قرأت في أحد المواقع هذه المقولة " اسمح لله بأن يعمل من خلالك ثق به، إذا كان الكون برمته يسير بمنتهى الجمال فلماذا يكون عاجزًا عن الاعتناء بك؟ لماذا تخاف وتقلق على نفسك ؟ الورود لا تخاف وحتى النجوم"، فهل يجوز هذا الكلام ؟
هل يجوز أن يقال: اسمح لله بأن يعمل من خلالك وثق به
السؤال: 335145
ملخص الجواب
هذا الكلام (المذكور في السؤال) وإن كان المتكلم به لا يريد إلا خيرا، (دعوة للثقة والاعتماد على الله، وترك القلق والاضطراب) لكن الواجب على العبد أن يحفظ مقام الأدب في خطاب رب العالمين، والخبر عنه ، وأن يراعى في الكلام عن الله تعالى ما يليق بعظمته وجلاله وكماله.
Table Of Contents
أولا: الثقة بالله والتوكل عليه أمر مطلوب شرعاً
الثقة بالله تعالى والاعتماد والتوكل عليه أمر مطلوب شرعا، كما قال تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون َ هود/123.
وقال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا الفرقان/58.
وقال: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا الأحزاب/3.
فالله تعالى هو الوكيل الحافظ لعباده، وهو الرزاق الذي يرزقهم، وهو الرحيم الذي لا أرحم بهم منه، وهو القيوم الذي به قيام كل شيء، ومن توكل على الله كفاه، ومن اعتصم به هداه، ومن آمن به رزقه، ومن اعتمد عليه لم يخب.
قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا الطلاق/2، 3 .
وروى أحمد (205) عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ أنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا .
أي: تغدو بكرة وهي جِياع، وتروح عِشاءً وهي ممتلئة الأجواف.
وإذا كان الكون كله يسير بتسخير الله وتدبيره، فتعالى الله أن يعجز عن تدبير أمر عبده.
وإذا كان الله قد تكفل بالرزق والرعاية لعبده، فلم القلق؟!
قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ هود/6 .
وإذا كان ما يصيب الإنسان من نصب أو تعب أو هم، يكفر الله به خطاياه، وهو مكتوب في كتاب قبل أن يخلق، فلا معنى للاكتئاب والاضطراب النفسي.
قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الحديد/ 22، 23 .
وقال صلى الله عليه وسلم : مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ رواه البخاري (5642)، ومسلم (2573).
ثانيا: الواجب على العبد أن يحفظ مقام الأدب في خطاب رب العالمين
هذا الكلام المذكور حق، وفيه دعوة للثقة والاعتماد على الله، وترك القلق والاضطراب.
لكن قوله: " اسمح لله بأن يعمل من خلالك" : تجاوز في العبارة لا يليق بمقام الله جل جلاله، فالله لا يحتاج أن يُسمح له، ولا هو يعمل من خلال أحد، تعالى الله وتقدس؛ فإنه جل جلاله لا يرد فضلَه عن عبيده رادٌّ، ولا يمنعه مانع . قال الله تعالى : مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فاطر/2 ، وقال تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يونس/107 .
وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكره، إذا فرغ من صلاة الفريضة أن يقول : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ .
رواه البخاري (6615)، ومسلم (593) من حديث المغيرة بن شعبة .
وقد ترجم الإمام البخاري على هذا الحديث في صحيحه : " بَابُ : لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ " .
وفي صحيح مسلم (477) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ: اللهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ .
وهذا الكلام، وإن كان المتكلم به لا يريد إلا خيرا، لكن الواجب على العبد أن يحفظ مقام الأدب في خطاب رب العالمين، والخبر عنه ، وأن يراعى في الكلام عن الله تعالى ما يليق بعظمته وجلاله وكماله.
والعبد هو الفاعل لفعله، باختياره وإرادته، والله خالق له ولإرادته، وعالم بما سيكون منه، وهو سبحانه يعين من شاء من عباده، ويهديهم، ويوفقهم، ولو حُرموا توفيقه لضلوا، ولهذا يقول أهل الجنة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ الأعراف/43
نسأل الله أن يهدينا ويوفقنا لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب