هل ما ورد فى كتب السير وما إلى ذلك أن عيسى عليه السلام كان يمشى على الماء صحيح ؟ وإذا لم تصح هل يجوز روايتها على أنها إسرائيليات ؟
هل ثبت أن عيسى عليه السلام كان يمشي على الماء ؟
السؤال: 323516
ملخص الجواب
الأخبار الواردة في أن عيسى عليه السلام كان يمشي على الماء : لا تصح سندًا ، مع كونها منكرة المتن ، فلا يصح الاعتماد عليها ، ولا الاستدلال بها ، ولا نشرها على أنها من الإسرائيليات؛ لأنه لم يثبت بها إسناد عمن له دراية بأخبار أهل الكتاب ، ككعب الأحبار وغيره .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
اشتهر بين المؤرخين وغيرهم أن عيسى بن مريم عليه السلام كان يمشي على الماء ، وقد وردت في ذلك أخبار ، إلا أنه لا يصح منها شيء ، ومن ذلك :
ما أخرجه المروزي في “تعظيم قدر الصلاة” (2/ 808) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّكُمْ لَوْ عَرَفْتُمُ اللَّهَ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ لَمَشَيْتُمْ عَلَى الْبُحُورِ ، وَلَزَالَ بِدُعَائِكُمُ الْجِبَالُ، وَلَوْ أَنَّكُمْ خِفْتُمُ اللَّهَ كَحَقِّ الْخَوْفِ لَعَلِمْتُمُ الْعِلْمَ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ جَهْلٌ، وَمَا بَلَغَ ذَلِكَ أَحَدٌ قَطُّ قُلْتُ: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَلَا أَنَا قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَمَا بَلَغَنَا قَدْ كَانَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَلَوِ ازْدَادَ يَقِينًا وَخَوْفًا لَمَشَى فِي الْهَوَاءِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ أَدْرِي أَنَّ الرُّسُلَ يُقَصِّرُوا فِي ذَلِكَ . قَالَ : إِنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يُدْرَكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ ، وَلَا يَزْدَادُ أَحَدٌ مِنَ الْخَوْفِ وَالْيَقِينِ، إِلَّا كَانَ مَا لَمْ يَبْلُغْ، أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ مِنَ الَّذِي يَبْلُغُ .
قال العراقي في “تخريج أحاديث الإحياء” (5/ 2148):
” هذا حديث منكر لا يعرف هكذا ، والمعروف ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين، من قول بكر بن عبد الله المزني، قال : فقد الحواريون نبيهم ، فقيل لهم : توجه نحو البحر. فانطلقوا يطلبونه ، فلما انتهوا إلى البحر إذا هو قد أقبل يمشي على الماء ، فذكر حديثاً فيه أن عيسى قال : ” لو أن لابن آدم من اليقين قدر شعيرة مشى على الماء “.
وروى الديلمي في مسند الفردوس بسند ضعيف من حديث معاذ بن جبل : ” لو عرفتم الله حق معرفته لمشيتم على البحور ولزالت بدعائكم الجبال ” انتهى.
وأخرج أبو نعيم في “الحلية” (8/ 156) عَنْ وُهَيْبٍ الْمَكِّيُّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْعَرَفْتُمُ اللهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ لَعَلِمْتُمُ الْعِلْمَ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ بِهِ جَهْلٌ وَلَوْ عَرَفْتُمُ اللهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ لَزَالَتِ الْجِبَالُ بِدُعَائِكُمْ ، وَمَا أُوتِي أَحَدٌ مِنَ الْيَقِينِ شَيْئًا إِلَّا مَا لَمْ يُؤْتَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا أُوتِي ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا أَنَا ، قَالَ مُعَاذٌ: فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلم : وَلَوِ ازْدَادَ يَقِينًا لَمَشَى عَلَى الْهَوَاءِ .
قال الألباني في “السلسلة الضعيفة” (9/ 347) :
” قلت : وهذا إسناد ضعيف لإعضاله ؛ فإن وهيباً هذا هو ابن الورد المكي، وهو من كبار الطبقة السابعة عند ابن حجر في “التقريب”، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز.
قلت : وهو عندي منكر المتن بهذا السياق ؛ فإن فيه أن عيسى لم يكن يقينه من القوة بحيث يمكنه أن يمشي على الهواء ، بينما حكوا أن هذا كان لبعض الأولياء ، فينتج من ذلك أن هذا البعض كان أقوى يقيناً من عيسى عليه السلام !! ولا يخفى ما في هذا من الضلال البين ، ويلزم من ذلك أحد أمرين ولا بد : إن كان هذا الذي حكوا صحيحاً ، فالحديث غير صحيح ، وإن كان هذا الحديث صحيحاً؛ فالذي حكوا غير صحيح ؛ ولا بد. فتأمل ” انتهى.
وأخرج البيهقي في “شعب الإيمان” (1/ 156) عن بَكْر بْن عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ قَالَ : ” قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبَعْضِ الْحَوَارِيِّينَ : أَرِنِي يَدَكَ يَا قَصِيرَ الْإِيمَانِ ، وَهَذَا حِينَ مَشَى عَلَى الْمَاءِ، فَتَبِعَهُ وَاحِدٌ ، فَذَهَبَ يَضَعُ رِجْلَهُ ، فَإِذَا هُوَ قَدِ انْغَمَرَ ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : ” هَاتِ يَدَكَ يَا قَصِيرَ الْإِيمَانِ ” انتهى.
وأخرج ابن أبي الدنيا في “اليقين” (ص: 52) عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ، قَالَ : قِيلَ لِعِيسَى : بِأَيِّ شَيْءٍ تَمْشِي عَلَى الْمَاءِ ؟ قَالَ : ” بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ ” انتهى.
وبكر بن عبد الله المزني وفضيل بن عياض رحمهما الله من التابعين ، فكيف يرويان عن عيسى عليه السلام ؟!!
والحاصل :
أن الأخبار الواردة في أن عيسى عليه السلام كان يمشي على الماء : لا تصح سندًا ، مع كونها منكرة المتن ، فلا يصح الاعتماد عليها ، ولا الاستدلال بها ، ولا نشرها على أنها من الإسرائيليات؛ لأنه لم يثبت بها إسناد عمن له دراية بأخبار أهل الكتاب ، ككعب الأحبار وغيره .
ثانيًا:
مشي الشخص على الماء ، وطيرانه في الهواء ، ليس من المعجزات التي تميز الأنبياء عن غيرهم؛ إذ إنه قد يقع من غير الأنبياء ، كما أنه لا يدل على أن الشخص من أولياء الله تعالى ، حتى يُعرض أمره على الكتاب والسنة ، فينظر هل عمله موافق للكتاب والسنة أم لا ؟! لأن المشي على الماء والطيران في الهواء قد يفعله السحرة بمساعدة الجن والشياطين !
وقد قَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ : ” قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ : إِنَّ صَاحِبَنَا اللَّيْثَ كَانَ يَقُولُ : إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ ، فَلَا تَغْترُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؟
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : قَصَّرَ اللَّيْثُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، بَلْ إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ ، وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ، فَلَا تَغْترُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَاب والسُّنة ” انتهى من”شرح الطحاوية” (ص: 523).
وَقالَ أَبوْ يَزِيْدَ البسْطامِيُّ : ” لوْ نظرْتُمْ إلىَ رَجُل ٍ أُعْطِيَ مِنَ الكرَامَاتِ ، حَتَّى يرْفعَ فِي الهوَاءِ : فلا تَغْتَرُّوْا بهِ ، حَتَّى تَنْظرُوْا كيْفَ تجدُوْنهُ عِنْدَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِّ ، وَحِفظِ الحدُوْدِ وَآدَابِ الشَّرِيْعَة ” رَوَاهُ أَبوْ نعَيْمٍ في “الحِليَةِ” (10/ 40).
وَقالَ أَبوْ يَزِيْدَ أَيضًا: ” الذِي يَمْشِي عَلى الماءِ ليْسَ بعَجَبٍ؛ للهِ خَلقٌ كثِيرٌ يَمْشُوْنَ عَلى الماءِ ليْسَ لهمْ عِنْدَ اللهِ قِيْمَة ” رَوَاهُ أَبوْ نعَيْمٍ فِي “الحِليَة” (10/ 39).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وَتَجِدُ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ عُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِقَادِ كَوْنِهِ وَلِيًّا لِلَّهِ: أَنَّهُ قَدْ صَدَرَ عَنْهُ مُكَاشَفَةٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ ، أَوْ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ مِثْلِ أَنْ يُشِيرَ إلَى شَخْصٍ فَيَمُوتَ ؛ أَوْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ يَمْشِيَ عَلَى الْمَاءِ أَحْيَانًا ؛ أَوْ يَمْلَأَ إبْرِيقًا مِنْ الْهَوَاءِ ؛ أَوْ يُنْفِقَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مِنْ الْغَيْبِ ، أَوْ أَنْ يَخْتَفِيَ أَحْيَانًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ ؛ أَوْ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اسْتَغَاثَ بِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ ، فَرَآهُ قَدْ جَاءَهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ ؛ أَوْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِمَا سُرِقَ لَهُمْ ؛ أَوْ بِحَالِ غَائِبٍ لَهُمْ أَوْ مَرِيضٍ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ ؛ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا وَلِيٌّ لِلَّهِ ؛ بَلْ قَدْ اتَّفَقَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ ، أَوْ مَشَى عَلَى الْمَاءِ ، لَمْ يُغْتَرَّ بِهِ حَتَّى يَنْظُرَ مُتَابَعَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَافَقَتَهُ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (11/ 213) .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب