هناك آية قرآنية في سورة المائدة : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) ، حيث لاحظت قول الله عز وجل (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) طبعا مقصود النصارى واليهود . السوال هنا : الله سبحانه وتعالى لم يحرم ذبائح أهل الكتاب لا قبل هذه السورة ولا بعدها، فلماذا يقول الله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ )، حيث يقول اليوم، وهو لم يحرمه بالأمس ولا قبلها، فلماذا يقول رب العزة اليوم ؟ وفي “تفسير ابن كثير” : قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وإبراهيم النخعي والسدي ومقاتل بن حيان : يعني ذبائحهم، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء؛ أن ذبائحهم حلال للمسلمين ؛ لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عن قولهم، تعالى وتقدس، وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل قال : دلي بجراب من شحم يوم خيبر، قال فاحتضنته، وقلت : لا أعطي اليوم من هذا أحدا، والتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم . يعني طعام الذين أوتوا الكتاب ليس مما حرم الله في قوله (وما أهل لغير الله) .
حكمة ذكر “اليوم” في قوله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات)
السؤال: 322287
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا :
الإشارة في “اليوم” لليوم الذي سبق ذكره في قوله تعالى : الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا المائدة/ 3 .
قال “الراغب” في “تفسيره” (4/ 276) : ” يعني (اليوم): ما تقدم ذكره في قوله: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وفي قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، وذلك إشارة إلى عام الوداع ” ، انتهى .
وقال “ابن الجوزي” في “زاد المسير” (1/ 517) : ” قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) قال القاضي أبو يعلى : يجوز أن يريد باليوم : اليوم الذي أنزلت فيه الآية . ويجوز أن يريد اليوم الذي تقدم ذكره في قوله تعالى : ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ )، وفي قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) .
وقيل : ليس بيوم معيّن ” انتهى .
وقال “الرازي” (11/ 239) : ” اعلم أنه تعالى أخبر في هذه الآية المتقدمة أنه أحل الطيبات ، وكان المقصود من ذكره الإخبار عن هذا الحكم ، ثم أعاد ذكره في هذه الآية ، والغرض من ذكره أنه قال : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ، فبين أنه كما أكمل الدين وأتم النعمة في كل ما يتعلق بالدين ، فكذلك أتم النعمة في كل ما يتعلق بالدنيا ، ومنها إحلال الطيبات ، والغرض من الإعادة : رعاية هذه النكتة “، انتهى .
وانظر : “تفسير القرطبي” (6/ 75) .
ثانيًا :
ليس المراد من ذكر ( اليوم ) أنه كان محرمًا قبل ذلك ، بل المراد : الإعلام به بصورة كلية ، وهو كقوله : وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً الْمَائِدَة/ 3 ، فليس معناه : أنه لم يرضه لهم قبل ذلك .
ومن فوائد إعادةِ ذِكر إحلالِ الطيِّباتِ : ” التنبيهُ بإتمامِ النِّعمةِ فيما يَتعلَّق بالدُّنيا “.
“تفسير أبي السعود” (3/ 9)، “تفسير أبي حيان” (4/182) .
وقال “الطاهر” في “التحرير والتنوير” (6/ 119) : يَجِيءُ فِي التَّقْيِيدِ (بِالْيَوْمِ) هُنَا ، مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ : ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ) [الْمَائِدَة: 3] وَقَوْلِهِ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) [الْمَائِدَة: 3] .
عَدَا وَجْهِ تَقْيِيدِ حُصُولِ الْفِعْلِ حَقِيقَةً بِذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَلَا يَجِيءُ هُنَا ، لِأَنَّ إِحْلَالَ الطَّيِّبَاتِ أَمْرٌ سَابِقٌ، إِذْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ يَوْمَ الْإِعْلَامِ بِهِ بِصِفَةٍ كُلِّيَّةٍ ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ : ( وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [الْمَائِدَة: 3] فِي تَعَلُّقِ قَوْلِهِ : ( الْيَوْمَ ) بِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ عَقِبَ قَوْلِهِ ( الْيَوْمَ يَئِسَ ) [الْمَائِدَة: 3] و( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ) [الْمَائِدَة: 3] أَنَّ هَذَا أَيْضًا مِنَّةٌ كُبْرَى ، لِأَنَّ إِلْقَاءَ الْأَحْكَامِ بِصِفَةٍ كُلِّيَّةٍ نِعْمَةٌ فِي التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ” انتهى .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب