ورد أثر عن التيمم، أخبرنا محمد بن بشار، قال حدثنا محمد، قال حدثنا شعبة، عن سلمة، عن ذر، عن بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه : " أن رجلا أتى عمر فقال إني أجنبت فلم أجد الماء قال عمر: لا تصل" سنن النسائي (1/165). ولكن رجعت لكتاب البخاري ووجدت : "حدثنا آدم، قال حدثنا شعبة، حدثنا الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال : "جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال إني أجنبت فلم أصب الماء فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه " "صحيح البخاري" (1/129)، ولم أجد كلمة لا تصل في "صحيح البخاري" .
هل تعمد البخاري حذف لفظة (لا تصل) من حديث التيمم؟
السؤال: 340735
ملخص الجواب
إسقاط لفظة (لا تصل )، لا يظهر أنه من صنيع البخاري رحمه الله تعالى؛ وإنما من أحد رجال السند شعبة أو آدم. وعلى أية حال؛ فهذا الصنيع لا اشكال فيه؛ وليس فيه ما يحيل معنى الخبر عن وجهه ؛ لأن رأي عمر رضي الله عنه يظهر من سياق باقي الخبر، والراوي إذا تصرف في ألفاظ الخبر من غير تغيير للمعنى، فلا حرج من ذلك؛ لأن المقصود في مثل هذه الأخبار المعنى وليس ذات اللفظ.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
روى النسائي (312)، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ : " أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ. قَالَ عُمَرُ: لَا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَمَا تَذْكُرُ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدِ الْمَاءَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ فَصَلَّيْتُ، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ – وَسَلَمَةُ شَكَّ لَا يَدْرِي فِيهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ إِلَى الْكَفَّيْنِ – . فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ".
هذا الحديث رواه النسائي عن شيخة محمد بن بشار- بُندار- عن محمد بن جعفر – غُندر – عن شُعبة.
ومحمد بن بشار وإن كان من شيوخ البخاري أيضا؛ وهذا الحديث قد سمعه منه، وقد رواه لكن لم يذكر لفظه بتمامه ، وذلك في الحديث (343)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: " فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الأَرْضَ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ".
إلا أنّ البخاري وصل إليه هذا الحديث بإسناد أعلى، بينه وبين شعبة راو واحد.
وهي الرواية التي أشرت إليها في السؤال، حيث رواه في "الصحيح" (338)، قال: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ المَاءَ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ".
فمادام الإسناد مختلفا، فلا يمكن أن ننسب نقص عبارة: (قَالَ عُمَرُ: لَا تُصَلِّ) إلى تصرف البخاري، فالظاهر أنه من أحد رواة السند، ويحتمل أنه من شعبة، حدث بالحديث على الوجهين فأسقط قول عمر في رواية آدم؛ مع أن السياق يدل عليها، دلالة واضحة، وذلك من تذكير عمار لعمر رضي الله عنهما، بما كان من شأنهما في المرة الأولى، حين لم يصل عمر بالتيمم، في حين تمرَّغ عمار في التراب، بكُلِّه. أو لأن المقصود متن الحديث ، ولم يكن المقصود ذكر رأي عمر رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث البخاري:
" هذه الرواية اختصر فيها جواب عمر، وليس ذلك من المصنف – أي البخاري-، فقد أخرجه البيهقي من طريق آدم أيضا بدونها . وقد أورد المصنف الحديث المذكور في الباب الذي يليه من رواية ستة أنفس أيضا عن شعبة ، بالإسناد المذكور ، ولم يسقه تاما من رواية واحد منهم. نعم؛ ذَكَر جوابَ عمر: مسلمٌ من طريق يحيى بن سعيد، والنسائي من طريق حجاج بن محمد؛ كلاهما عن شعبة ، ولفظهما: ( فقال: لا تصل ) . زاد السراج: (حتى تجد الماء )، وللنسائي نحوه، وهذا مذهب مشهور عن عمر … " انتهى من " فتح الباري" (1 / 443).
ورواية البيهقي التي أشار إليها الحافظ، رواها البيهقي بإسنادين في كتابه "السنن الكبرى" (2 / 142)، وكتابه "الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة" (1 / 436).
فالحاصل؛ أن إسقاط جواب عمر رضي الله عنه لا يظهر أنه من صنيع البخاري رحمه الله تعالى؛ وإنما من أحد رجال السند شعبة أو آدم.
وعلى أية حال؛ فهذا الصنيع لا اشكال فيه؛ وليس فيه ما يحيل معنى الخبر عن وجهه ؛ لأن رأي عمر رضي الله عنه يظهر من سياق باقي الخبر، والراوي إذا تصرف في ألفاظ الخبر من غير تغيير للمعنى، فلا حرج من ذلك؛ لأن المقصود في مثل هذه الأخبار المعنى وليس ذات اللفظ.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" قال الترمذي – رحمه الله -:
" فأما من أقام الإسناد وحفظه وغير اللفظ، فإن هذا واسع عند أهل العلم، إذا لم يتغير به المعنى"…
مقصود الترمذي بهذا الفصل الذي ذكره ههنا: أن من أقام الأسانيد وحفظها، وغير المتون تغييرا لا يغير المعنى: انه حافظ ثقة يعتبر بحديثه.
وبنى ذلك على: أن رواية الحديث بالمعنى جائزة ، وحكاه عن أهل العلم.
وكلامه يشعر بأنه إجماع؛ وليس كذلك، بل هو قول كثير من العلماء. ونص عليه أحمد، وقال: ما زال الحفاظ يحدثون بالمعنى.
وإنما يجوز ذلك لمن هو عالم بلغات العرب، بصير بالمعاني، عالم بما يحيل المعنى، وما لا يحيله. نص على ذلك الشافعي " انتهى من"شرح علل الترمذي" (1 / 425 – 427).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب