0 / 0
16,05214/01/2020

صفات عباد الرحمن وأهل الإيمان

السؤال: 320660

في آيات وصف عباد الرحمن في سورة الفرقان ، وفي آيات وصف أهل الفردوس في فواتح سورة المؤمنون هل لابد من عمل كل الصفات لنيل هذا الشرف العظيم ؟ أم يكتفى بعمل واحدة للدخول فيها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

يقول تعالى :  قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  المؤمنون/ 1- 11 .

وهذه الصفات المذكورة في أول السورة الكريمة، مما يجب على المؤمن أن يتصف به، ويتحلى بحليته، ويعمل بها . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وكذلك في سورة المؤمنين قال في أولها : أولئك هم الوارثون – الذين يرثون الفردوس [المؤمنون : 10 – 11] . فمن لم يتصف بهذه الصفات لم يكن من الوارثين ؛ لأن ظاهر الآية الحصر ، فإن إدخال الفصل بين المبتدأ والخبر يشعر بالحصر ، ومن لم يكن من وارثي الجنة ، كان معرضا للعقوبة ، إلا أن يعفو الله عنه ” انتهى من”الفتاوى الكبرى” (4/ 86) .

وقال في “القواعد النورانية” : ” أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَرِثُونَ فِرْدَوْسَ الْجَنَّةِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا غَيْرُهُمْ ، وَقَدْ دَلَّ هَذَا عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْخِصَالِ ؛ إِذْ لَوْ كَانَ فِيهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، لَكَانَتْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ تُورَثُ بِدُونِهَا ؛ لَأَنَّ الْجَنَّةَ تُنَالُ بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ دُونَ الْمُسْتَحَبَّاتِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ إِلَّا مَا هُوَ وَاجِبٌ ، وَإِذَا كَانَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبًا فَالْخُشُوعُ يَتَضَمَّنُ السَّكِينَةَ وَالتَّوَاضُعَ جَمِيعًا” انتهى.

ثانيًا :

قال سبحانه :  وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا  الفرقان/ 63 – 75 .

يقول “الطبري” في “تفسيره” (14/ 534) : ” يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ مِنْ عِبَادِي , وَذَلِكَ مِنَ ابْتِدَاءِ قَوْلِهِ : وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان : 63] . إِلَى قَوْلِهِ : وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا [الفرقان : 74] . . الْآيَةَ يُجْزَوْنَ [الأعراف : 147] يَقُولُ : يُثَابُونَ عَلَى أَفْعَالِهِمْ هَذِهِ الَّتِي فَعَلُوهَا فِي الدُّنْيَا الْغُرْفَةَ [الفرقان : 75] ، وَهِيَ مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الْجَنَّةِ رَفِيعَةٌ بِمَا صَبَرُوا [الأعراف : 137] يَقُولُ : بِصَبْرِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ , وَمُقَاسَاةِ شِدَّتِهَا ” انتهى .

وقال “السعدي” في كلام نفيس له في “تفسيره” (587) : ” والحاصل : أن الله وصفهم بالوقار والسكينة، والتواضع له ولعباده ، وحسن الأدب والحلم ، وسعة الخلق ، والعفو عن الجاهلين والإعراض عنهم ، ومقابلة إساءتهم بالإحسان ، وقيام الليل والإخلاص فيه ، والخوف من النار، والتضرع لربهم أن ينجيهم منها ، وإخراج الواجب والمستحب في النفقات ، والاقتصاد في ذلك – وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط ، فاقتصادهم وتوسطهم في غيره من باب أولى – . والسلامة من كبائر الذنوب ، والاتصاف بالإخلاص لله في عبادته، والعفة عن الدماء والأعراض ، والتوبة عند صدور شيء من ذلك ، وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ، ولا يفعلونها بأنفسهم ، وأنهم يتنزهون من اللغو والأفعال الردية التي لا خير فيها ، وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم ، ورفعة أنفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي ، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها ، والتفهم لمعانيها والعمل بها ، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها ، وأنهم يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء ، في الدعاء الذي ينتفعون به ، وينتفع به من يتعلق بهم ، وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم ، ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم ، لأن من حرص على شيء ، ودعا الله فيه : لا بد أن يكون متسببا فيه ، وأنهم دعوا الله ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم ، وهي درجة الإمامة والصديقية.

فلله ما أعلى هذه الصفات ، وأرفع هذه الهمم ، وأجل هذه المطالب ، وأزكى تلك النفوس ، وأطهر تلك القلوب ، وأصفى هؤلاء الصفوة ، وأتقى هؤلاء السادة!!

ولله ، فضل الله عليهم ونعمته ورحمته التي جللتهم ، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل.

ولله ، منة الله على عباده، أن بين لهم أوصافهم ، ونعت لهم هيئاتهم، وبين لهم هممهم ، وأوضح لهم أجورهم ، ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم ، ويبذلوا جهدهم في ذلك، ويسألوا الذي منَّ عليهم، وأكرمهم الذي فضله في كل زمان ومكان ، وفي كل وقت وأوان ، أن يهديهم كما هداهم ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم.

فاللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير إن لم تيسر ذلك لنا ، فإنا ضعفاء عاجزون من كل وجه.

نشهد أنك إن وكلتنا إلى أنفسنا طرفة عين، وكلتنا إلى ضعف وعجز وخطيئة ، فلا نثق يا ربنا إلا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا، وأنعمت علينا بما أنعمت من النعم الظاهرة والباطنة، وصرفت عنا من النقم ، فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك، فلا خاب من سألك ورجاك” ، انتهى.

وقال في “التحرير والتنوير” (19/ 84) : ” التصدير باسم الإشارة : للتنبيه على أن ما يرد بعده ، كانوا أحرياء به ، لأجل ما ذكر قبل اسم الإشارة.

وتلك مجموع إحدى عشرة خصلة وهي : التواضع ، والحلم ، والتهجد ، والخوف ، وترك الإسراف ، وترك الإقتار ، والتنزه عن الشرك ، وترك الزنا ، وترك قتل النفس ، والتوبة ، وترك الكذب ، والعفو عن المسيء ، وقبول دعوة الحق ، وإظهار الاحتياج إلى الله بالدعاء.

واسم الإشارة : هو الخبر عن قوله : ( وعباد الرحمن ) [الفرقان : 63] ، كما تقدم ، على أرجح الوجهين ” انتهى.

وقال (19/ 67) : ” وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الصِّلَاتِ الَّتِي أُجْرِيَتْ عَلَى عِبادُ الرَّحْمنِ : جَاءَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

قِسْمٌ هُوَ مِنَ التَّحَلِّي بِالْكِمَالَاتِ الدِّينِيَّةِ وَهِيَ الَّتِي ابْتُدِئَ بِهَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ) إِلَى قَوْله : ( سَلاماً ) [الْفرْقَان : 75] .

وَقِسْمٌ هُوَ مِنَ التَّخَلِّي عَنْ ضَلَالَاتِ أَهْلِ الشِّرْكِ ، وَهُوَ الَّذِي مِنْ قَوْلِهِ : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ) [الْفرْقَان : 68] .

وَقِسْمٌ هُوَ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً ) [الْفرْقَان : 64] ، وَقَوْلُهُ : ( وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ) [الْفرْقَان : 67] الْآيَةَ ، وَقَوْلُهُ : ( وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ إِلَى قَوْلِهِ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) [الْفرْقَان : 68- 72] إِلَخْ.

وَقِسْمٌ مِنْ تَطَلُّبِ الزِّيَادَةِ مِنْ صَلَاحِ الْحَالِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا إِلَى قَوْلِهِ : لِلْمُتَّقِينَ إِماماً ) [الْفرْقَان : 74] ” انتهى .

ثالثًا :

الأصل العام في التعامل مع هذه الأوصاف وغيرها ؛ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه “البخاري” (7288) و”مسلم” (1337) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :  أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ ، فَحُجُّوا  ، فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَوْ قُلْتُ :  نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ  ، ثُمَّ قَالَ :  ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ  .

قال “النووي” في “شرح مسلم” (9/ 102) : ” هَذَا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْمُهِمَّةِ ، وَمِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُعْطِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويدخل فيها مَا لَا يُحْصَى مِنَ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ بِأَنْوَاعِهَا ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَرْكَانِهَا أَوْ بَعْضِ شُرُوطِهَا أَتَى بِالْبَاقِي ، وَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ غَسَلَ الْمُمْكِنَ ، وَإِذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ أَوْ لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ ، وَإِذَا وَجَبَتْ إزالة منكرات ، أو فطرة جماعة من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ، وَأَمْكَنَهُ الْبَعْضُ فَعَلَ الْمُمْكِنَ ، وَإِذَا وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ عَوْرَتِهِ ، أَوْ حَفِظَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ ؛ أَتَى بِالْمُمْكِنِ ، وَأَشْبَاهُ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ .

وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( فَاتَّقُوا الله ما استطعتم ) ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) فَفِيهَا مَذْهَبَانِ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ، وَالثَّانِي : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، أَوِ الصَّوَابُ . وَبِهِ جَزَمَ الْمُحَقِّقُون: َ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً ، بَلْ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) مُفَسِّرَةٌ لَهَا ، وَمُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ بِهَا. قَالُوا : وَ”حَقَّ تُقَاتِهِ” هُوَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ ، وَاجْتِنَابُ نَهْيِهِ ؛ وَلَمْ يَأْمُرْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَّا بِالْمُسْتَطَاعِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) ، وَقَالَ تَعَالَى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ من حرج ) . وَاللَّهُ أَعْلَمُ ” انتهى .

وقال “ابن تيمية” في “منهاج السنة” (4/ 527) : ” فَفِي الْجُمْلَةِ أَهْلُ السُّنَّةِ يَجْتَهِدُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [سُورَةُ التَّغَابُنِ : 16] وَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – : ” إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ” ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِصَلَاحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالصَّلَاحِ وَنَهَى عَنِ الْفَسَادِ ، فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ صَلَاحٌ وَفَسَادٌ رَجَّحُوا الرَّاجِحَ مِنْهُمَا ، فَإِذَا كَانَ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ رَجَّحُوا فِعْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ فَسَادُهُ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاحِهِ رَجَّحُوا تَرْكَهُ.

فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ رَسُولَهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا ، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا” ، انتهى .

والحاصل:
أن الواجبات ، جميعها : على العبد أن يلتزم بها ، إلا أن يغلب على شيء من ذلك ، ويكون له عذر في تركه.

وكذا المحرمات، جميعها : عليه أن يجتنبها ، ويتوقاها.

والمستحبات: يجتهد في الإتيان بها، ما أمكنه ذلك. والمكروهات: يتحرى أن يتركها، ما استطاع.

ومن استكثر من الخير: فالله أكثر.

ومن نقص شيئا منها ، فقد نقص إيمانه، ونقصت منزلته ودرجته: بحسب ما ترك من ذلك. والإيمان يزيد وينقص، وقد جعل الله لكل قدرا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android