لقد ذكرت في كثير من فتاواك أنّ الطلاق بدون سبب محرّم ومكروه لأسباب تافهة يسيرة، بالتالي لماذا طلّق الصحابة كثيرا؟ كانوا يتعاملون مع الطلاق باعتباره لا شيء، وكثيرا ما يطلّقون العديد من النساء على الرغم من أنّ زوجاتهم عادة ما يكنّ صحابيّات وصالحات للغاية، طلّق الحسن بن علي أكثر من ثلاثين امرأة بدون سبب، ألم يعلموا أنّ الطلاق كان مكروها، أم إنّها كانت الثقافة السائدة في ذلك الوقت أن يطلّق الكثير من النساء حتى لو كنّ ملتزمات دينيا؟
لماذا طلّق الصحابة مع أن الأصل في الطلاق المنع؟
السؤال: 354170
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأصل في الطلاق لغير حاجة الحظر، فهو إما حرام أو مكروه؛ لأنه من كفر نعمة النكاح ولما يترتب عليه من مفاسد على الزوجة والأولاد غالبا.
قال ابن قدامة رحمه الله: " والطلاق على خمسة أضرب: … ومكروه: وهو الطلاق من غير حاجة إليه .
وقال القاضي: فيه روايتان إحداهما: أنه محرم، لأنه ضرر بنفسه وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه؛ فكان حراما، كإتلاف المال .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).
والثانية: أنه مباح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وفي لفظ: (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) رواه أبو داود .
وإنما يكون مبغَضا من غير حاجة إليه، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حلالا .
ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، فيكون مكروها" انتهى من "المغني" (8/235).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ: الْحَظْرُ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى"(32/293).
وما جاء عن بعض الصحابة من الإكثار من الطلاق، قد يكون له أسبابه كحصول النفرة بين الزوجين، أو الاطلاع على عيب خِلقي أو خُلقي، مع قلة مفاسد الطلاق في ذلك الزمن، فربما طلقت المرأة وزوجت مرات، وربما كان طلاق المرأة مغنما لها، تنال مهرها كاملا، ولا ينقص ذلك من شأنها، فلا تنقضي عدتها إلا وقد جاء من يخطبها.
ومع ذلك فلم يكن الإكثار من الطلاق أمرا شائعا في الصحابة، وإنما عُرف بذلك أفراد معدودون، وكان الناس لا يأنفون من تزويج هؤلاء الأفراد مع علمهم أنهم مِطلاقون! وذلك لما ذكرنا من أن ذلك الطلاق لم يكن مضرا بالمرأة، بل كانت تنتفع به غالبا، وقد روي أن عليا رضي الله عنه قال: يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه مِطلاق. فقال رجل: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق.
فكان الناس يزوجون الحسن رضي الله عنه طلبا لشرف النسب النبوي، وهكذا كانوا يزوجون غيره لأسباب عديدة، مع علمهم بإمكان حصول الطلاق.
هذا إذا سلمنا صحة الروايات المذكورة في هذا الباب، وإلا فأكثرها أخبار تاريخية تذكر بلا إسناد.
يقول الدكتور علي محمد الصلابي في كتابه عن الحسن بن علي رضي الله عنه (ص27:(
"وقد ذكر المؤرخون أن من زوجاته: خولة الفزازية، وجعدة بنت الأشعث، وعائشة الخثعمية، وأم إسحاق بنت طلحة بنت عبيد الله التميمي، وأم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري، وهند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وأم عبد الله وهي بنت الشليل بن عبد الله أخو جرير البجلي وامرأة من بني ثقيف وامرأة من بني عمرو بن أهيم المنقري، وامرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة، وربما تجاوز هذا العدد بقليل، وهو كما ترى لا يمتّ إلى الكثرة المزعومة بصلة، بعرف ذلك العصر .
وأما ما رواه رواة الأثر، في كونه تزوج سبعين، وفي بعض الروايات تسعين، والبعض الآخر مائتين وخمسين، والبعض الآخر ثلاثمائة، وروي غير هذا؛ إلا أنه من الشذوذ بمكان، وهذه الكثرة المزعومة موضوعة. وأما الروايات فهي كالتالي : …"
ثم شرع في تخريج هذه المرويات وبيان ضعفها ووهائها، فانظره في المصدر السابق (ص28 –31(
ثم قال (ص31): " إن الروايات التاريخية التي تشير إلى الأعداد الخيالية في زواج الحسن بن علي رضي الله عنه لا تثبت من حيث الإسناد، وبالتالي لا تصلح للاعتماد عليها نظراً للشبه والطعون التي حامت حولها" انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم:(176293).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة