ما الفرق بين رسول ومبعوث؟ وهل النبي محمد صلى الله عليه وسلم مبعوث لقومه الذين عاصروه فقط، ورسول لكافة الناس بالقرآن؛ أي من أرسل اليهم ملزمين بالقرآن فقط وليس بسنته ؟
ما الفرق بين رسول و مبعوث ؟
السؤال: 337476
ملخص الجواب
البعث والإرسال يتفقان في المعنى ، وهو توجيه شخص لآخر . ولذلك جاء القرآن الكرم في شأن الرسل بالبعث في مواضع والإرسال في أخرى ، لأنهما بمعنى واحد . أما التفريق بينهما بما ورد في السؤال ، من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى قومه ، ومرسلا إلى من بعدهم ، فلا يلزم من بعدهم إلا العمل بالقرآن فقط : فهذا التفريق باطل قطعًا ، ومخالف لما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة ، من أن كل من أتي بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى قيام الساعة، فهو مخاطب بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وأنه من لم يؤمن بذلك، دخل النار.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يتفق معنى "بعث" ومعنى "أرسل" في التوجيه ، فالبعث هو التوجيه ، وكذلك الإرسال .
فمن وجَّه شخصا إلى آخر برسالة ، يقال : أرسله ، أو : بعثه .
قال الراغب الأصفهاني:
" أصل البَعْث: إثارة الشيء وتوجيهه، يقال:
بَعَثْتُهُ فَانْبَعَثَ، ويختلف البعث بحسب اختلاف ما علّق به … " انتهى من "المفردات" (ص 132).
وجاء في لسان العرب :
يطلق البعث على عدة معانٍ :
"بعثه ، أي : أرسله .. وابتعثه أيضا أي أرسله … وبعثه على الشيء ، أي : حمله على فعله …
وبعثه من نومه : أيقظه …
والبعث : إثارة بارك أو قاعد ، تقول : بعثت البعير ، أي : أثرته .
والبعث أيضا : الإحياء من الله تعالى للموتى ، ومنه قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ) البقرة/56 " انتهى من "لسان العرب" (1/307) .
وجاء فيه أيضا :
"والإرسال : التوجيه .. وتراسل القوم ، أرسل بعضهم إلى بعض " انتهى من "لسان العرب "(3/1644) .
وبهذا يظهر أن البعث والإرسال يتفقان في المعنى ، وهو توجيه شخص لآخر .
ولذلك جاء القرآن الكرم في شأن الرسل بالبعث في مواضع والإرسال في أخرى ، لأنهما بمعنى واحد .
قال الله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) قال الراغب : هذه الآية كقوله تعالى في سورة المؤمنون : (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى) انتهى من "المفردات" (ص132) .
ومثلها قوله تعالى في سورة الحديد : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ الحديد/25 .
وقال تعالى : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ النساء/164 .
وبهذا يتبين أنه لا فرق بين قولك : بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وقولك : أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم .
لكن البعث أوسع دائرة في المعاني من الإرسال، والإرسال : أخص بمعنى : توجيه النبي إلى قومه ، وأكثر استعمالا في ذلك من "بعث" .
ولذلك قال أبو جعفر أحمد بن إبراهيم الثقفي الغرناطي رحمه الله تعالى:
" إن (أرسل) أخص فى باب (الإرسال) من البعث " انتهى من "ملاك التأويل" (1 / 216).
أما التفريق بينهما بما ورد في السؤال ، من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى قومه ، ومرسلا إلى من بعدهم ، فلا يلزم من بعدهم إلا العمل بالقرآن فقط : فهذا التفريق باطل قطعًا ، ومخالف لما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة ، من أن كل من أتي بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى قيام الساعة، فهو مخاطب بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وأنه من لم يؤمن بذلك، دخل النار.
ويدل على بطلانه عدة أمور منها :
1- أنه مخالف لآيات القرآن الكريم التي تدل على أن البعث والإرسال يتواردان على معنى واحد ، وقد سبق ذكر بعضها .
2-أن الله تعالى أخبر عن نبيه صلى الله عليه وسلم بالبعثة وبالرسالة لمن عاصره ولمن يأتي بعده من غير تفريق، وهذا في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الجمعة/2-3.
قال الطبري رحمه الله تعالى:
" وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عني بذلك كل لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم في إسلامهم من أي الأجناس؛ لأن الله عز وجل عمّ بقوله: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) كل لاحق بهم من ( آخَرِينَ )، ولم يخصص منهم نوعا دون نوع، فكل لاحق بهم، فهو من الآخرين الذين لم يكونوا في عداد الأولين الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آيات الله.
وقوله: ( لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) يقول: لم يجيئوا بعد؛ وسيجيئون " انتهى من" تفسير الطبري" (22 / 631).وعن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي:
…وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً
رواه البخاري (335) ،ومسلم (521).
3- أن القول بأن من جاء بعد عصر النبوة مخاطب بالقرآن، دون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا قول فيه تناقض؛ لأنه يبطل العمل بالقرآن، فالقرآن خاطب جميع المؤمنين باتباع سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم كاتباعهم للقرآن.
قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب/21 .
وقال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ الحشر/7.
وقال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا النساء/59.
وقال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ آل عمران/31 – 32.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله …" انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 / 32).
4-أن السنة هي بيان للقرآن، فمن جاء بعد عصر النبوة فهو أحوج إلى هذا البيان ليفهم به مراد القرآن.
قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ النحل/44.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" ثم قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ )، يعني: القرآن، ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) من ربهم، أي: لعلمك بمعنى ما أنزل عليك، وحرصك عليه، واتباعك له، ولعلمنا بأنك أفضل الخلائق وسيد ولد آدم، فتفصل لهم ما أجمل، وتبين لهم ما أشكل " انتهى من "تفسير ابن كثير" (4 / 475).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (223528)، ورقم : (266731) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة