أردت السؤال حول صحة أن شاعر الرسول حسان بن ثابت كان يسب هند بنت عتبة وأبا سفيان بكلام فاحش، وكان يسب المشركين، وأَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِحَسَّانَ: (اهْجُهُمْ – أَوْ قَالَ: هَاجِهِمْ – وَجِبْرِيلُ مَعَكَ) وأيضا قرأت هذا في صحيح البخاري، وأردت أن أعرف لماذا سب الرسول عليه الصلاة والسلام اليتيمة ؟ فعن أنس بن مالك قال: " كانت عند أم سليم يتيمة وهي أم أنس، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة، فقال: (آنت هي؟ لقد كبرت، لا كبر سنك) فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم: ما لك يا بنية؟ فقالت الجارية: دعا علي نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر سني أبدا، أو قالت: قرني، فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لك يا أم سليم؟) فقالت يا نبي الله، أدعوت على يتيمتي؟ قال: (وما ذاك يا أم سليم؟) قالت: زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها، ولا يكبر قرنها قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (يا أم سليم! أما تعلمين أن شرطي على ربي؟ أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة)" .
هجاء حسان لكفار قريش
السؤال: 319037
ملخص الجواب
صحّ أن حسّان بن ثابت رضي الله عنه هجا كفار قريش دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس كل شعر نسب إلى حسّان رضي الله عنه في هذا صحيحا.
Table Of Contents
أولا: في هجاء حسان لكفار قريش
صح أن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ حسان بن الثابت على هجاء أهل الكفر من قريش.
وهذا كان نوعا من جهاد الكفار باللسان.
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ رواه أبوداود (2504).
وهجاء حسان لأهل الكفر من قريش: كان من باب المقابلة في المعاملة، فكان دفاعا وجوابا على هجاء قريش للنبي صلى الله عليه وسلم، فأهل الكفر هم من بدأ.
فعن حسّان أنه قال لأَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ ؟ قَالَ: نَعَمْ" رواه البخاري (3212)، ومسلم (2485).
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا فِي المَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِمًا، يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَوْ قَالَتْ: يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ حَسَّانَ بِرُوحِ القُدُسِ مَا يُفَاخِرُ، أَوْ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رواه الترمذي (2846) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
ورواه أبو داود (5015) بلفظ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو مَنْ قَالَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
فكان هذا الهجاء مشروعا لأنه في مقابل ظلم قريش؛ كما قال الله تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا النساء/148.
وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" (4 / 1101) عن عبد الكريم بن مالك الجزري عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَشْتُمُكَ فَتَشْتُمُهُ، وَلَكِنْ إِنِ افْتَرَى عَلَيْكَ فَلا تَفْتَرِي عَلَيْهِ.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( إِلا مَن ظُلِمَ ) أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 212).
وقد صح شيء من هذا الشعر، وليس فيه ما يستنكر، كما ورد في "صحيح مسلم" (2490) عَنْ عَائِشَةَ: ( قَالَ حَسَّانُ:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ … وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا … رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي … لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا … تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ
يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ … عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ … تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا … وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ … يُعِزُّ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَقَالَ اللهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا … يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَالَ اللهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا … هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ … سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ … وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا … وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ ).
ثانيا: مدى صحة قصيدة حسان في هجاء هند وزوجها أبي سفيان
وأما ما يروى من قصيدة في هجاء يمسّ عرض هند وزوجها أبي سفيان رضي الله عنهما وولدهما؛ فقد روي في سيرة ابن إسحاق.
أورد ابن هشام في " السيرة" (3 / 98) البيت الأول منها فقط، ثم قال:
" وهذا البيت في أبيات له تركناها، وأبياتا أيضا له على الدال، وأبياتا أخر على الذال، لأنه أقذع فيها " انتهى.
وقد أوردها كاملة الطبري في "التاريخ" (2 / 525) قال: حدَّثنا ابنُ حميد، قال: حدَّثنا سلَمة، قال: حدَّثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني صالح بن كيسان : " أنَّه حدَّث أن عمر بن الخطاب قال لحسان: يا بن الْفُرَيْعَةِ لَوْ سَمِعْتَ مَا تَقُولُ هِنْدٌ وَرَأَيْتَ أَشَرَهَا، قَائِمَةً عَلَى صَخْرَةٍ تَرْتَجِزُ بِنَا، وَتَذْكُرُ مَا صَنَعَتْ بِحَمْزَةَ! … ثم ذكر ما أجابها به حسان .
غير أن هذا السند ضعيف جدًّا .
ففي إسناده:
ابنُ حميد: هو محمد بْن حميد الرازي، وقد اتهم بالكذب، قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" محمد بن حميد الرازي الحافظ، عن يعقوب العمي، وجرير، وابن المبارك: ضعيف لا من قبل الحفظ. قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير. وقال البخاري: فيه نظر. وقال أبو زرعة: يكذب. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال صالح جزرة: ما رأيت أحذق بالكذب منه ومن ابن الشاذكوني " انتهى من "المغني" (2 / 573).
وسلَمة: هو سلمة بْن الْفَضْل الرازي، وهو من رواة سيرة ابن إسحاق، وقد تكلم فيه أهل العلم، قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" سلمة بن الفضل الأبرش قاضي الري. عن ابن إسحاق.
وثقه أبو داود وغيره، وضعفه ابن راهويه وغيره، وقال البخاري: عنده مناكير " انتهى من "المغني" (1 / 275).
وقد اتهم بالتشيع.
فإن صحت هذه الرواية إلى ابن إسحاق وكانت هذه الأبيات نفسها هي التي ترك ابن هشام ذكرها؛ فالخبر منقطع الإسناد، فصالح بن كيسان لم يدرك عمر رضي الله عنه؛ ولا يعرف عمَّن سمعه؛ وانقطاعه يوافق زمن انتشار الفتن والكذب بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وهذا الخبر يناسب تلك الفتنة، لما فيه من طعن في معاوية رضي الله عنه.
روى الإمام مسلم في "مقدمة الصحيح" (1 / 15) عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: " لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ ".
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" وقوله : ( فَلمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، قَالُوا : سَمُّوا لَناَ رِجَاَلكُمْ )، هذه الفتنة يعني بها – والله أعلم – فتنة قتلِ عثمان رضى الله عنه، وفتنة خروج الخوارج على عليّ ومعاوية رضى الله عنهما؛ فإنّهم كفّروهما حتى استحلّوا الدماء والأموال…
فيعني بذلك والله أعلم: أنّ قتلة عثمان والخوارج لَمّا كانوا فسّاقا قطعا، واختلطت أخبارهم بأخبار من لم يكن منهم، وجب أن يُبحث عن أخبارهم فتُرَدّ " انتهى من "المفهم" (1 / 122).
ثم متن الخبر فيه نكارة وغرابة شديدة، فلو افترضنا تخلف حسّان رضي الله عنه عن غزوة أحد لكبر سنّه وشيخوخته، ففي الخبر أن حسان رضي الله عنه عند تخلّفه كان في حصنه "فارع"، ورأى حربة قاتل حمزة رضي الله عنه أثناء احتدام المعركة! وهذا لا يحصل إلا بأن يكون حصن "فارع" بجانب ميدان المعركة! ومنطقة "أحد" مكان المعركة، لم تصلها أبنية المدينة في ذلك الزمن، وهذا ظاهر من سياق غزوة أحد.
بل حصن "فارع" كان في المدينة، وربما استظل النبي صلى الله عليه وسلم بظله، كما في حديث عَائِشَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ فَارِعِ أُجُمِ حَسَّانٍ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: احْتَرَقْتُ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ… ) الحديث رواه الإمام أحمد في "المسند" (43 / 377 – 378)، وحسن إسناده محققو المسند.
فالحاصل؛ أنه صحّ أن حسّان بن ثابت رضي الله عنه هجا كفار قريش دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس كل شعر نسب إلى حسّان رضي الله عنه في هذا صحيحا.
ثالثا:
وأما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الجارية اليتيمة فلم نقف على رواية تبيّن سبب ذلك، وقد أجاب أهل العلم عن الإشكال المتبادر من هذا الدعاء وأمثاله، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم : (139912).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة