ورد في صحيح ابن حبّان: (أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة) حديث ضعيف، وهناك حديث آخر في صحيح ابن حبّان (طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها) صحّحه الألباني، فكيف يمكن أن يكون الحديث الأول ضعيفا والثاني صحيح ولهما نفس السند؟
حديثان بنفس الإسناد، فلماذا يضعّف أحدهما دون الآخر؟
السؤال: 323910
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من المقرر في علم الحديث أن تصحيح الأسانيد وتضعيفها، هي عملية اجتهادية تختلف نتائجها من حديث إلى آخر، فليس كل حديث رواته ثقات يلزم منه أن يكون صحيحا، وليس كل حديث في رواته ضعيف يلزم تضعيفه.
وهذا إنما يعرف بجمع طرق الحديث ومقارنتها ببعضها.
قال الخطيب رحمه الله تعالى:
” والسبيل إلى معرفة علة الحديث: أن يُجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط ” انتهى من “الجامع” (2 / 295).
كما أن الراوي الضعيف، الذي ضُعِّف بسبب وجود أوهام في رواياته – وليس بسبب الطعن في عدالته ودينه – ربما يصيب أحيانا، ويظهر هذا بجمع طرق حديثه، إن وجدت ، فقد يوجد من الرواة المقبولين من هو متابع له ، فيروي مثل روايته ، فيتقوى بمثل هذه المتابعات.
وربما وجد في نصوص الوحي ما يشهد لمعنى حديثه بالصحة، فيتقوى بهذه الشواهد.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” في الاعتبارات والمتابعات والشواهد:
مثاله: أن يروى حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً، فإن رواه غير حماد عن أيوب أو غير أيوب عن محمد. أو غير محمد عن أبي هريرة، أو غير أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه متابعات.
فإن روي معناه من طريق أُخرى ، عن صحابي آخر : سمي شاهدا لمعناه…
ويُغتفر في باب “الشواهد والمتابعات” من الرواية عن الضعيف القريب الضعف -: ما لا يُغتفر في الأصول، كما يقع في الصحيحين وغيرهما مثل ذلك. ولهذا يقول الدارقطني في بعض الضعفاء: ” يصلح للاعتبار “، أو ” لا يصلح أن يعتبر به “. والله أعلم ” انتهى من “الباعث الحثيث” (ص 59).
وحديث الراوي الذي فيه ضعف ، إذا تقوى بالشواهد والمتابعات : هو الذي يحسنه علماء الحديث، ويسميه بعضهم: “الحسن لغيره”.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
” … الحديث الذي يرويه الثقة العدل، ومن كثر غلطه، ومن يغلب على حديثه الوهم ، إذا لم يكن أحد منهم متهما، كله حسن؛ بشرط أن لا يكون شاذا، مخالفا للأحاديث الصحيحة، وبشرط أن يكون معناه قد روي من وجوه متعددة.
فإن كان مع ذلك من رواية الثقات العدول الحفاظ، فالحديث حينئذ “حسن صحيح”.
وإن كان مع ذلك من رواية غيرهم من أهل الصدق، الذين في حديثهم وهم وغلط، إما كثير، أو غالب عليهم، فهو حسن، ولو لم يُرو لفظه إلا من ذلك الوجه، لأن المعتبر أن يروى معناه من غير وجه، لا نفس لفظه ” انتهى من “شرح علل الحديث” (2 / 606).
ثانيا:
وبناء على ما سبق؛ فإن الحديثين اللذين في السؤال هما من رواية: دَرَّاج عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ.
ودراج هذا لم يطعنوا في عدالته، وإنما اختلفوا في ضبطه وحفظه لبعض أحاديثه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” دراج بن سمعان أبو السمح المصري القاص، مولى عبد الله بن عمرو …
وثقه ابن معين…
وقال أبو داود وغيره: حديثه مستقيم ، إلا ما كان عن أبي الهيثم ” انتهى من “الكاشف” (1 / 383).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” دراج ابن سمعان، أبو السمح ،السهمي مولاهم، المصري، القاص، صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف ” انتهى من “تقريب التهذيب” (ص 201).
فلسوء حفظه لأحاديثه عن أبي الهيثم، ضعفت مثل هذه الأحاديث، كالحديث الذي رواه ابن حبان (16 / 414)؛ عن عَمْرُو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ دَرَّاجًا حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ، وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجًا، وَيُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ، كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ إِلَى صَنْعَاءَ .
وأما حديثه الآخر عند ابن حبان (16 / 429): عن عَمْرو بْن الْحَارِثِ، أَنَّ دَرَّاجًا حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا طُوبَى؟
قَالَ: شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا .
فتحسين الشيخ الألباني رحمه الله، لهذا الحديث : إنما جاء بناء على ما وقف عليه من شواهد، رأى أنها تقويه وترفعه إلى درجة الحسن، حيث قال في “السلسلة الصحيحة” (4 / 639):
” طوبى شجرة في الجنة، مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها .
أخرجه أحمد (3 / 71) وابن جرير في ” تفسيره ” (13 / 101) وابن حبان (2625) من طريق دراج أبي السمح ، أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به.
قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد لسوء حفظ دراج.
ويشهد له ما رواه فرات ابن أبي الفرات عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ( طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) : شجرة غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه بالحلي والحلل، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة ). أخرجه ابن جرير.
وفرات هذا قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 80) عن أبيه: ” صدوق لا بأس به ” . وضعفه غيره.
وما أخرجه البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، إن شئتم فاقرءوا: ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ، وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ). ) .
وما أخرجه أحمد (2 / 202 و 224 و 225) عن حنان بن خارجة عن عبد الله بن عمرو قال: ” جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أخبرنا عن ثياب أهل الجنة: خلقا تُخلق، أم نسجا تُنسج؟ فضحك بعض القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مم تضحكون من جاهل يسأل عالما؟) ثم أكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (أين السائل؟) قال: هو ذا أنا يا رسول الله! قال: (لا؛ بل تَشقق عنها ثمر الجنة. ثلاث مرات ) ” انتهى.
وينظر للفائدة: حاشية مسند أحمد، ط الرسالة (11/490-492).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب