يذكر بأنه يبلغ عدد درجات الجنة مئة درجة ، كما هو بيّنٌ في الحديث الشّريف ، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (في الجنَّةِ مائةَ درجةٍ ما بينَ كلِّ درجَتينِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ، والفِردوسُ أعلاها درجةً، ومنها تُفجَّرُ أنهارُ الجنَّةِ الأربعَةِ، ومِن فوقِها يكونُ العرشُ، فإذا سألتُمُ اللَّهَ فاسأَلوه الفِردوسَ) وفي أحاديث أخرى مثل : ( من صلي علي نبي رفع له 10 درجات في الجنة ) أو الحديث الذي يدخل الشخص إلي السوق حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَخَلَ السُّوقَ ، فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ ) فكيف سيرفع له مليون درجة ، وإن في الجنة 100 درجة فقط ؟ أم هذا عن شيء آخر ؟ وأيضا الحديث الذي فيه : ( إذا صلى الشخص على الرسول صلى الله عليه وسلم يرفع 10 درجات ) أي إنه لو قاله 10 مرات يرفع 100 درجة .
حول عدد درجات الجنة ، والجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك .
السؤال: 309602
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا : قد جاءت عدة أحاديث ، يذكر فيها أن الجنة درجات . فمن ذلك :
الحديث الأول :
أخرجه الترمذي في "سننه" (2914) ، وأحمد في "مسنده" (6799) ، من طريق عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( يُقَالُ ، يَعْنِي لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ ،: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا ).
والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2240) .
قال الخطابي في "معالم السنن" (1/289) :" جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة ، يقال للقارئ ارق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن ، فمن استوفى قراءة جميع القرآن، استولى على أقصى درج الجنة ، ومن قرأ جزءا منها كان رقيه في الدرج على قدر ذلك ، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة ". انتهى.
وقال ابن القيم في "حادي الأرواح" (ص79) :" وفي المسند عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد ، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة ، حتى يقرأ آخر شيء معه ). وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مائة درجة " انتهى .
الحديث الثاني :
أخرجه البخاري في "صحيحه" (647) ، من حديث أبي هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ ، وَفِي سُوقِهِ ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً ، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ، فَإِذَا صَلَّى ، لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ ).
الحديث الثالث :
أخرجه مسلم في "صحيحه" (488) ، من حديث مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ ، قَالَ: " لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ ، فَسَكَتَ . ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ . ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً ، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً ) .
الحديث الرابع :
أخرجه النسائي في "سننه" (1297) ، من حديث أنس بن مالك ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (500) .
هذا، مع أن الذي يظهر أن الأحاديث التي ذكر فيها رفع الدرجة، في مقابل حط الخطيئة، كما في الأحاديث السابقة؛ الذي يظهر أن المراد بالدرجة في هذه الأحاديث: (الحسنة) وزيادة الأجر، وليس خصوص الدرجة في الجنة، التي يبحث في عددها .
قال ابن رسلان رحمه الله: " (إِلَّا رفعَ) الله لَهُ (بِهَا دَرَجَةٌ) : يحتمل أن هذِه الدرجة معنوية ، بمعنى: ارتفاع رتبته ومنزلته عند الله تعالى، أو في الجنة، ويجوز أن تكون حقيقية ، وهي درج الجنة.
لكن ما بعده [يعني: ذكر الخطيئة]: يرجح الأول . (أو حُطَّ بِهَا) أي: بسببها أو لأجلها (عنه خطيئة) أي محيت من صحيفته." انتهى، من "شرح سنن أبي داود" (3/570). وينظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/105).
الحديث الخامس :
أخرجه الترمذي في "سننه" (3428) ، من حديث ابن عمر ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( مَنْ دَخَلَ السُّوقَ ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ ).
وهذا الحديث مختلف في صحته، وأكثر الأئمة على ضعفه ونكارته ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم : (223533) .
ثانيا : الحديث الذي أورده السائل الكريم من كون درجات الجنة مائة درجة ، الأقرب فيه أنه لا يدل على حصر درجات الجنة في مائة درجة ، وبيان ذلك كما يلي :
أولا :
الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" (2790) ، من حديث أبي هريرة ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ ، وَصَامَ رَمَضَانَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا )، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ:( إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ – أُرَاهُ – فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ ).
ثانيا :
الحديث لا يعارض ما تقدم من الأحاديث من كون أن درجات الجنة لا يعلم عددها إلا الله ، أو أنها بعدد آي القرآن .
فمعنى فوله صلى الله عليه وسلم :( إن في الجنة مائة درجة ) : لا ينفي وجود أكثر من هذا ، كما في حديث :" إن لله تسعة وتسعين اسما " ، مع حديث :" وأسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك "
وقد تكلم أهل العلم في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم :( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين ) ، على وجوه :
أن تكون هذه درجات المجاهدين فقط دون غيرهم .
أو يكون العدد غير مقصود ، وإنما المراد به الكثرة .
أو يكون المعنى أن لكل واحد من أهل الجنة مائة درجة ؟
والأرجح أن تكون هذه المائة درجة مختصة بالمجاهدين ، كما في نص الحديث ، وهذا لا ينفي وجود درجات أخرى ، كما في الأحاديث السابقة .
قال أبو العباس القرطبي في "المفهم" (12/28) :" وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( وأخرى ترفع بها العبد مائة درجة ) ؛ أي : خصلة أخرى . والدرجة : المنزلة الرفيعة ، ويراد بها غرف الجنة ومراتبها ؛ التي أعلاها الفردوس ، كما جاء في الحديث .
ولا يظن من هذا : أن درجات الجنة محصورة بهذا العدد ، بل هي أكثر من ذلك ، ولا يُعلم حصرها ولا عددها إلا الله تعالى ، ألا تراه قد قال في الحديث الآخر : ( يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارق ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ) ؛ فهذا يدل : على أن في الجنة درجات على عدد آي القرآن ، وهي نيف على ستة آلاف آية ، فإذا اجتمعت للإنسان فضيلة الجهاد مع فضيلة القرآن ، جمعت له تلك الدرجات كلها . وهكذا كلما زادت أعماله ، زادت درجاته ". انتهى.
وقال العز ابن عبد السلام في "الفوائد في اختصار المقاصد" (153) :" وللمؤمنين درجات في الإيمان ، عليات ، ودنيات ، ومتوسطات .
وللمجاهدين مئة درجة في الجنة ، مترتب أعلاها على أعلى رتب الجهاد ، وأدناها على أدناها ". انتهى.
وقال ابن القيم في "حادي الأرواح" (ص66) :" وقد ثبت في الصحيحين عنه أنه قال:" الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض" . وهذا يدل على أنها في غاية العلو والارتفاع ، والله أعلم . والحديث له لفظان ، هذا أحدهما ، والثاني : ( إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله ) . وشيخنا يرجح هذا اللفظ ، وهو لا ينفي أن يكون درج الجنة أكبر من ذلك ، ونظير هذا قوله في الحديث الصحيح : ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) . أي من جملة أسمائه هذا القدر ، فيكون الكلام جملة واحدة في الموضعين "انتهى.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (13/413) :" وَأَمَّا قَوْلُهُ :" مِائَةُ دَرَجَةٍ ". فَلَيْسَ فِي سِيَاقِهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ هُوَ جَمِيعُ دَرَجِ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِيهَا . وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَرْفُوعِ ، الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وابن حِبَّانَ: ( وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْد آخر آيَة تقرؤها ) . وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلَافٍ وَمِائَتَيْنِ ، وَالْخُلْفُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْكُسُورِ "انتهى.
والحاصل مما سبق :
أن الأظهر في عدد درجات الجنة: إما أنها لا تنحصر في عدد معين ، أو أنها على عدد آيات القرآن ، وأن حديث " في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين " ، ليس نصا في حصر درجات الجنة عامة ، في مائة فقط ، وإنما المذكور فيه : درجات المجاهدين .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة