0 / 0

هل يصح حديث دعاء المريض مستجاب؟

السؤال: 320072

أرجو التعليق على الحديث الذي يقول : إن دعاء الشخص المريض مُجاب حتى يتعافى .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

ورد أن دعاء المريض مستجاب، في حديث رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (6 / 140)، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن قَيْسٍ الضَّبِّيّ قَالَ: أنبأنا هِلَالُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  عُودُوا الْمَرْضَى، وَمُرُوهُمْ فَلْيَدْعُوا لَكُمْ، فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَرِيضِ مُسْتَجَابَةٌ، وَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ .

وقال: ” لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَيْسٍ “.

وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَيْسٍ هذا : متروك الحديث ، متهم بالكذب.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” وهو الزعفراني الضبي، تركه الجمهور، وكذبه عبد الرحمن بن مهدي وأبو زرعة الرازي وغيرهما ” انتهى من “نتائج الأفكار” (4 / 244).

ثانيا:

روى ابن ماجه (1441) قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مَرِيضٍ، فَمُرْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَكَ؛ فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ  .

ورواه ابن السني في “عمل اليوم والليلة” (557) عن الْحَسَن بْن عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ الْجَزَرِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ جَعْفَر بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ المَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وميمون بن مهران لم يدرك عمر، فالسند منقطع.

قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

” حدثنا محمد بن حمويه بن الحسن قال: سمعت أبا طالب قال: قلت لأحمد بن حنبل ميمون بن مهران عن حكيم بن حزام؟ قال: لا من أين لقيه؟ لم يرو إلا عن ابن عباس، وابن عمر ” انتهى من “المراسيل” (ص 206).

وفيه علة أخرى بيّنها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، حيث قال:

” لكن ميمون لم يدرك عمر.

قلت: فلا يكون صحيحا، ولو اعتضد لكان حسنا، لكن لم نجد له شاهدا يصلح للاعتبار، فقد جاء من حديث أنس ، ومن حديث أبي أمامة ، ومن حديث جابر، وفي سند كل منها من نسب إلى الكذب.

ثم وجدت في سند ميمون علة خفية تمنع من الحكم بصحته وبحسنه:

وذلك أن ابن ماجة أخرجه ، عن جعفر بن مسافر ، وهو شيخ وسط، قال فيه أبو حاتم: شيخ. وقال النسائي: صالح. وقال ابن حبان في “الثقات”: يخطئ.

رواه عن كثير بن هشام ، وهو ثقة من رجال مسلم، عن جعفر بن برقان وهو من رجال مسلم أيضا، لكنه مختلف فيه، الراجح أنه ضعيف في الزهري خاصة، وهذا من حديثه عن غير الزهري، وهو ميمون بن مهران.

وأخرجه ابن السني من طريق الحسن بن عرفة ، وهو أقوى من جعفر بن مسافر؛ عن كثير بن هشام، فأدخل بين كثير وجعفر بن برقان: عيسى بن إبراهيم الهاشمي، وهو ضعيف جدا، نسبوه إلى الوضع، فهذه علة قادحة تمنع من الحكم بصحته لو كان متصلا ، وكذا بحسنه ” انتهى من “نتائج الأفكار” (4 / 244).

وله شواهد ضعيفة كما ذكر الحافظ ابن حجر، وهي من حديث أنس ومن حديث أبي أمامة ومن حديث جابر.

فأما حديث أنس فقد سبق ذكره وبيان شدة ضعفه؛ لأنه من رواية متهم بالكذب.

وأما حديث جابر فرواه البيهقي في “شعب الإيمان” (11 / 428)، بسنده عن عَبْد اللهِ بْن حَمْدَانَ بْنِ وَهْبٍ الدِّينَوْرِيّ، حدثنا الْيَمَانُ بْنُ سعيد، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حدثنا عُمَرُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَرِيضٍ فَلْيُصَافِحْهُ، وَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَلْيَسْأَلْهُ كَيْفَ هُوَ، وَلْيُنْسِئْ لَهُ فِي الْأَجَلِ، وَليَسْأَلْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ، فَإِنَّ دُعَاءَ الْمَرِيضِ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ .

وفي سنده: عبد الله بن حمدان بن وهب أبو محمد الدينوري: صدقه قوم، واتهمه آخرون.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

” قال ابن عدي: سمعت عمر بن سهل يرميه بالكذب. وطعن فيه ابن عقدة، وقبله قوم وصدقوه، وقال الدارقطني: حدثونا عنه وهو متروك ” انتهى من “الضعفاء والمتروكون” (2 / 120).

واليمان بن سعيد ضعيف. قال الذهبي رحمه الله تعالى:

” يمان بن سعيد المصيصى.

ضعفه الدارقطني، وغيره، ولم يترك ” انتهى من “ميزان الاعتدال” (4 / 460).

وعُمَرُ بْنُ مُوسَى، قال الحافظ ابن حجر في “نتائج الأفكار” (4 / 245): ” عمر بن موسى الوجيهي؛ نسبه أبو حاتم الرازي إلى وضع الحديث “.

وأما حديث أبي أمامة فرواه ابن عدي في “الكامل” (3 / 232 – 233)، عن الحسين بن عُلْوَانَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مِعْدَانَ، عَن أَبِي أُمَامَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  عُودُوا مَرْضَاكُمْ، وَسَلُوهُمْ أَنْ يَدْعُوا لَكُمْ ، فَإِنَّ دُعَاءَهُمْ يَعْدُلُ عِنْدَ الله دعاء ملائكته .

ففي سنده الحسين بن علوان، وهو متهم بالكذب.

قال ابن عدي رحمه الله تعالى: ” الحسين بن علوان أبو علي الكوفي الكلبي.

يضع الحديث…

وللحسين بن علوان أحاديث كثيرة، وعامتها موضوعة، وهو في عداد من يضع الحديث ” انتهى من “الكامل” (3 / 231 – 233).

فالحاصل؛ أن كل هذه الشواهد لا تخلو أسانيدها من متهم بالكذب، فلا يتقوى بها الحديث.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” ليس في الباب ما يعول عليه، إلا حديث عمر؛ على ما فيه” انتهى من”نتائج الأفكار” (4 / 245).

ثالثا:

إذا كانت الأحاديث السابقة ضعيفة الأسانيد؛ فقد صح ما يشير إلى أن مجلس المريض مجلس رحمة ترجى فيه الإجابة.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ! مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي.

قَالَ: يَا رَبِّ! كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟… 

 رواه مسلم (2569).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

” قال: ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ )، ولم يقل: “لوجدت ذلك عندي” كما قال في الطعام والشراب، بل قال: ( لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ )، وهذا يدل على قرب المريض من الله عز وجل، ولهذا قال العلماء: إن المريض حري بإجابة الدعاء إذا دعا لشخص، أو دعا على شخص.

وفي هذا دليل على استحباب عيادة المريض، وأن الله سبحانه وتعالى عند المريض وعند من عاده؛ لقوله: ( لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ).  ” انتهى من “شرح رياض الصالحين” (4 / 467).

وقد يكون من أوجه معيّة الله تعالى للمريض حضور ملائكته، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ، أَوِ الْمَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ) رواه مسلم (919).

كما أن المريض يدخل في عموم المضطر، الذي أخبر الله تعالى أنه يجيب دعاءه، فقال سبحانه وتعالى:( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) النمل/62.

وروى الطبراني في “الدعاء” (ص 436)، عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ: أَنَّ بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ، عَادَ مَرِيضًا فَقَالَ الْمَرِيضُ لِبَكْرٍ: ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِي، فَقَالَ: “ادْعُ لِنَفْسِكَ فَإِنَّهُ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ”.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android