قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) ما المقصود بقول الله سبحانه وتعالى (أَوَلَمْ يَرَ) حيث إن خلق الكون لم يكن هناك مخلوق ليرى ، وكان عرش الرحمن على الماء فهل معناها رؤية الآية الكونية بعد الخلق أم ماذا ؟
معنى الرؤية في قوله ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما ) .
السؤال: 311220
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الرؤية هنا المراد بها “رؤية القلب” ، وهي : علمه وتبصره .
فالله سبحانه يقول : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ الأنبياء/30 .
أي: أولم ينظر هؤلاء الكفار بأبصار قلوبهم فيروا بها ، ويعلموا أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ، ففتقنا السماء بالغيث (المطر) ، وفتقنا الأرض بالنبات ، وجعلنا من الماء كل شيء حي .
انظر : “تفسير الطبري” (16/ 254) .
قال “مكي” في “الهداية” (7/ 4748): ” أو لم يعلم هؤلاء المشركون بقلوبهم، فيعلمون أن السماوات والأرض كان كل واحد منهما لا صدع فيه ، لا تمطر السماء ولا تنبت الأرض .
(ففتقناهما) أي: فصدعهما الله بالماء والنبات، فأنزل الله من السماء الماء، وأخرج من الأرض النبات ” ، انتهى .
قال “ابن كثير” في “التفسير” (5/ 339) : ” يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ ، وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ فِي خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ ، وَقَهْرِهِ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ ، فَقَالَ : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيِ : الْجَاحِدُونَ لِإِلَهِيَّتِهِ العابدون معه غيره ، ألم يعلموا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِالْخَلْقِ ، الْمُسْتَبِدُّ بِالتَّدْبِيرِ ، فَكَيْفَ يَلِيقُ أَنْ يُعْبَدَ غَيْرُهُ أَوْ يُشْرَكَ بِهِ مَا سِوَاهُ ، أَلَمْ يَرَوْا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا أَيْ : كَانَ الْجَمِيعُ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ؛ مُتَلَاصِقٌ مُتَرَاكِمٌ ، بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ ؛ فَفَتَقَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ ، فجعل السموات سَبْعًا ، وَالْأَرْضَ سَبْعًا ، وَفَصَلَ بَيْنَ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَالْأَرْضِ بِالْهَوَاءِ ، فَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ وَأَنْبَتَتِ الْأَرْضُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ أَيْ : وَهُمْ يُشَاهِدُونَ الْمَخْلُوقَاتِ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا عِيَانًا ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الْقَادِرِ عَلَى مَا يَشَاءُ :
فَفِي كُلّ شَيْءٍ لَهُ آيَة … تَدُلّ علَى أنَّه وَاحد” انتهى .
وقال “السعدي” في “التفسير” (522): ” أي : أولم ينظر هؤلاء الذين كفروا بربهم ، وجحدوا الإخلاص له في العبودية ، ما يدلهم دلالة مشاهدة ، على أنه الرب المحمود الكريم المعبود ، فيشاهدون السماء والأرض فيجدونهما رتقًا ، هذه ليس فيها سحاب ولا مطر ، وهذه هامدة ميتة ، لا نبات فيها ، ففتقناهما : السماء بالمطر ، والأرض بالنبات ، أليس الذي أوجد في السماء السحاب ، بعد أن كان الجو صافيا لا قزعة فيه ، وأودع فيه الماء الغزير ، ثم ساقه إلى بلد ميت ; قد اغبرت أرجاؤه، وقحط عنه ماؤه ، فأمطره فيها ، فاهتزت ، وتحركت ، وربت ، وأنبتت من كل زوج بهيج ، مختلف الأنواع ، متعدد المنافع ، أليس ذلك دليلًا على أنه الحق ، وما سواه باطل ، وأنه محيي الموتى ، وأنه الرحمن الرحيم ؟ ولهذا قال : أَفَلا يُؤْمِنُونَ أي : إيمانًا صحيحًا ، ما فيه شك ولا شرك” ، انتهى .
فالخلاصة : أن الرؤية هنا رؤية القلب ، وهي علمه وإبصاره لآيات الله سبحانه وبحمده .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب