يعلّم الإسلام الزوجين أن يحبّ أحدهما الآخر، وأن يلتصقا ببعضهما البعض بعد الزواج، والعيش مع بعضهما البعض بطمأنينة وسكينة، لدي بعض الالتباسات حول الحديث التالي: 1- على الرغم من أن نيّة ابن الربيع هي نكران الذات إلى حدّ بعيد، أليس من الظلم أن تُجبر زوجته التي تحبّه كثيرًا على الانفصال عن زوجها دون ذنب منها، ويتمّ تزويجها من رجل جديد، ربما تسبّب لها بآلام كثيرة واضطراب بسبب الانفصال؟ 2- كيف يمكن للرجل أن يقول لزوجته أن تتزوج من غيره بعد أن طلّقها؟ هل من تعاليم الإسلام أن يطلّق الزوجة الحبيبة ويخبرها أنّه يطلّقها لأنها ينبغي أن تتزوج من رجل آخر؟ هل هذا سبب مشروع؟ 3- إذا طلق ابن الربيع إحدى نسائه ورفضت الزواج من ابن عوف أفلا يكون الضرّر أكثر من النفع؟ 4- في الحديث، أخبر ابن الربيع ابن عوف أنه يمكن أن يختار أيّا من زوجتيه، هل يسمح الإسلام للرجل غير المُحرم بالنظر والاختيار من بين المتزوجات بالفعل؟
التعليق على إشكال حول قصة تطليق سعد بن الربيع امرأته ليتزوجها عبد الرحمن بن عوف.
السؤال: 348292
ملخص الجواب
هذه القصة فيها بيان عظيم الإيثار الذي كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبة الخير لإخوانهم، وترك الشح؛ حتى في أعز الأشياء، وألصقها بالنفس؛ فكيف بغيرها؟! وحسبنا أن الله مدح هؤلاء ورضي عنهم، وأنهم آثروا، فقابل إخوانهم المهاجرون ذلك بالتعفف. وذلك الذي هم به الصحابي: لم يقع، ولم يحدث. فما حاجتنا إلى تكلف السؤال: لو كان وقع، كانت فيه مفسدة، وكان فيه ظلم، وكان فيه كيت، وكيت؛ هذا أمر لم يقع. فلا داعي لافتراض الطريقة التي كان سيتم بها الاختيار، وإنما الذي حصل وسُجّل في الصحائف، هو هذا الإيثار الفريد الذي جعله الله صفة من صفات أنصاره وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم. فعلينا بجوهر القضية، وزبدة القصة. وينظر الجواب المطول
Table Of Contents
أولا:
عظيم الإيثار الذي كان عليه الأنصار
روى البخاري (3781) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: "قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ، وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَهْيَمْ) قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ (مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟). قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)".
وهذا من عظيم الإيثار، أن يقدم الإنسان أخاه على نفسه في ذلك، فلم يكتف أن يترك له إحدى زوجاته، بل يخيره ليختار أفضلهن، وقد كان تحته امرأتان كما جاء عند أحمد (13863)، قال سعد: "وتحتي امرأتان فانظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها".
ولهذا مدح الله الأنصار بقوله: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر/9.
وهذا ليس خاصا برجال الأنصار، بل نساؤهم كذلك، ولا شك أن سعد بن الربيع رضي الله عنه يعلم من حال نسائه وإيمانهن أنهن لن يأبين هذا الإيثار، ولن يخذلنه، وستترك المرأة زوجها وتتزوج من غيره تحقيقا لرغبته ومشاركة له في الأجر والتقرب إلى الله.
فلا ينبغي أن تقيس حال القوم على حالنا وعظيم شحنا، فلقد كانوا فوق ما نتصوره بمراحل.
ثم إن العرب كانوا لا يأنفون من ذلك، أي أن يطلق الرجل امرأته، ثم تنكح غيره، وكان أمر الطلاق والنكاح عندهم يسيرا.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (316093 ).
ثانيا:
الطلاق من غير سبب وحاجة مكروه، وقيل: يحرم، وهنا حاجة عظيمة، وهي إيواء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم.
ثالثا:
التعليق على فعل الصحابي الوارد في الأثر
اختيار أعجب الزوجتين لا يتوقف على النظر إلى المرأة، فعوامل الاختيار الأخرى كثيرة كنسبها، وسنّها، وكونها ذات ولد أو لا، هذا مع أن الحجاب كان لم يفرض بعد، فالرؤية متاحة، كما يمكن الوصول إليها عن طريق النساء.
والمهم أن ذلك لم يحصل؛ فلا داعي لافتراض الطريقة التي كان سيتم بها الاختيار، وإنما الذي حصل وسُجّل في الصحائف، هو هذا الإيثار الفريد الذي جعله الله صفة من صفات أنصاره وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا داعي للتخيل والافتراض والتكلف، فحسبنا أن الله مدح هؤلاء ورضي عنهم، وأنهم آثروا، فقابل إخوانهم المهاجرون ذلك بالتعفف.
وذلك الذي هم به الصحابي: لم يقع، ولم يحدث.
فما حاجتنا إلى تكلف السؤال: لو كان وقع، كانت فيه مفسدة، وكان فيه ظلم، وكان فيه كيت، وكيت؛ هذا أمر لم يقع.
فقط علينا بجوهر القضية، وزبدة القصة: عظيم الإيثار الذي كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبة الخير لإخوانهم، وترك الشح؛ حتى في أعز الأشياء، وألصقها بالنفس؛ فكيف بغيرها؟!
فرضي الله عنهم جميعا، وجعلنا ممن قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة