أود الاستفسار عن صحة الرواية التالية مع ذكر المصدر إن أمكن: ” دخل عمر رضي الله عنه المسجد، فوجد رجلاً يقص على الناس من الخزعبلات، وأخبار الماضين والماضيات، التي لا تعتمد على أسانيد ولا على ثقات، فقال: عمر من الرجل؟ قالوا: رجل يا أمير المؤمنين من الناس، قال: وماذا يفعل؟ قالوا: يقص علينا قصصاً، قال: عمن؟ قالوا: عن قوم لا نعرفهم، فعاد رضي الله عنه وأرضاه وأخذ درته، ـ والدرة عصى يحملها عمر دائماً للطوارئ، يؤدب بها، ويخرج بها الشياطين من الرءوس ـ فأتى رضي الله عنه وأرضاه فضرب الرجل وأنزله، وقال سبحان الله، يقول الله: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ) يوسف/3، وأنت تقص على الناس هذه القصص”، فقال أهل العلم: حق على من قص على الناس أن يعتني بالأحاديث الصحيحة، وألا يقص عليهم إلا ما ينفعهم في الدنيا والآخرة .
حول ما ورد عن وجود القُصاص أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وضربه لهم بالدرة
السؤال: 310470
ملخص الجواب
صح وجود القُصاص أيام عمر رضي الله عنه ، إلا أنه نهاهم عن النقل عن أهل الكتاب ، وأمرهم ألا يكثروا منه حتى لا ينشغل الناس عن الوحي ، وحثهم على الاقتصار على قصص القرآن ، وخاصة أحسن القصص ، قصة يوسف الصديق ، وحذرهم من العُجب ، ورؤية النفس ، وضرب من خالف ذلك . فإن وُجد قاص على علم ، يقص على الناس ما صح من أخبار الماضين ، ليأخذ الناسُ منه العظة والعبرة ، ونأى بنفسه عن الإسرائيليات، وما لم يصح سنده ، ولم يكثر على الناس : فلا بأس بذلك إن شاء الله، وما زال الناس يحتاجون إلى من يذكرهم، ويعظهم، ويرقق قلوبهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
القاص : هو من يروي للناس أخبار الماضيين وقصصهم ، ويسردها على الناس لأجل العبرة والعظة ، وربما أطلقه البعض على الوعاظ الذين يكثرون من إيراد القصص في مواعظهم .
قال البغوي في “شرح السنة” (1/305) :” وَقِيلَ: إِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى النَّاسِ ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ: مُذَكِّرٌ ، وَوَاعِظٌ ، وَقَاصٌّ ، فَالْمُذَكِّرُ: الَّذِي يُذَكِّرُ النَّاسَ آلاءَ اللَّهِ وَنَعْمَاءَهُ ، يَبْعَثُهُمْ بِهِ عَلَى الشُّكْرِ لَهُ.
وَالْوَاعِظُ: يُخَوِّفُهُمْ بِاللَّهِ ، وَيُنْذِرُهُمْ عُقُوبَتَهُ ، وَيَرْدَعُهُمْ عَنِ الْمَعَاصِي .
وَالْقَاصُّ: هُوَ الَّذِي يَرْوِي أَخْبَارَ الْمَاضِينَ ، وَيُسْرِدُ عَلَيْهِمُ الْقَصَصَ ، فَلا يُؤْمَنُ فِيهَا الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ، وَالْوَاعِظُ وَالْمُذَكِّرُ: مَأْمُونٌ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ” انتهى.
ولم يكن هناك قُصاص في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
وجاءت بعض الروايات التي تدل على إذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبعض القصاص ، وتقويمهم .
ثانيا:
وأما بالنسبة لمحل السؤال :
فهذا السياق الذي أورده السائل ملفق من عدة روايات ، وبيان ذلك كما يلي :
أولا : جاءت روايات – لكن في إسنادها ضعف – تدل على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرشد القصاص إلى أن يعتمدوا على قصص القرآن، وخاصة قصة يوسف عليه السلام ، ومن ذلك:
الرواية الأولى:
أخرجها ابن أبي شيبة في “مصنفه” (26199) ، من طريق شَرِيك ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، قَالَ:” بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا يَقُصُّ بِالْبَصْرَةِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ يوسف/2 ، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ” .
قَالَ: ( فَعَرَفَ الرَّجُلُ فَتَرَكَهُ ).
وإسناده ضعيف .
فهو مرسل ، حيث إن محمد بن سيرين ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه .
ثم فيه شريك بن عبد الله النخعي القاضي الكوفي ، سيء الحفظ ، وقال فيه ابن حجر في “تقريب التهذيب” (2787) :” صدوق يخطيء كثيرا ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة “. انتهى.
الرواية الثانية :
أخرجها أبو يعلى في “مسنده” كما في “المقصد العلي” (62) ، ومن طريقه الضياء في “المختارة” (115) ، من طريق عبد الرَّحْمَن بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ، قَالَ : ” كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، إذْ أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ مَسْكَنُهُ بِالسُّوسِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَنْتَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ الْعَبْدِيُّ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَأَنْتَ النَّازِلُ بِالسُّوسِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَضَرَبَهُ عمر بقناة مَعَه . فَقَالَ مَالِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : اجْلِسْ . فَجَلَسَ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَص إِلَى لمن الغافلين فَقَرَأَ عَلَيْهِ ثَلاثًا ، وَضَرَبُه ثَلاثًا . فَقَالَ لَهُ الرجل مَالِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ أَنْتَ الَّذِي نَسَخْتَ كِتَابَ دَانِيَالَ ؟ قَالَ : مُرْنِي بِأَمْرِكَ أَتَّبِعْهُ . قَالَ انْطَلِقْ فَامْحُهُ بِالْحَمِيمِ وَالصُّوفِ الأَبْيَضِ ، ثُمَّ لَا تَقْرَأْهُ ، وَلا تُقْرِئْهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ ، فَلَئِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قَرَأْتَهُ، أَوْ أَقْرَأْتَهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ ، لأُنْهِكَنَّكَ عُقُوبَةً “.
وإسناده ضعيف ، فيه علتان :
الأولى : خليفة بن قيس ، قال فيه البخاري في “الضعفاء الصغير” (117) :” لم يَصح حَدِيثه وَفِي حَدِيثه نظر “. انتهى ، وقال أبو حاتم كما في “الجرح والتعديل” (3/376) :” شيخ ليس بالمعروف “. انتهى.
الثانية : عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ، متفق على ضعفه .
قال فيه أحمد بن حنبل وأبو حاتم الرازي:” منكر الحديث ” . انتهى من “الجرح والتعديل” (5/213) .
وهذا الطريق ضعفه ابن كثير في “مسند الفاروق” (2/545) ، والبوصيري في “إتحاف الخيرة” (1/249) .
وله طريق آخر ، أخرجه الخطيب البغدادي في “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع” (1490) ، من طريق عَبْد الْأَعْلَى بْن حَمَّادٍ ، قال أنا وُهَيْبٌ ، قال أنا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ:” أَنَّ عُمَرَ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا كَتَبَ كِتَابَ دَانْيَالَ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَرْتَفِعُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ ، جَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُ بَطْنَ كَفِّهِ بِيَدَيْهِ ، وَيَقُولُ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ يوسف/2 ، فَقَالَ عُمَرُ : أقصصٌ أَحْسَنُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْفِنِي، فَوَاللَّهِ لَأَمْحُوَنَّهُ “.
لكنه مرسل ، فإن إبراهيم النخعي لم يسمع من أحد من الصحابة ، كما في “المراسيل” لابن أبي حاتم (ص9) .
وهاتان الروايتان تبينان: أن إنكار عمر رضي الله عنه على القاص أنه كان يقص من كتب أهل الكتاب.
الرواية الثالثة :
أخرجها ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (52/28) ، من طريق محمد بن خُريم بن محمد بن مروان بن عبد الملك العقيلي البزار ، قال حدثنا هشام بن عمار بن سليمان ، قال سمعت قتادة قال :” سمع عمر بن الخطاب رجلا يتبع القصص ، فقال له أتحسن سورة يوسف ؟ قال : نعم . قال : اقرأها . فقرأ حتى بلغ : ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) . فقال عمر: أفتُريد أحسنَ من أحسن القصص” .
وهو مرسل أيضا، فإن قتادة لم يسمع من أحد من الصحابة، إلا من أنس بن مالك رضي الله عنه ، كما قال الإمام أحمد ، نقله عنه ابن أبي حاتم في “المراسيل” (619) .
ثالثا:
أما ضرب عمر رضي الله عنه للقصاص ، فقد ورد من عدة طرق ، إلا أنه لم يثبت كونه ضربهم لأجل القصص ، وبيان ذلك كما يلي :
الرواية الأولى :
أخرجه ابن شبة في “تاريخ المدينة” (1/15) ، من طريق أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ” قُلْتُ لَهُ: أَذَكَرْتَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَرْسَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى أَبِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَاصٍّ كَانَ يَقْعُدُ عَلَى بَابِهَا: إِنَّ هَذَا قَدْ آذَانِي وَتَرَكَنِي لَا أَسْمَعُ الصَّوْتَ » ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَنَهَاهُ ، فَعَادَ ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَبِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعَصَاهُ ، حَتَّى كَسَرَهَا عَلَى رَأْسِهِ ).
وإسناده صحيح ، إلا أنه يظهر من السياق أن عمر رضي الله عنه لم يضربه لأجل أصل القصص ، وإنما لإيذائه أم المؤمنين بعلو صوته .
الرواية الثانية :
أخرجها ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (11/81) ، من طريق حنبل بن إسحاق ، قال حدثنا عبد الرحمن أبو مسلم ، قال حدثنا معن ، قال أخبرنا مالك ، عن أبي سهيل بن مالك ، عن أبيه ، عن تميم الداري أنه : “استأذن عمر في القصص فأذن له ، ثم مر عليه بعد فضربه بالدرة ، ثم قال له : بكرة وعشية “.
وإسناده ثقات ، إلا أن تفرد هذه الرواية بذكر ضرب عمر رضي الله عنه لتميم الداري ، يجعل في القلب منها شيئا ، وذلك لأمرين :
الأول : أنه تفرد بروايتها حنبل بن إسحاق ، وهو ثقة ، إلا أنه يهم أحيانا ، ولذا توقف بعض أهل العلم فيما انفرد به .
قال ابن رجب في “فتح الباري” (2/367) بعد إيراده رواية تفرد بها حنبل بن إسحاق عن الإمام أحمد:” وهذه رواية مشكلة جدا ، ولم يروها عن أحمد غير حنبل ، وهو ثقة ، إلا أنه يهم أحيانا ، وقد اختلف متقدمو الأصحاب فيما تفرد به حنبل عن أحمد: هل تثبت به رواية عنه أم لا؟ “انتهى.
الثاني : أنه قد رويت بعض الآثار – وكلها لا تخلو من مقال – التي تدل على استئذان تميم الداري من عمر في القصص ، وإذن عمر له ، ولم يذكروا قصة ضربه له بالدرة ، ومن هذه الآثار ما يلي:
الأول : ما أخرجه أحمد في “مسنده” (15715) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (7/149) ، من طريق بقية بن الوليد ، قال حدثني الزُّبَيْدِيُّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ، :” أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُقَصُّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَصَّ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ ، اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَقُصَّ عَلَى النَّاسِ قَائِمًا ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ”.
وإسناده ضعيف ، في إسناده بقية بن الوليد ، وهو يدلس تدليس التسوية ، وهو شر أنواع التدليس ، ويجب أن يصرح بالتحديث في جميع طبقات السند ، وهو هنا قد عنعن بين الزهري والسائب ، فالإسناد ضعيف .
الثاني : ما أخرجه ابن شبة في “تاريخ المدينة” (1/11) ، من طريق ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: “خَرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَرَأَى حِلَقًا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ فَقَالُوا: قُصَّاصٌ فَقَالَ: وَمَا الْقُصَّاصُ؟ سَنَجْمَعُهُمْ عَلَى قَاصٍّ يَقُصُّ لَهُمْ فِي يَوْمِ سَبْتٍ، مَرَّةً إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْآخَرِ . فَأُمِرَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ”.
وإسنادها ضعيف ، فيه ابن إسحاق ، وهو مدلس وقد عنعن .
الثالث : ما أخرجه ابن شبة في “تاريخ المدينة” (1/11) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى التَّيْمِيُّ ، عَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:”أَوَّلُ مَنْ قَصَّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ ، اسْتَأْذَنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ مَرَّةً ، فَأَبَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ أُخْرَى ، فَأَبَى عَلَيْهِ ، حَتَّى كَانَ آخِرُ وِلَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُذَكِّرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ”.
وإسناده ضعيف أيضا ، فهو من مراسيل الزهري ، ومراسيل الزهري ليست بشيء ، كما قال ابن معين في “المراسيل” لابن أبي حاتم (ص3).
وفيه أيضا: عبد الله بن موسى التيمي ، صدوق كثير الخطأ ، قال فيه ابن حبان في “المجروحين” (2/16) :” في أحاديثه رفع الموقوف ، وإسناد المرسل كثيرا ، حتى يخطر ببالِ مَنِ الحديثُ صناعتُه أنها معمولة، من كثرتها؛ لا يجوز الاحتجاج به عند الانفراد، ولا الاعتبار عند الوفاق “. انتهى.
الرابع : ما أخرجه ابن شبة في “تاريخ المدينة” (1/15) ، من طريق أبي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَكِينٍ قَالَ: سَأَلْتُ نَافِعًا عَنِ الْقَصَصِ، فَقَالَ: “أَوَّلُ مَنْ قَصَّ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَكَانَ يَقُومُ فَيَتَكَلَّمُ ، فَإِذَا جَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمْسَكَ ، وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ”.
وإسناده صحيح إلى نافع ، إلا أن نافعا لم يدرك عمر أيضا .
الخامس : ما أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (2/49) ، من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ : ” أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فِي الْقَصَصِ ، فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ ، يَعْنِي الذَّبْحَ ” .
وإسناده صحيح إلى عمرو بن دينار ، إلا أنه مرسل ، لأن عمرو بن دينار لم يدرك عمر بن الخطاب ولا تميما الداري، رضي الله عنهما .
السادس : ما أخرجه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (11/80) ، من طريق وجيه بن طاهر ، قال أنبأنا أبو حامد الأزهري ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن حمدون ، أخبرنا أبو حامد الشرقي ، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ، حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا عبد الله بن نافع ، عن أسامة ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن : ” أن تميما الداري استأذن عمر في القصص سنين، فأبى أن يأذن له ، فاستأذنه في يوم واحد ، فلما أكثر عليه قال له : ما تقول ؟ قال : أقرأ عليهم القرآن، وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن الشر. قال عمر : ذلك الذبح . ثم قال : عظ قبل أن أخرج في الجمعة. فكان يفعل ذلك يوما واحدا في الجمعة ، فلما كان عثمان استزاده فزاده يوما آخر”.
وهو مرسل أيضا ، فإن حميد بن عبد الرحمن لم يسمع من عمر، على الراجح من أقوال أهل العلم ، إلا أنه أدرك تميما الداري، فاحتمال سماعه منه وارد ، مع كونه لم يصرح بسماعه منه .
فهذه الروايات على ما فيها من ضعف ، أو إرسال ، إلا أنها بمجموع طرقها تدل على أن استئذان تميم الداري من عمر في القصص ، له أصل ، على الشرط المذكور: ألا يُكثر.
الرواية الثالثة :
أخرجها ابن شبة في “تاريخ المدينة” (1/9) ، من طريق عمر بن سعيد الدمشقي ، عن بُكَيْر بْن مَعْرُوفٍ ، قَالَ: أَحْسَبُهُ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ:” مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَاصٍّ ، فَخَفَقَهُ بِالدِّرَّةِ ، وَقَالَ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: مُذَكِّرٌ . قَالَ: كَذَبْتَ . قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر الغاشية/21 ، ثُمَّ خَفَقَهُ بِالدِّرَّةِ فَقَالَ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ؟ قُلْتُ: قَاصٌّ ، فَرَدَدْتَ عَلَيَّ ، وَقُلْتُ: مُذَكِّرٌ ، فَرَدَدْتَ عَلَيَّ ، فَقَالَ: قُلْ: أَنَا أَحْمَقُ مُرَاءٍ مُتَكَلِّفٌ”.
وهو ضعيف جدا لا يثبت ، فإنه مرسل واه ، فإن مقاتل بن حيان لم يرو عن أحد من الصحابة ، وتوفي سنة 150هجرية ، ثم إن فيه عمر بن سعيد الدمشقي متروك ، قال الذهبي في “المغني في الضعفاء” (4472) :” تركوه “. انتهى.
ومما سبق يتبين أن الروايات تدل على ثبوت القصص والقُصَّاص أيام عمر رضي الله عنه، وكذلك تدل على أنه كان يرشدهم إلى الاقتصار على قصص القرآن ، ويحذرهم من العجب.
وأما ضربه لهم بالدرة لأجل القصص فحسب: فهذا لم يثبت ، وإنما ضرب من ضرب منهم، إما على نقلهم من كتب أهل الكتاب ، أو على إيذائهم المسلمين بكثرة قصصهم، وعلو صوتهم .
وما يدل على ثبوت القصص أيام عمر ما يلي :
ما أخرجه الإمام أحمد في “مسنده” (111) ، من طريق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِيِّ ، :” أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ثَلاثِ خِلالٍ ، قَالَ: فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَهُ عُمَرُ مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: لِأَسْأَلَكَ عَنْ ثَلاثِ خِلالٍ ، قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: رُبَّمَا كُنْتُ أَنَا وَالْمَرْأَةُ فِي بِنَاءٍ ضَيِّقٍ ، فَتَحْضُرُ الصَّلاةُ ، فَإِنْ صَلَّيْتُ أَنَا وَهِيَ ، كَانَتْ بِحِذَائِي ، وَإِنْ صَلَّتْ خَلْفِي ، خَرَجَتْ مِنَ الْبِنَاءِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ: تَسْتُرُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بِثَوْبٍ ، ثُمَّ تُصَلِّي بِحِذَائِكَ إِنْ شِئْتَ، وَعَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؟ فَقَالَ: نَهَانِي عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: وَعَنِ الْقَصَصِ ، فَإِنَّهُمْ أَرَادُونِي عَلَى الْقَصَصِ ؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ ، كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَمْنَعَهُ . قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَنْتَهِيَ إِلَى قَوْلِكَ. قَالَ: أَخْشَى عَلَيْكَ أَنْ تَقُصَّ ، فَتَرْتَفِعَ عَلَيْهِمْ فِي نَفْسِكَ ، ثُمَّ تَقُصَّ فَتَرْتَفِعَ ، حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْكَ أَنَّكَ فَوْقَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الثُّرَيَّا ، فَيَضَعَكَ اللَّهُ تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ”.
وإسناده حسن كما قال ابن كثير في “مسند الفاروق” (1/274) .
وكذلك ما أخرجه ابن سعد في “الطبقات” (5/463) ، من طريق عفان بن مسلم ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت :( قال أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب ).
وإسناده صحيح إلى ثابت ، إلا أن ثابتا لم يدرك عمر أيضا .
رابعا:
يحسن بنا أن ننقل هذا التفصيل الرائق من الإمام ابن الجوزي، حول حكم القصص والجلوس إلى القُصّاص .
قال ابن الجوزي في “القصاص والمذكرين” (ص159) :” سَأَلَ سَائل فَقَالَ: نرى كَلَام السّلف يخْتَلف فِي مدح الْقصاص وذمهم . فبعضهم يحرض على الْحُضُور عِنْدهم ، وَبَعْضهمْ ينْهَى عَن ذَلِك . وَنحن نسْأَل أَن تذكر لنا فصلا يكون فصلا لهَذَا الْأَمر . فأجبت – وَالله الْمُوفق -: أَنه لَا بُد من كشف حَقِيقَة هَذَا الْأَمر ليبين الْمَحْمُود مِنْهُ والمذموم.
فَأَقُول – وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِن لهَذَا الْفَنّ ثَلَاثَة أَسمَاء: قصَص ، وتذكير ، وَوعظ؛ فَيُقَال: قاص ، ومذكر ، وواعظ .
فالقاص هُوَ الَّذِي يتبع الْقِصَّة الْمَاضِيَة بالحكاية عَنْهَا، وَالشَّرْح لَهَا، وَذَلِكَ الْقَصَص . وَهَذَا فِي الْغَالِب عبارَة عَمَّن يروي أَخْبَار الماضين . وَهَذَا لَا يذم لنَفسِهِ ، لِأَن فِي إِيرَاد أَخْبَار السالفين عِبْرَة لمعتبر ، وعظة لمزدجر ، واقتداء بصواب لمتبع ، وَقد قَالَ الله عز وَجل: ( نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص ) . وَقَالَ: ( إِن هَذَا لَهو الْقَصَص الْحق ) .
وَإِنَّمَا كره بعض السّلف الْقَصَص لأحد سِتَّة أَشْيَاء:
أَحدهَا : أَن الْقَوْم كَانُوا على الِاقْتِدَاء والاتباع ، فَكَانُوا إِذا رَأَوْا مَا لم يكن على عهد رَسُول الله أنكروه، حَتَّى إن أَبَا بكر وَعمر لما أَرَادَا جمع الْقُرْآن قَالَ زيد: أتفعلان شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله؟ .
وَالثَّانِي : أَن الْقَصَص لأخبار الْمُتَقَدِّمين تندر صِحَّته ، خُصُوصا مَا ينْقل عَن بني إِسْرَائِيل ، وَفِي شرعنا غنية . وَقد جَاءَ عمر بن الْخطاب بِكَلِمَات من التَّوْرَاة إِلَى رَسُول الله ، فَقَالَ لَهُ: أمطها عَنْك يَا عمر! خُصُوصا إِذْ قد علم مَا فِي الْإسْرَائِيلِيات من الْمحَال ، كَمَا يذكرُونَ أَن دَاوُد – عَلَيْهِ السَّلَام بعث أوريا حَتَّى قتل وَتزَوج امْرَأَته ، وَأَن يُوسُف حل سراويله عِنْد زليخا . وَمثل هَذَا محَال تتنزه الْأَنْبِيَاء عَنهُ ، فَإِذا سَمعه الْجَاهِل، هَانَتْ عِنْده الْمعاصِي، وَقَالَ: لَيست معصيتي بعجب.
وَالثَّالِث : أَن التشاغل بذلك يشغل عَن المهم من قِرَاءَة الْقُرْآن، وَرِوَايَة الحَدِيث، والتفقه فِي الدّين.
وَالرَّابِع : أَن فِي الْقُرْآن من الْقَصَص، وَفِي السّنة من العظة مَا يَكْفِي عَن غَيره مِمَّا لَا تُتيقن صِحَّته.
وَالْخَامِس : أَن أَقْوَامًا مِمَّن يُدْخِل فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ، قصوا ، فأدخلوا فِي قصصهم مَا يفْسد قُلُوب الْعَوام .
وَالسَّادِس : أَن عُمُوم الْقصاص لَا يتحرون الصَّوَاب ، وَلَا يحترزون من الْخَطَأ، لقلَّة علمهمْ وتقواهم .
فَلهَذَا كره الْقَصَص من كرهه .
فَأَما إِذا وعظ الْعَالم ، وقَص من يعرف الصَّحِيح من الْفَاسِد ؛ فَلَا كَرَاهَة “. انتهى.
وخلاصة القول :
أنه لو جلس رجل يقص ما هو معروف من أخبار المتقدمين السابقين ، ولم يخالف أصول الشريعة ، ولم يشغل الناس بذلك عن الوحي بحيث لا يكثر عليهم منه ؛ كان ذلك حسنا ونافعا إن شاء الله .
وقد نقل ابن الجوزي عن الإمام أحمد استحبابه لذلك ، كما في “القصاص والمذكرين” (16) ، فقال :” وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ عَنِ الْقَاصِّ؟ فَقَالَ: إِذَنْ مَا أَحْوَجَ النَّاسَ إِلَى قَاصٍّ صِدْقٍ . قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: يُعْجِبُنِي أَمْرُ الْقُصَّاصِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْمِيزَانَ وَعَذَاب الْقَبْر . قلت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَتَرَى الذَّهَابَ إِلَيْهِمْ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي إِذَا كَانَ صَدُوقًا ، لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْمِيزَانَ وَعَذَابَ الْقَبْرِ .
قَالَ: وَشَكَا رَجُلٌ إِلَى أبي عبد الله الوسوسة . فَقَالَ: عَلَيْك بِالْقصاصِ . مَا أَنْفَعَ مُجَالَسَتَهُمْ .
قَالَ الْخَلَّالُ: وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَكَرِيَّا التَّمَّارُ ، سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَنَا يُعْجِبُنِي الْقَاصُّ فِي هَذَا الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ الشَّفَاعَةَ وَالصِّرَاطَ “. انتهى.
والخلاصة :
أنه صح وجود القُصاص أيام عمر رضي الله عنه ، إلا أنه نهاهم عن النقل عن أهل الكتاب ، وأمرهم ألا يكثروا منه حتى لا ينشغل الناس عن الوحي ، وحثهم على الاقتصار على قصص القرآن ، وخاصة أحسن القصص ، قصة يوسف الصديق ، وحذرهم من العُجب ، ورؤية النفس ، وضرب من خالف ذلك .
فإن وُجد قاص على علم ، يقص على الناس ما صح من أخبار الماضين ، ليأخذ الناسُ منه العظة والعبرة ، ونأى بنفسه عن الإسرائيليات، وما لم يصح سنده ، ولم يكثر على الناس : فلا بأس بذلك إن شاء الله، وما زال الناس يحتاجون إلى من يذكرهم، ويعظهم، ويرقق قلوبهم.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب