لاحظت استخدام عبارة "الحمد لله على وجود الله" من بعض الناس على مواقع التواصل، فهل لها أصل شرعي؟ وهل يجوز قولها؟
ما حكم عبارة: (الحمد لله على وجود الله)؟
السؤال: 356374
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الذي يظهر أن مراد من يقول ذلك: إثارة الرجاء في القلب ونحو ذلك ، كأن يقال للمصاب بمصيبة: الحمد لله، الله موجود، وليس المراد مجرد الإخبار بوجود الله ، بل المراد لازم ذلك ، وأنه سوف يرحمك ويخفف عنك ويعوضك خيرًا .
ويقال للمظلوم: الحمد لله، الله موجود، أي وهو العليم البصير السميع فهو يعلم مظلمتك فلن تضيع، ونحو هذا.
ومثل هذا الإخبار، لا حرج فيه .
والإخبار عن الله تعالى بشيء وإرادة لازم ذلك جائز لا حرج فيه .
كقول الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى طه /45 – 46.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ( قَالَ لا تَخَافَا ) أن يفرط عليكما ( إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) أي: أنتما بحفظي ورعايتي، أسمع أقوالكما وأرى جميع أحوالكما، فلا تخافا منه " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 506).
وكقوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) العلق/14.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" قال: ( ألم يعلم بأن الله يرى ) أي: أَمَا عَلِم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء " انتهى من "تفسير ابن كثير" (8 / 438).
وأعلى من ذلك، وأجل منه أن يكون مراده : الحمد لله على أن لنا ربا نعبده ، فأغنانا بألوهيته عن الفقر إلى ما سواه ؛ قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ فاطر/15-17.
والحمد له على سبحانه على أن هدانا إليه ، وعرفنا به ، فعبدناه ، فلم نضع في متاهات الحيرة ، وضلالات الشرك . قال الله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ الحج/30-31 .
فإذا كان هذا مراد القائل ، فلا حرج في إطلاق العبارة ، بأي من المعنيين السابقين، أو ما شابههما.
وإلا؛ فالأحسن بكل حال: أن يلزم اللفظ الوارد، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم العام في سائر سننه وأحواله؛ فمن أكل طعاما، حمد الله عليه ، ومن شرب شرابا حمد الله عليه ، ونحو ذلك مما يناسب حاله ، وهكذا سائر صيغ الحمد المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أذكاره، إنما كانت تلائم المقام الذي قالها فيه.
ومن أراد تعظيم نعمة الهداية عليه ، ففي القرآن ذكر مقال من أنعم الله عليهم بذلك: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ الأعراف/43
وعن الْبَرَاء بن عازب، رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ، وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، إِنَّ الْأُلَى قَدْ أَبَوْا عَلَيْنَا – قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: إِنَّ الْمَلَا قَدْ أَبَوْا عَلَيْنَا – إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا، وَيَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ رواه البخاري (7236)، ومسلم (1803).
ولو قال العبد : "الحمد لله"، وسكت، فلم يصلها بشيء، ولم يقيدها بشيء: لكان قد كفى، ووفى. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ – أَوْ تَمْلَأُ – مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رواه مسلم (223)، من حديث أبي مالك الأشعري، رضي الله عنه.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب