0 / 0

حول صحة بعض الآثار الواردة عن أبي حنيفة رحمه الله في لزومه الاحتجاج بالسنة واتباعها

السؤال: 314907

ما صحة قول الإمام أبي حنيفة : ” إذا صح الحديث فهو مذهبي “، وقال رحمه الله :” لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه” ، وفي رواية عنه :” حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي ” ، زاد في رواية أخرى :” فإننا بشر ، نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا “، وقال رحمه الله :” إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى ، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي ” ماصحة هذا القول ؟ أو ما مرجع هذا القول عن أبي حنيفة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

هذه الأقوال عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله ، منها ما هو مسند ، ومنها ما لم نقف له على إسناد إليه ، وإنما نقله بعض أهل العلم عنه دون إسناد ، وتفصيل ذلك كما يلي :

القول الأول :” إذا صح الحديث فهو مذهبي”.

لم نقف له على إسناد إلى أبي حنيفة رحمه الله ، وإنما نقله عنه جمع من أهل العلم مصححين له ، ومن هؤلاء الحافظ العراقي ، وابن عابدين ، والشيخ صالح الفُلَّاني المالكي .

قال العراقي في “المستخرج على المستدرك” (ص15) :” صح عن أبي حنيفة أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي “. انتهى .

وقال ابن عابدين في “حاشيته على الدر المختار” (1/67) :” صح عن أبي حنيفة أنه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي ”  انتهى.

وقال الشيخ صالح الفلاني المالكي في “إيقاظ همم أولي الأبصار” (ص62) :” وَذكر ابْن الشّحْنَة فِي نِهَايَة النِّهَايَة : أَنه صَحَّ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ : إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي “. انتهى.

القول الثاني :” لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه”.

بهذا اللفظ نقله جماعة من أهل العلم ، منهم ابن قُطْلوبُغا في “تاج التراجم” (ص92) ، و صدر الدين علي بن علي بن أبي العز الحنفي في “شرح مشكلات الهداية” (2/541) ، وابن القيم في “إعلام الموقعين” (1/79) .

وقد أخرجه مسندا بلفظ مقارب ابن عبد البر في “الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء” (ص144) قال :” قال أبو يعقوب ونا أبو نصر محمد بن حاتم المازني الحافظ ، قال نا عبد الصمد ابن الفضل البلخي ببلخ ، قال سمعت عصام بن يوسف يقول : كنا في  مأتم بالكوفة ، فسمعت زفر بن الهذيل يقول : سمعت أبا حنيفة يقول : لا يحل لمن يفتى من كتبي ، أن يفتي : حتى يعلم من أين قلت “.

وإسناده حسن إلى أبي حنيفة رحمه الله .

فأما عصام بن يوسف البلخي ، حديثه حسن ، ترجم له ابن حبان في “الثقات” (14799) وقال :” وَكَانَ صَاحب حَدِيث ثبتا فِي الرِّوَايَة وَرُبمَا أَخطَأ “. انتهى ، وقال الخليلي :” صدوق ” . انتهى من “لسان الميزان” (5210).

وعبد الصمد بن الفضل ثقة ، وثقه الدارقطني كما في “سؤالات السلمي” (202) ، والذهبي في “الكاشف” (1396) .

القول الثالث :”حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي”.

نقله عنه الدهلوي في “الإنصاف” (ص104) ، ولم أقف عليه مسندا ، لكن القول الثاني بمعناه .

القول الرابع :”فإننا بشر ، نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا” 

أخرجه الدوري في “تاريخ ابن معين” (2461) ،  ومن طريقه الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (15/544) ، قال الدوري: قَالَ أَبُو نعيم: وَسمعت زفر يَقُول : كُنَّا نَخْتَلِف إِلَى أبي حنيفَة ، ومعنا أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن ، فَكُنَّا نكتب عَنهُ ، قَالَ زفر فَقَالَ يَوْمًا أَبُو حنيفَة لأبي يُوسُف : وَيحك يَا يَعْقُوب ؛ لَا تكْتب كل مَا تسمع مني ، فَإِنِّي قد أرى الرَّأْي الْيَوْم وأتركه غَدا ، وَأرى الرَّأْي غَدا وأتركه بعد غَد “.

وإسناده صحيح .

القول الخامس:” إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى ، وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي “.

نقله عنه الفلاني في ” إيقاظ همم أولي الأبصار” (ص50) فقال :” وَقَول صَاحب الْهِدَايَة وَفِي رَوْضَة الْعلمَاء الرندوسية ، فِي فضل الصَّحَابَة لأبي حنيفَة: إِذا قلت قولا ، وَكتاب الله يُخَالِفهُ ؟ قَالَ اتركوا قولي لكتاب الله . فَقيل : إِذا كَانَ خبر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخَالِفهُ ؟ قَالَ: اتْرُكُوا قولي لخَبر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم . قيل : إِذا كَانَ قَول الصَّحَابَة يُخَالِفهُ ؟ قَالَ اتْرُكُوا قولي لقَوْل الصَّحَابَة “. انتهى.

لكن قد روي نحوه بأسانيد صحيحة عنه ، منها ما يلي  :

الأول :

ما أخرجه ابن عبد البر في “الانتقاء” (ص143) قال :” ونا عبدالوارث ، قال نا قاسم ، قال نا أحمد بن زهير ،  قال نا يحيى ابن معين ، قال نا عبيد بن أبى قرة ، عن يحيى بن ضريس ، قال : قال أبو حنيفة : إذا لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ، نظرت في أقاويل أصحابه ، ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم ، فإذا انتهى الأمر ، أو جاء الأمر إلى ابراهيم والشعبى وابن سيرين والحسن وعطاء وسعيد بن جبير وعدد رجالا ؛ فقوم اجتهدوا ، فأجتهد كما اجتهدوا ” انتهى.

وإسناده صحيح إلى أبي حنيفة رحمه الله .

فأـما يحيى بن ضريس ، فقد وثقه ابن معين في “تاريخ ابن معين – رواية الدارمي” (867).

وعبيد بن أبي قرة ، صدوق كما قال أبو حاتم في “الجرح والتعديل” (1915) .

وبقية رجال الإسناد ثقات مشهورون .

الثاني :

ما أخرجه ابن نصر في “فوائده” (76) ، وابن عبد البر في “الانتقاء” (ص144) ، من طريق على بن الحسن بن شقيق ، قال نا أبو حمزة السكري ، قال سمعت أبا حنيفة : يقول إذا جاء الحديث ، الصحيح الإسناد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أخذنا به ، ولم نَعْدُه . وإذا جاء عن الصحابة: تخيرنا ، وإن جاء عن التابعين ، زاحمناهم ، ولم نخرج عن أقوالهم “. انتهى.

وإسناده صحيح .

أبو حمزة السكري محمد بن ميمون ، وثقه ابن معين كما في “تاريخ ابن معين – رواية ابن محرز” (1/111)

وعلي بن الحسن بن شقيق ، وثقه الخليلي في “الإرشاد” (3/696) ، والذهبي في “الكاشف” (3895)

وروي بألفاظ قريبة من ذلك :

وهو ما أخرجه الصيمري في “أخبار أبي حنيفة” (ص24) ، من طريق أحمد بن عطية ، قال ثنا ابن سماعة ، عن أبي يوسف ، قال سمعت أبا حنيفة يقول : “إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عن الثقات : أخذنا به ، فإذا جاء عن أصحابه : لم نخرج عن أقاويلهم ، فإذا جاء عن التابعين : زاحمتهم ” انتهى .

وما أخرجه البيهقي في “المدخل إلى السنن الكبرى” (40) ، من طريق مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الطَّبَرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بْنَ حَمَّادٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: “إِذَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ ، وَإِذَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، نَخْتَارُ مِنْ قَوْلِهِمْ ، وَإِذَا جَاءَ عَنِ التَّابِعِينَ ، زَاحَمْنَاهُمْ ” انتهى.

فمما سبق يتبين أن أبا حنيفة رحمه الله كان يحتج بالسنة الصحيحة المروية عن الأثبات ، لا يتعداها إلى غيرها ، فإن لم يكن في السنة نص في المسألة تخير من أقوال الصحابة ، فإن لم يجد أثرا للصحابة في المسألة ، اجتهد كما اجتهد أئمة التابعين رحمة الله عليهم أجمعين .

ومن أراد الاستزادة عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله ومذهبه وفقهه ، فليراجع جواب السؤال رقم : (46992).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android