كيف نجمع بين حديث : (ما مِنْ أمةٍ إلا وبَعضُها في النارِ وبعضُها في الجنةِ، إلا أمتي فإنَّها كلَّها في الجنةِ)، وحديث : (إنَّ بَني إسرائيلَ ، افترَقَتْ علَى إحدَى وَسبعينَ فِرقةً، وإنَّ أُمَّتِي ستَفتَرِقُ علَى اثنتينِ وسَبعينَ فرقةً، كلُّها في النَّارِ إلَّا واحِدةً، وهيَ الجَماعَةُ) علما أن كلا الحديثين صححهما الألباني رحمه الله تعالى ؟
اشكال متعلق بحديث ( إِلَّا أُمَّتِي كُلَّهَا فِي الْجَنَّةِ )
السؤال: 325805
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
روى الطبراني في “المعجم الصغير” (1 / 387)، وفي “الأوسط” (2 / 232)، وغيره؛ عن أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْبَغْدَادِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا وَبَعْضُهَا فِي النَّارِ وَبَعْضُهَا فِي الْجَنَّةِ، إِلَّا أُمَّتِي كُلَّهَا فِي الْجَنَّةِ .
وقال الطبراني: “لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَّا إِسْحَاقُ، ولا عن إسحاق إلا محمد، تفرد به: أحمد” انتهى من “المعجم الأوسط” (2 / 233).
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْبَغْدَادِيُّ هو المرّوذي، كما صرّح بهذا الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (4 / 517)، وفي (11 / 14)، وكذا في “تذكرة الحفاظ” للذهبي (2 / 153).
وهو من ثقات أصحاب الإمام أحمد.
ومُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ؛ هو محمد بن نوح بن ميمون بن عبد الحميد بن أبي الرجال، العجلي، المعروف والده بالمضروب.
قال عنه الخطيب: ” كان أحد المشهورين بالسنة، وحدث شيئا يسيرا” انتهى من “تاريخ بغداد” (4 / 517)، ثم ساق روايات عن الإمام أحمد في توثيقه.
وإِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ؛ ثقة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” إسحاق بن يوسف بن مرداس المخزومي الواسطي المعروف بـ “الأزرق”: ثقة ” انتهى من “تقريب التهذيب” (ص 104).
وعبيد الله بن عمر من الثقات المشهورين.
وقال محققو “سير أعلام النبلاء” (13 / 176)؛ عن إسناد هذا الحديث:
” رجاله ثقات ” انتهى.
وصححه الشيخ الألباني أيضا، كما في “صحيح الجامع الصغير” (2 / 993).
وقد ضعفه بعض أهل العلم؛ واستنكروا متنه.
قال الشيخ أبو إسحاق:
” وهو حديث منكر مع نظافة سنده، واستغربه الخطيب ” انتهى من “تنبيه الهاجد” (2 / 91).
وممن سبق إلى تضعيف الحديث، أو استنكار متنه: ابن الجوزي، كما في “العلل المتناهية” (1/301)، وقال الذهبي رحمه الله في “تلخيص العلل المتناهية” (105): “منكر”.
وهذا هو الذي نميل إليه في شأن ثبوت هذا الحديث.
ثانيا:
على القول بتصحيح الحديث، وأن متنه محفوظ،، فلعل المعنى الذي تحمل عليه جملة: إِلَّا أُمَّتِي كُلَّهَا فِي الْجَنَّةِ : هو أن المراد بالأمة: من استجاب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومات صحيح الإسلام. فلا يدخل فيها المرتد والمنافق؛ ويكون معنى جملة: ( كُلَّهَا فِي الْجَنَّةِ ) : أي مآلهم النهائي ، وإن عذب بعضهم في النار فترة من الزمن ، على ذنوب أو بدع غير مكفرة.
وعلى ذلك، فتكون هذه الفقرة ، بهذا المعنى ، شبيهة بحديث أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي، فَأَخْبَرَنِي – أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي – أَنَّهُ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) رواه البخاري (1237)، ومسلم (94).
وحديث مُعَاذ بْنِ جَبَلٍ، أنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له: مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ .
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟
قَالَ: إِذًا يَتَّكِلُوا .
وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا” رواه البخاري (128)، ومسلم (32).
قال النووي رحمه الله تعالى:
” وأما حكمه صلى الله عليه وسلم على من مات يشرك بدخول النار، ومن مات غير مشرك بدخوله الجنة؛ فقد أجمع عليه المسلمون.
فأما دخول المشرك النار: فهو على عمومه ، فيدخلها ، ويخلد فيها ، ولا فرق فيه بين الكتابي، اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان، وسائر الكفرة.
ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادا ، وغيره ، ولا بين من خالف ملة الإسلام ، وبين من انتسب إليها ، ثم حكم بكفره ، بجحده ما يكفر بجحده ، وغير ذلك.
وأما دخول من مات غير مشرك الجنة : فهو مقطوع له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرا عليها : دخل الجنة أولا، وإن كان صاحب كبيرة مات مصرا عليها : فهو تحت المشيئة ، فإن عفي عنه دخل أولا ، وإلا ؛ عذب ، ثم أخرج من النار ، وخلد في الجنة، والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ) : فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها، وختم لهم بالخلود في الجنة، وقد تقدم هذا كله مبسوطا، والله أعلم ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (2 / 97).
فهذه الفقرة من هذا الحديث، بهذا المعنى: لا تعارض حديث افتراق الأمة، وقد سبقت دراسته في جواب السؤال رقم : (225230)، ورقم : (220903).
لأن المخالف والمفارق لما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين؛ إما أن يخالف ببدعة مكفرة ، أو ببدعة مفسقة.
فإن كان مفارقا ببدعة مكفرة : فقد خرج عن الإسلام ، وبهذا خرج عن الأمة المسلمة، فهو ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الموعودة بالجنة.
وأما المخالف ببدعة مفسقة غير مكفرة، فهو من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فترجى له الجنة، لكنه متوعد بالنار قبل دخوله الجنة ، كحال أصحاب الكبائر إذا لم يتجاوز الله عنهم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة