طُولُ جُمَّته ، وإسبَالُ إزاره  فبلغ ذلك خُريماً ، فعجِلَ فأخذَ شفرةً ، فقطَع بها جُمَّتَه إلى أُذنيه ، ورفع إزاره إلى أنصافِ سَاقَيْهِ .

ثم مرَّ بنا يوماً آخرَ ، فقال له أبو الدرداء ،: كلمةً تنفعُنَا ولا تضُرُّك ، فقال: سمعتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلم – يقول:  إنكم قادِمُونَ على إخوانِكم ، فأصْلِحُوا رِحَالكُم ، وأصْلِحُوا لباسَكُم ، حتى تكونوا كأنكم شامةٌ في الناسِ ، فإن الله لا يُحب الفُحْشَ ولا التّفَحُّشَ .

والحديث ضعيف ، علته جهالة بشر بن قيس ، فإنه ترجم له البخاري في “التاريخ الكبير” (2/86) ، وابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” (1434) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ، وقال ابن حجر في “تقريب التهذيب” (700) :” صدوق “. انتهى ، ولذا حسن الحديث في “الأمالي المطلقة” (ص36) ، وضعفه الشيخ الألباني في “إرواء الغليل” (7/209) .

الحديث الثالث :

له عدة طرق ، أشهرها ، طريق عمران بن حصين ، وعبد الله بن عمرو بن العاص .

أما حديث عمران بن الحصين ، فأخرجه أحمد في “مسنده” (19934) ، من طريق أبي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ قَالَ: ” خَرَجَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَعَلَيْهِ مِطْرَفٌ مِنْ خَزٍّ لَمْ نَرَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ .

والحديث صححه بشواهده الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1290) .

وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، فأخرجه الترمذي في “سننه” (2819) ، من طريق  عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ .

وهو حديث حسن ، حسنه الشيخ الألباني في “مشكاة المصابيح” (4350) .

ثانيا : الجمع بين الأحاديث الواردة في المسألة :

بالنظر إلى الأحاديث الصحيحة الواردة في قضية اللباس نجد أن هناك ثلاث حالات ، حيث قد يمدح ، أو يذم ، أو يباح ، وتفصيل ذلك كما يلي :

أما المحمود فهو ما يلي :

أولا : إن كان معه سعة من المال أن يشتري ثوبا حسنا للجمع والأعياد ، وكذلك تجملا للقاء الله تعالى .

فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ، وحث على فعله .

أما فعله صلى الله عليه وسلم :

فمنه ما أخرجه أحمد في “مسنده” (15323) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (3/202) ، من حديث حكيم بن حزام ، قال :” كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ إِلَيَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمَّا نُبِّئَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ شَهِدَ حَكِيمٌ الْمَوْسِمَ وَهُوَ كَافِرٌ ، فَوَجَدَ حُلَّةٌ لِذِي يَزَنَ تُبَاعُ ، فَاشْتَرَاهَا لِيُهْدِيَهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَدِمَ بِهَا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ ، فَأَرَادَهُ عَلَى قَبْضِهَا هَدِيَّةً فَأَبَى ، فَقَالَ:    إِنَّا لَا نَقْبَلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَخَذْتُهَا مِنْكَ بِالثَّمَنِ  ، فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا حِينَ أَبَى عَلَيَّ الْهَدِيَّةَ فَلَبِسَهَا ، فَرَأَيْتُهَا عَلَيْهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ، ثُمَّ أَعْطَاهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، فَرَآهَا حَكِيمٌ عَلَى أُسَامَةَ ، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ ، أَنْتَ تَلْبَسُ حُلَّةَ ذِي يَزَنَ؟  فَقَالَ: نَعَمْ ، وَاللهِ لَأَنَا خَيْرٌ مِنْ ذِي يَزَنَ ، وَلَأَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ . قَالَ حَكِيمٌ:  فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أُعَجِّبُهُمْ بِقَوْلِ أُسَامَةَ” .

قال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (4/151) :” إسناده جيد “. وصححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1707)

وأما حثه صلى الله عليه وسلم :

فمنه ما أخرجه ابن ماجه في “سننه” (1096) ، من عَائِشَةَ ،:” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَرَأَى عَلَيْهِمْ ثِيَابَ النِّمَارِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَا عَلَى أَحَدِكُمْ ، إِنْ وَجَدَ سَعَةً : أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ ، سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ .

والحديث صححه الشيخ الألباني في “صحيح أبي داود” (4/244) .

وهذا ابن عمر رضي الله عنه كان ربما يلبس الثوب ثمنه خمس مائة درهم .

أخرجه البيهقي في “شعب الإيمان” (5801) ، من طريق عبد الله بن محمد بن أسماء ، قال حَدَّثَنِي جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ ، عَنْ نَافِعٍ ،:” أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ رُبَّمَا لَبِسَ الْمِطَرِّفَ الْخَزَّ ، ثَمَنُهُ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ “وإسناده صحيح .

وهذا مالك بن أنس رحمه الله ، يقول :” مَا أَدْرَكْتُ فُقَهَاءَ بَلَدِنَا إِلَّا وَهُمْ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ الْحِسَانَ ” .

أخرجه البيهقي في “شعب الإيمان” (5809) ، بإسناد صحيح عنه .

ثانيا : أن يترفع عن الحسن من الثياب تواضعا لله تعالى مع قدرته على شراء الحسن من الثياب .

ويدل على ذلك الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله :” البذاذة من الإيمان “.

أخرجه أبو داود في “سننه” (4161) ، من حديث أبي أمامة ، قال: ذكر أصحابُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم – يوماً عنده الدُّنيا ، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلم -:  ألا تَسْمَعُونَ ، ألا تَسْمَعُونَ ، إنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإيمانِ ، إن البذَاذَة مِنَ الإيمان  .

والحديث صححه ابن حجر في “فتح الباري” (10/368) ثم قال :” وَالْبَذَاذَةُ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَتَيْنِ : رَثَاثَةُ الْهَيْئَةِ ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا تَرْكُ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَطُّعِ فِي اللِّبَاسِ ، وَالتَّوَاضُعُ فِيهِ مَعَ الْقُدْرَةِ ، لَا بِسَبَبِ جَحْدِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى “. انتهى،  والحديث حسنه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (341).

ويشهد له حديث في إسناده ضعف ، وهو ما أخرجه أحمد في “مسنده” (15619) ، من طريق سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:  مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْتَصِرَ دَعَاهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي حُورِ الْعِينِ أَيَّتَهُنَّ شَاءَ ، وَمَنْ تَرَكَ أَنْ يَلْبَسَ صَالِحَ الثِّيَابِ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، دَعَاهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي حُلَلِ الْإِيمَانِ ، أَيَّتَهُنَّ شَاءَ  .

والحديث فيه ضعف ، وقد ضعفه الشيخ الالباني في “ضعيف الجامع” (5822) .

قال البرهان ابن مفلح في “المبدع شرح المقنع” (1/340) :” يُسْتَحَبُّ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ  ،عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ  رِجَالُهُ ثِقَاتٌ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: وَهُوَ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ “. انتهى

أما المذموم فهو ما يلي :

أولا : أن يوسع الله على عبده ، ثم يمتنع عن لبس الحسن من الثياب بخلا وكتمانا لفضل الله عليه .

ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ثيابا بالية على رجل فسأله عن حاله ، فعلم أنه ليس فقيرا ، فحثه على أن يوسع على نفسه .

والحديث أخرجه النسائي في “سننه” (5224) ، من طريق أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِيهِ ،: ” أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبٍ دُونٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَكَ مَالٌ؟  قَالَ: نَعَمْ ، مِنْ كُلِّ الْمَالِ ، قَالَ: مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟ قَالَ: قَدْ آتَانِي اللَّهُ مِنَ الْإِبِلِ ، وَالْغَنَمِ ، وَالْخَيْلِ ، وَالرَّقِيقِ ، قَالَ:  فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا ، فَلْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ  .

والحديث صححه الشيخ الألباني في “غاية المرام” (75) .

وعلق ابن عبد البر في “التمهيد” (3/255) على هذا الحديث ، فقال :” وَفِيهِ أَنَّ مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ،  لَمْ يَجُزْ لَهُ إِدْمَانُ لُبْسِ الْخَلِقِ مِنَ الثِّيَابِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَهَا عَلَيْهِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :” إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، جَمَعَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ ” انتهى .

وقال ابن رجب في “اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى” (ص109) :

” وإنما يذم من ترك اللباس مع قدرته عليه ، بخلاً على نفسه ، أو كتماناً لنعمة الله عز وجل ، وفي هذا جاء الحديث المشهور: ” إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده “. ومن لبس لباساً حسناً ، إظهاراً لنعمة الله ، ولم يفعله اختيالاً : كان حسناً.

وكان كثير من الصحابة والتابعين يلبسون لباساً حسناً ، منهم: ابن عباس ، والحسن البصري. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يحب أن يكون لباسه حسناً ونعله حسناً؟ قال: ” ليس ذلك بالكبر ، إنما الكبر بطر الحق وغمط الناس “. يعني: التكبر عن قبول الحق والانقياد له ، واحتقار الناس وازدراءهم ؛ فهذا هو الكبر ، فأما مجرد اللباس الحسن الخالي عن الخيلاء فليس بكبر ، واحتقار الناس مع رثاثة اللباس كبر ” انتهى.

ثانيا : أن يلبس المرقع من الثياب كي يُشتهر بين الناس بالزهد والتقلل من الدنيا .

قال شيخ الإسلام في “مجموع الفتاوى” (11/555) :

” وَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الشهرتين مِنْ الثِّيَابِ: الْمُرْتَفِعَ وَالْمُنْخَفِضَ .

وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ الدِّينِ ، وَمِنْ طَرِيقِ اللَّهِ ؛ إلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّقْيِيدُ فِيهِ فَسَادُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا . فَإِنَّ لُبْسَ الصُّوفِ ، وَتَرْقِيعَ الثَّوْبِ عِنْدَ الْحَاجَةِ : حَسَنٌ ، مِنْ أَفْعَالِ السَّلَفِ . وَالِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا مَذْمُومٌ .

فَأَمَّا مَنْ عَمَدَ إلَى ثَوْبٍ صَحِيحٍ ، فَمَزَّقَهُ ، ثُمَّ يُرَقِّعُهُ بِفَضَلَاتِ ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ الرَّفِيعَ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مِنْ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ . فَهَذَا جَمْعُ فَسَادَيْنِ:

 أَمَّا مِنْ جِهَةِ الدِّينِ : فَإِنَّهُ يَظُنُّ التَّقْيِيدَ بِلُبْسِ الْمُرَقَّعِ وَالصُّوفِ مِنْ الدِّينِ ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ صُورَةَ ذَلِكَ دُونَ حَقِيقَتِهِ ؛ فَيَكُونُ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِمَّا يُنْفَقُ عَلَى الْقُطْنِ الصَّحِيحِ!!

وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلزُّهْدِ ، وَفَسَادُ الْمَالِ بِإِتْلَافِهِ ، وَإِنْفَاقِهِ فِيمَا لَا يَنْفَعُ لَا فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا “. انتهى.

وقال في “المستدرك على الفتاوى” (1/156) :” لبس المرقعات والمصبغات والصوف ، من العباءة وغير ذلك ؛ فالناس فيه على ثلاثة طرق: منهم: من يكره ذلك مطلقا، إما لكونه بدعة ، وإما لما فيه من إظهار الدين .

ومنهم: من استحبه ، بحيث يلتزمه ويمتنع من تركه ، وهو حال كثير ممن ينتسب إلى الخرقة واللبسة ، وكلا القولين والفعلين : خطأ.

والصواب: أنه جائز ، كلبس غير ذلك ، وأنه يستحب أن يرقع الرجل ثوبه للحاجة ، كما رقع عمر ثوبه وعائشة وغيرهما من السلف ، وكما لبس قوم الصوف للحاجة ، ويُلبس أيضا للتواضع والمسكنة، مع القدرة على غيره ، كما جاء في الحديث: من ترك جيد اللباس ، وهو يقدر عليه ، تواضعا لله ؛ كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة .

فأما تقطيع الثوب الصحيح وترقيعه : فهذا فساد وشهرة ، وكذلك تعمد صبغ الثوب لغير فائدة ، أو حك الثوب ليظهر التحتاني ، أو المغالاة في الصوف الرفيع ، ونحو ذلك مما فيه إفساد المال ونقص قيمته ، أو فيه إظهار التشبه بلباس أهل التواضع والمسكنة ، مع ارتفاع قيمته وسعره ، فإن هذا من النفاق والتلبيس .

فهذان النوعان : فيهما إرادة العلو في الأرض بالفساد . والدار الآخرة للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ، مع ما في ذلك من النفاق.

وأيضا فالتقيد بهذه اللبسة ، بحيث يَكرَهُ اللابس غيرها ، أو يُكْرِهُ أصحابه ألا يلبسوا غيرها : هو أيضا منهي عنه “انتهى.

وأما المباح فهو كما يلي :

أولا : ألا يجد الإنسان إلا ثوبا باليا ، أو مرقعا ، فهنا يباح له لبسه ؛ إذ لا يجد غيره .

فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقع ثوبه .

كما في الحديث الذي أخرجه أحمد في “مسنده” (24749) ، من حديث هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ:” قِيلَ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ:   كَمَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ: يَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ “.

وإسناده صحيح .

وثبت أن عمر رضي الله عنه لبس ثوبا مرقعا .

أخرجه مالك في “الموطأ” (1638) ، من طريق أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ؛ قَالَ :”  رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَدْ رَقَعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرَقَاعٍ ثَلاَثٍ . لَبَّدَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ “.

والأثر صححه الشيخ الألباني في “صحيح الترغيب والترهيب” (2082) .

قال ابن العربي في “المسالك في شرح موطأ مالك” (7/303) :” وأمّا لباس عمر المرقعات ، فكان ذلك منه زهدًا في الدّنيا ، وحُوطة على بيت مال المسلمين ، وإلَا فلبس الثِّياب الحِسَان جائز إجماعًا ، لقوله: “إِذَا وَسَّعَ اللهُ عَلَيكُم فَأَوسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُم “. وقد كان مالك يلبس الثِّياب العربيّة ويستجيدها .

وإنّ الله تعالى قد أدّب أهل الإيمان فأحسن أدبهم ، فقال: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ، فإنّ الله ما عذَّب قومًا أعطاهُم الدّنيا ، فشكرُوهُ ، ولا عذَرَ قومًا زَوَى عنهم الدّنيا ، فعَصَوه.

وقال عيسى -عليه السّلام-: البسوا ثيابَ الملوكِ ، وأميتوا قلوبكم بالخشية .

وإنّما كره العلماء لباس الشّهرةِ ، والإفراط في البذاذة ، والإسراف والغلوّ ”  انتهى .

ثانيا : أن يوسع الله عليه فيلبس الحسن من الثياب من غير إسراف ولا مخيلة .

ويدل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي أخرجه أحمد في “مسنده” (6695) ، من طريق عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُوا ، وَاشْرَبُوا ، وَتَصَدَّقُوا ، وَالْبَسُوا ، غَيْرَ مَخِيلَةٍ ، وَلَا سَرَفٍ .

وإسناده حسن ، حسنه الشيخ الألباني في “صحيح الترغيب والترهيب” (2145)

 وبالجملة :

فخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي لبس أحسن الثياب ، ولبس الثوب الخشن حتى أثر في رقبته ، ورقع ثوبه ، فمن لبس ما أحل الله له ، من غير إسراف ولا مخيلة ، وتحدثا بنعمة الله عليه ، فهذا مما يحبه الله ، ويزداد الأمر حسنا إن كان لذلك نية صالحة .

وكذلك من تواضع لله ، فترك جميل الثياب دون أن يلبس المرقع تكلفا ، فضلا عن الثياب المتسخة ، فإنه يؤجر على ذلك إن شاء الله .

قال ابن القيم في “زاد المعاد” (1/137) :

” وَكَانَ غَالِبُ مَا يَلْبَسُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ: مَا نُسِجَ مِنَ الْقُطْنِ، وَرُبَّمَا لَبِسُوا مَا نُسِجَ مِنَ الصُّوفِ وَالْكَتَّانِ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ أبو إسحاق الأصبهاني بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، عَنْ جابر بن أيوب ، قَالَ: دَخَلَ الصلت بن راشد عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَإِزَارُ صُوفٍ وَعِمَامَةُ صُوفٍ ، فَاشْمَأَزَّ مِنْهُ محمد ، وَقَالَ أَظُنُّ أَنَّ أَقْوَامًا يَلْبَسُونَ الصُّوفَ ، وَيَقُولُونَ: قَدْ لَبِسَهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَبِسَ الْكَتَّانَ ، وَالصُّوفَ ، وَالْقُطْنَ ، وَسُنَّةُ نَبِيِّنَا أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ .

وَمَقْصُودُ ابْنِ سِيرِينَ بِهَذَا ؛ أَنَّ أَقْوَامًا يَرَوْنَ أَنَّ لُبْسَ الصُّوفِ دَائِمًا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ ، فَيَتَحَرَّوْنَهُ وَيَمْنَعُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ يَتَحَرَّوْنَ زِيًّا وَاحِدًا مِنَ الْمَلَابِسِ ، وَيَتَحَرَّوْنَ رُسُومًا وَأَوْضَاعًا وَهَيْئَاتٍ يَرَوْنَ الْخُرُوجَ عَنْهَا مُنْكَرًا !!

وَلَيْسَ الْمُنْكَرُ إِلَّا التَّقَيُّدَ بِهَا ، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَيْهَا ، وَتَرْكَ الْخُرُوجِ عَنْهَا.

وَالصَّوَابُ: أَنَّ أَفْضَلَ الطُّرُقِ : طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي سَنَّهَا ، وَأَمَرَ بِهَا وَرَغَّبَ فِيهَا ، وَدَاوَمَ عَلَيْهَا ، وَهِيَ أَنَّ هَدْيَهُ فِي اللِّبَاسِ : أَنْ يَلْبَسَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ اللِّبَاسِ، مِنَ الصُّوفِ تَارَةً ، وَالْقُطْنِ تَارَةً وَالْكَتَّانِ تَارَةً.

وَلَبِسَ الْبُرُودَ الْيَمَانِيَّةَ وَالْبُرْدَ الْأَخْضَرَ ، وَلَبِسَ الْجُبَّةَ وَالْقَبَاءَ وَالْقَمِيصَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَالْخُفَّ وَالنَّعْلَ ، وَأَرْخَى الذُّؤَابَةَ مِنْ خَلْفِهِ تَارَةً وَتَرَكَهَا تَارَةً ، وَكَانَ يَتَلَحَّى بِالْعِمَامَةِ تَحْتَ الْحَنَكِ.

وَكَانَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ كَسَوْتَنِي هَذَا الْقَمِيصَ أَوِ الرِّدَاءَ أَوِ الْعِمَامَةَ ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ  ….

فَالَّذِينَ يَمْتَنِعُونَ عَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ مِنَ الْمَلَابِسِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَنَاكِحِ ، تَزَهُّدًا وَتَعَبُّدًا ؛ بِإِزَائِهِمْ طَائِفَةٌ قَابَلُوهُمْ ، فَلَا يَلْبَسُونَ إِلَّا أَشْرَفَ الثِّيَابِ ، وَلَا يَأْكُلُونَ إِلَّا أَلْيَنَ الطَّعَامِ ، فَلَا يَرَوْنَ لُبْسَ الْخَشِنِ ، وَلَا أَكْلَهُ ؛ تَكَبُّرًا وَتَجَبُّرًا .

وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ : هَدْيُهُ مُخَالِفٌ لِهَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الشُّهْرَتَيْنِ مِنَ الثِّيَابِ الْعَالِي وَالْمُنْخَفِضِ …

وَكَذَلِكَ لُبْسُ الدَّنِيءِ مِنَ الثِّيَابِ : يُذَمُّ فِي مَوْضِعٍ ، وَيُحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ ؛ فَيُذَمُّ إِذَا كَانَ شُهْرَةً وَخُيَلَاءَ ، وَيُمْدَحُ إِذَا كَانَ تَوَاضُعًا وَاسْتِكَانَةً .

كَمَا أَنَّ لُبْسَ الرَّفِيعِ مِنَ الثِّيَابِ ، يُذَمُّ إِذَا كَانَ تَكَبُّرًا وَفَخْرًا وَخُيَلَاءَ ، وَيُمْدَحُ إِذَا كَانَ تَجَمُّلًا وَإِظْهَارًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ ، فَفِي صَحِيحِ مسلم ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا وَنَعْلِي حَسَنَةً ؛ أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَاكَ؟ فَقَالَ: لَا ، إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ”  انتهى .

ثم إن الإنسان أدرى بما يصلح نفسه ، فإن رأى في نفسه كبرا ، فألبسها ما رخص ثمنه تأديبا لها وإصلاحا : كان ذلك في حقه أفضل . ومن أمن على نفسه الكبر ، وكانت هناك مصلحة دينية أو دنيوية في لبسه جميل الثياب : كان هذا في حقه أفضل .

قال ابن رسلان في “شرح سنن أبي داود” (16/483) :” وإنما كان البذاذة من الإيمان ؛ لأنه يؤدي إلى كسر النفس والتواضع ، ولكن ليس ذلك عند كل أحد ؛ بل يورث الكبر عند بعض الناس ، كما أن الثياب النفيسة توجب الكبر عند بعض الناس ، وعلى هذا فالمحبوب الوسط من اللباس “. انتهى.

وقال الشوكاني في “نيل الأوطار” (2/131) :” وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ ، فَلُبْسُ الْمُنْخَفِضِ مِنْ الثِّيَابِ تَوَاضُعًا ، وَكَسْرًا لِسَوْرَةِ النَّفْسِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْ التَّكَبُّرِ إنْ لَبِسَتْ غَالِي الثِّيَاب:ِ مِنْ الْمَقَاصِدِ الصَّالِحَةِ ، الْمُوجِبَةِ لِلْمَثُوبَةِ مِنْ اللَّهِ .

وَلُبْسُ الْغَالِي مِنْ الثِّيَابِ عِنْدَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ مِنْ التَّسَامِي ، الْمَشُوبِ بِنَوْعٍ مِنْ التَّكَبُّرِ ، لِقَصْدِ التَّوَصُّلِ بِذَلِكَ إلَى تَمَامِ الْمَطَالِبِ الدِّينِيَّةِ ، مِنْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ عِنْدَ مِنْ لَا يَلْتَفِتُ إلَّا إلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ ، كَمَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى عَوَامِّ زَمَانِنَا وَبَعْضِ خَوَاصِّهِ : لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْمُوجِبَاتِ لِلْأَجْرِ ، لَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِمَا يَحِلُّ لُبْسُهُ شَرْعًا ” انتهى .

فبان بهذا التفصيل ، هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه أصحابه الكرام ، فهذا هو السبيل ، نسأل الله أن يحيينا ويميتنا عليه ، آمين .

ومن أراد الاستزادة فيمكنه مراجعة جواب السؤال رقم : (6652 ) ، ورقم (228099)

والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android