سمعت قارئاً يثني على قارئ آخر قد أجاد التلاوة وأحسن الترتيل والتجويد، فقال عنه: حَفِظَ القرآن فَلَاكَهُ فأصبح قرآناً يُتْلَى، ما حكم قوله هذا؟
ما حكم مقولة: (فلان حَفِظَ القرآن فَلَاكَهُ فأصبح قرآناً يُتْلَى)؟
السؤال: 357032
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
اللوك: المضغ، وإدارة الشيء في الفم.
قال ابن منظور رحمه الله تعالى:
” لوك: اللَّوْكُ: أَهْوَن المَضْغِ، وَقِيلَ: هُوَ مَضْغُ الشَّيْءِ الصُّلْبِ المَمْضَغة تُدِيرُهُ فِي فِيكَ…
وَقَدْ لَاكَهُ يَلُوكه لَوْكاً…
ولُكْتُ الشيءَ فِي فَمِي أَلُوكُه إِذَا عَلَكْتَه، وَقَدْ لاكَ الفرسُ اللِّجَامَ… واللَّوْكُ: إِدَارَةُ الشَّيْءِ فِي الْفَمِ” انتهى من “لسان العرب” (10/ 484 – 485).
قوله: لاك القرآن: الظاهر أنه يقصد أن هذا القارئ أدار كلمات القرآن في فمه، وراضه بها، حتى أتقن تلاوته، كما قال ابن الجزري رحمه الله تعالى في مقدمة منظومته عن التجويد:
وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِ … إلا رياضةُ امرئٍ بفَكِّهِ
قال الأستاذ غانم قدوري الحمد:
” والمراد بالرياضة في قول ابن الجزري: المداومة على النطق الصحيح ليتمرن فيه.
وقوله: (بفكه): أي بفمه، وهذا من إطلاق الجزء والمراد به الكل ” انتهى من “الشرح الوجيز” (ص 60).
وقال ابن الجزري رحمه الله تعالى:
” ولا أعلم سببا لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد، ووصول غاية التصحيح والتشديد، مثل رياضة الألسن، والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن، وأنت ترى تجويد حروف الكتابة؛ كيف يبلغ الكاتب بالرياضة، وتوقيف الأستاذ.
ولله در الحافظ أبي عمرو الداني رحمه الله حيث يقول: ليس بين التجويد وتركه، إلا رياضة لمن تدبره بفكه، فلقد صدق وبصر، وأوجز في القول وما قصر ” انتهى من “النشر” (1 / 213).
فالظاهر أن هذا القائل: أراد أن هذا الحافظ درّب فمه بكلمات القرآن حتى أتقن تلاوته.
وهذا معنى ليس فيه ما ينكر.
إلا أن استعماله لفظ “لاك”: منكر؛ لا يليق بتجويد القرآن؛ لأن مضغ الحروف ولوكها، مذموم في التجويد.
قال ابن الجزري رحمه الله تعالى:
” فليس التجويد بتمضيغ اللسان، ولا بتقعير الفم، ولا بتعويج الفك، ولا بترعيد الصوت، ولا بتمطيط الشد، ولا بتقطيع المد، ولا بتطنين الغنات، ولا بحصرمة الراءات، قراءة تنفر عنها الطباع، وتمجها القلوب والأسماع، بل القراءة السهلة العذبة الحلوة اللطيفة، التي لا مضغ فيها ولا لوك، ولا تعسف ولا تكلف” انتهى من “النشر” (1/213).
ولا شك أن في التعبير عن دربة اللسان، ورياضته بتلاوة كلام الله عز وجل، بلفظ “اللوك”، فيه من سوء الأدب في حق كلام الله، وتعظيمه وتوقيره: ما يوجب تركه، وتخير أحسن الألفاظ في ذلك، وليس أحسن مما شرع الله لعباده، من مثل: “التلاوة” و”الترتيل”، و”القراءة”، و”الحفظ” ونحو ذلك مما جرى على ألسنه المسلمين، لا ينكرونه، ولا يستنكرونه، ولا يحتاجون معه إلى تكلف لفظ فيه ما فيه من مجافاة الأدب.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب