أولًا:
قول (مصائب قوم عند قوم فوائد)
قول الناس (مصائب قوم عند قوم فوائد) هو من باب الأمثال والحكم، والأقوال الدائرة بين الناس.
ومن ذلك الباب: قول أبي الطيب المتنبي:
بذا قَضَت الْأَيَّام مَا بَين أَهلهَا |
مصائب قوم عِنْد قومٍ فَوَائِد |
قال الواحدي: "يقول هكذا عادة الأيام؛ سرور قوم: مَساءة آخرين، وما حدث في الدنيا حدث إلا سر به قوم وسيء به آخرون"، انتهى من "شرح ديوان المتنبي"، للواحدي: (233).
ثانيًا:
الأنبياء أرحم الناس بالخلق
الأنبياء والدعاة إلى الله من أتباعهم أرحم الناس بالخلق، وأكثر الناس جهدًا في هداية الخلق، كما قال نوح عليه السلام: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا سورة نوح/ 5 – 9 .
وقال سبحانه عن مؤمن آل ياسين: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ سورة يس.
ومع ذلك فإن الله سبحانه قضى بالهلاك على من تنكب عن الطريق المستقيم، كما قال سبحانه: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ سورة هود/ 102 .
وقال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ سورة العنكبوت.
ثالثًا:
هلاك الظالم مما يفرح به المؤمن
لا شك أن هلاك الظالم مما يفرح به المؤمن، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ، وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَر ُ، وَالدَّوَابُّ رواه البخاري (6147) ومسلم (950)، وبوَّب عليه النسائي في سننهِ (1931): "باب الاستراحةُ من الكفار".
قال النووي رحمه الله "معنى الحديث: أن الموتى قسمان: مستريح ومستراح منه، ونصب الدنيا: تعبها، وأما استراحة العباد من الفاجر معناه: اندفاع أذاه عنهم، وأذاه يكون من وجوه، منها: ظلمه لهم، ومنها: ارتكابه للمنكرات فإن أنكروها قاسوا مشقة من ذلك، وربما نالهم ضرره، وإن سكتوا عنه أثموا .
واستراحة الدواب منه كذلك لأنه كان يؤذيها ويضربها ويحملها ما لا تطيقه ويجيعها في بعض الأوقات وغير ذلك . واستراحة البلاد والشجر: فقيل: لأنها تمنع القطر بمصيبته قاله الداودي وقال الباجي لأنه يغصبها ويمنعها حقها من الشرب وغيره." انتهى من "شرح مسلم" (7 / 20، 21).
انظر جواب السؤال رقم (154727) حول الفرح بهلاك أعداء الإسلام
ثم في هلاكهم في الحروب والجهاد، وهلاكهم باستئصال الله لهم: من وجوه الخير والنعمة والفرح والفائدة: ما لا يخفى على عاقل.
ففي هلاكهم: زوال شرهم ومكرهم وكيدهم من الأرض، وصدهم عن سبيل الله.
وفيه: أن الله يورث أرضهم وديارهم وأموالهم، لعباده الصالحين .
قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ الأنبياء/105-107
وقال تعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا الأحزاب/25-27
ثم في انتصار الأنبياء عليهم: ما يعطيهم الله من الفيء والغنيمة، والرزق الذي أحله لعباده الصالحين، وتلك حسنة ونعمة، يفرح بها الأنبياء، وعباد الله المجاهدين، إذا نصرهم على عبادهم.
قال الله تعالى: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ التوبة/52
وفرح الأنبياء بهلاك الظالمين من هذا الباب، فإن بقائهم مما يُدخل التعب على أهل الإيمان. قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الأنعام/42-45
وليس في ذلك كله، ولا في تقريره وحكايته: أدنى خادش في مقام الأنبياء، ولا حالهم، وعليه يُحمل قول الطاهر رحمه الله: "وإنما يضاف اليوم إلى النحس باعتبار المنحوس، فهو يوم نحس للمعذبين يوم نصر للمؤمنين ومصائب قوم عند قوم فوائد .. وليس في الأيام يوم يوصف بنحس أو بسعد لأن كل يوم تحدث فيه نحوس لقوم وسعود لآخرين." انتهى من "التحرير والتنوير" (27/ 193).
والله أعلم.