من هو الإمام الهيثمي؟ وما رأي علماء الإسلام به وبعمله في الحديث؛ حيث يذكر أنّه صنف الحديث لضعيف وصحيح في “مجمع الزوائد” ؟
الإمام الهيثمي، وكتابه “مجمع الزوائد”
السؤال: 325465
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الهيثمي رحمه الله تعالى؛ من أهل العلم الذين أبقى الله لهم ذكرا صالحا في الأمة؛ لما بذلوه من جهد في خدمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولد سنة 735 هجرية وتوفي سنة 807 هجرية.
وله علاقة بأهم حفاظ عصره؛ وهما: الحافظ العراقي زين الدين، والحافظ ابن حجر العسقلاني رحمهما الله تعالى.
فقد كان صاحبا وتلميذا وصهرا للعراقي.
كما كان شيخا للحافظ ابن حجر، وقد ترجم له في كتابه “إنباء الغمر بأبناء العمر” (2 / 309)، فقال معرفا به:
” علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح الهيثمي الشيخ نور الدين أبو الحسن، ولد سنة خمس وثلاثين وصحب الشيخ زين الدين العراقي وهو صغير فسمع معه من ابتداء طلبه على أبي الفتح الميدومي وابن الملوك وابن القطرواني وغيرهم…
ثم رحل معه جميع رحلاته ، وحج معه جميع حجاته ، ولم يكن يفارقه حضرا ولا سفرا ، وتزوج ابنته ، وتخرج به في الحديث ، وقرأ عليه أكثر تصانيفه ، وكتب عنه جميع مجالس إملائه …
قرأت عليه الكثير ، قرينا للشيخ ، ومما قرأت عليه بانفراده نحو النصف من مجمع الزوائد له ، ونحو الربع من زوائد مسند أحمد ، ومسند جابر من مسند أحمد وغير ذلك…” انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر أيضا:
” وكان كثير الاستحضار للمتون، يسرع الجواب بحضرة الشيخ، فيعجب الشيخ من ذلك، وكان تزوج ابنة الشيخ، ورزق منها أولاداً. وقد عاشرتهما مدة فلم أرهما يتركان قيام الليل، ورأيت من خدمة الشيخ نور الدين هذا لشيخنا ، وتأدبه معه ، من غير تكلف لذلك ؛ ما لم أره لغيره ، ولا أظن أحدا يقوى عليه.
مات في تاسع عشر شهر رمضان سنة سبع وثمانمائة ” انتهى من “المجمع المؤسس” (2 / 266 – 267).
وقد امتاز الحافظ الهيثمي رحمه الله تعالى بكونه له سبق إلى التبحر في المصنفات الحديثية كالمسانيد ، واستخراج ما فيها من المرويات الزائدة على ما في كتب الستة “صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن النسائي، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجه”.
قال الشيخ خلدون الأحدب:
” علم زوائد الحديث هو: “علم يتناول إفراد الأحاديث الزائدة في مصنَّف رُويت فيه الأحاديث بأسانيد مؤلِّفه، على أحاديث كتب الأصول الستة أو بعضها، من حديثٍ بتمامه لا يوجد في الكتب المزيد عليها، أو هو فيها عن صحابي آخر، أو من حديثٍ شارك فيه أصحاب الكتب المزيد عليها أو بعضهم، وفيه زيادة مؤثرة عنده “.
وغاية هذا العلم وفائدته: هي تقريب السنة النبوية وتيسيرها للمسلمين بعامة، ولعلمائهم بمختلف تخصصاتهم بخاصة.
ورائد “فن الزوائد” غير منازَع، هو الإمام نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي رحمه الله تعالى (ت 807هـ) ، ومؤلَّفه الأشهر: “مجمع الزوائد ومنبع الفوائد”، موسوعة حديثية ، قلّ نظيرها بين موسوعات السنة النبوية، وقد ضمت (18776) حديثاً ” انتهى.
وكان جهده هذا بإرشاد ومتابعة من شيخه الحافظ زين الدين العراقي رحمهما الله تعالى.
وكتابه “مجمع الزوائد ومنبع الفوائد” هو نتاج جهده في تفحص مرويات أهم المصنفات الحديثية؛ وهي : “مسند الإمام أحمد بن حنبل”، و”مسند أبي يعلى الموصلي”، و”مسند البزار” و”معاجم الطبراني”.
قال تلميذ الهيثمي؛ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” ثم أشار عليه الشيخ بجمع الأحاديث الزائدة في “مسند أحمد” على الكتب الستة، وأرشده إلى التصرف في ذلك، وأعانه بكتبه، فكتبها مسوّدة، ثم بيّضها وحررها الشيخ، وخرج في مجلدين كثير الجدوى.
ثم حبب إليه هذا التخريج فخرج “زوائد مسند البزار”.
ثم “الموصلي”.
ثم “الطبرانيات”.
ثم جمع الجميع في كتاب واحد محذوف الأسانيد – أي “مجمع الزوائد” -… ” انتهى من “المجمع المؤسس” (2 / 263 – 264).
وقال أبو عبد الله الكتاني رحمه الله تعالى:
” و “غاية المقصد في زوائد المسند” أي: مسند أحمد، على الكتب الستة للحافظ نور الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي…
وهو رفيق أبي الفضل العراقي في سماع الحديث، وصهره ، وتلميذه، وهو الذي أشار عليه بجمع الزوائد المذكورة وهي في مجلدين، وله أيضا: زوائد مسند البزار على الكتب الستة… وزوائد أبي يعلي الموصلي عليها أيضا في مجلد، وزوائد المعجم الكبير للطبراني عليها أيضا…
وزوائد المعجم الأوسط والصغير له عليها…
ثم جمع الزوائد الستة المذكورة كلها في كتاب واحد محذوف الأسانيد ، مع الكلام عليها بالصحة والحسن والضعف ، وما في بعض رواتها من الجرح والتعديل، وسماه: “مجمع الزوائد ومنبع الفوائد” وهو في ست مجلدات كبار، ويوجد في ثمان مجلدات وأكثر، وهو من أنفع كتب الحديث بل لم يوجد مثله كتاب ولا صنف نظيره في هذا الباب ” انتهى من “الرسالة المستطرفة” (ص 172).
ومن أهم فوائد “مجمع الزوائد”؛ فائدتان، أشار إليهما الهيثمي في مقدمة كتابه؛ حيث قال رحمه الله تعالى:
” فقد كنت جمعت زوائد مسند الإمام أحمد، وأبي يعلى الموصلي، وأبي بكر البزار، ومعاجيم الطبراني الثلاثة – رضي الله تعالى عن مؤلفيهم، وأرضاهم، وجعل الجنة مثواهم – كل واحد منها في تصنيف مستقل – ما خلا المعجم الأوسط والصغير؛ فإنهما في تصنيف واحد -. فقال لي سيدي وشيخي، العلامة شيخ الحفاظ بالمشرق والمغرب، ومفيد الكبار ومن دونهم، الشيخ زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن العراقي – رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مثوانا ومثواه -:
اجمع هذه التصانيف، واحذف أسانيدها؛ لكي تجتمع أحاديث كل باب منها في باب واحد من هذا….
وقد رتبته على كتب أذكرها ، لكي يسهل الكشف عنه: كتاب الإيمان. كتاب العلم. كتاب الطهارة…
وقد سميته بتسمية سيدي وشيخي له : “مجمع الزوائد، ومنبع الفوائد”.
وما تكلمت عليه من الحديث من تصحيح أو تضعيف ، وكان من حديث صحابي واحد، ثم ذكرت له متنا بنحوه، فإني أكتفي بالكلام عقب الحديث الأول، إلا أن يكون المتن الثاني أصح من الأول، وإذا روى الحديث الإمام أحمد وغيره فالكلام على رجاله، إلا أن يكون إسناد غيره أصح. وإذا كان للحديث سند واحد صحيح اكتفيت به من غير نظر إلى بقية الأسانيد، وإن كانت ضعيفة. ومن كان من مشايخ الطبراني في الميزان نبهت على ضعفه، ومن لم يكن في الميزان ألحقته بالثقات الذين بعده، والصحابة لا يشترط فيهم أن يخرج لهم أهل الصحيح فإنهم عدول، وكذلك شيوخ الطبراني الذين ليسوا في الميزان… ” انتهى من “مجمع الزوائد” (1 / 7 – 8).
فالفائدة الأولى: أن المصنفات التي استخرج زوائدها كان يصعب الاستفادة منها لضخامة أغلبها، ولكونها مرتبة على المسانيد وليست على الأبواب الفقهية؛ فباستخراج الهيثمي رحمه الله تعالى لزوائدها وترتيبها على الأبواب الفقهية؛ سهل على أهل العلم وطلابه الاستفادة من هذه الكتب بأقل جهد ووقت.
الفائدة الثانية: تعليقات المؤلف على أسانيد ورجال هذه المرويات الزوائد.
وإذا كانت الفائدة الأولى قد قلت أهميتها في هذا العصر بسبب تطور البرامج البحثية وتنوعها؛ إلا أن الفائدة الثانية ما زال لها أهمية بالغة.
وتصحيحه وتضعيفه للأسانيد، هي عملية اجتهادية؛ فتعامل معاملة اجتهاد سائر أهل العلم، والمجتهد قد يصيب وقد لا يصيب؛ فأهل العلم يستأنسون باجتهاداته حيث يرونه قد أصاب.
فجزى الله الحافظ الهيثمي خير الجزاء على ما بذله من جهد شاق في هذا العمل الموسوعي.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب