سمعت في الحديث أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم نهى عن ركوب البحر ارتجاجا، فهل هذا الحديث صحيح أم لا؟ وقالوا إذا ركب في البحر فقد برئت منه ذمته، وكيف برئت منه الذمة؟ وماذا تعني فقد برئت ذمته؟ وماذا يحدث لك إذا برئت منك الذمة؟ ماذا يفعل الله له؟
التعليق على حديث النهي ركوب البحر عند هيجانه، وبيان معنى “فقد برئت منه الذمة”
السؤال: 358277
ملخص الجواب
1. حديث النهي عن ركوب البحر عن هيجانه وارتفاع موجه (وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ بَعْدَ مَا يَرْتَجُّ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ). رُوي من طريقين، أحدهما حسن، والثاني لا يصح. 2. معنى قوله “فقد برئت منه الذمة”، أي أن من ركب البحر وقت اضطرابه، فقد عرض نفسه للهلاك، فتولى الله عنه، وليس له عهد عند الله بحفظه لأنه مفرط.
Table Of Contents
أولا:
طرق حديث (ومن ركب البحر بعد ما يرتج، فقد برئت منه الذمة)
هذا الحديث رُوي من طريقين، أحدهما حسن، والثاني لا يصح.
أما الطريق الأول:
فمداره على أبي عمران الجوني، وهو ثقة، وقد اختلف عليه، وبيان ذلك كما يلي:
أخرجه أحمد في "مسنده" (20749)، من طريق هشام الدستوائي، عن أبي عمران الجوني، عن زهير بن عبد الله، قال حدثني رجل، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ بَاتَ فَوْقَ إِجَّارٍ، أَيْ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَ حَوْلَهُ شَيْءٌ يَرُدُّ رِجْلَهُ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ بَعْدَ مَا يَرْتَجُّ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ .
وأخرجه أحمد في "مسنده" (22333)، من طريق أبان بن يزيد العطار، وأحمد في "مسنده" أيضا (20749)، من طريق محمد بن ثابت العبدي، والبخاري في "الأدب المفرد" (1194)، من طريق الحارث بن عبيد الإيادي، ثلاثتهم، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به؛ مرفوعا.
وأخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (3078)، من طريق شعبة، والبغوي في "معجم الصحابة" (898)، من طريق حماد بن زيد، والبيهقي في "شعب الإيمان" 4397)، من طريق حماد بن سلمة، وسعيد بن منصور في "سننه" (2391)، من طريق عباد بن عباد المهلبي، عن زهير بن عبد الله به مرفوعا.
ويمكن تلخيص الاختلاف في الحديث فيما يلي:
رواه شعبة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وعباد بن عباد، أربعتهم عن أبي عمران الجوني، عن زهير بن عبد الله به مرفوعا.
ورواه أبان بن يزيد العطار، ومحمد بن ثابت، والحارث بن عبيد الإيادي، ثلاثتهم عن أبي عمران الجوني، عن زهير بن عبد الله عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم به؛ مرفوعا.
ورواه هشام الدستوائي عن أبي عمران الجوني، عن زهير بن عبد الله، عن رجل، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وزهير بن عبد الله، أو زهير بن أبي جبل، مختلف في صحبته، حيث عدّه بعض أهل العلم في الصحابة، ولو صحت صحبته لكان الحديث صحيحا بلا إشكال.
قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (3/346):" ذكره في الصحابة أبو نعيم وابن زبر والعسكري وغيرهم "انتهى.
ولكن الإشكال فيما لو لم يكن صحابيا، فهنا ثلاث احتمالات:
الأول: أن نرجح رواية من رواه عن زهير مرفوعا، فيكون الحديث مرسلا.
الثاني: أن نرجح رواية من رواه عن زهير عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون الحديث حسنا لأن جهالة الصحابة لا تضر، وزهير بن عبد الله لم يوثقه أحد ممن لم يعده من الصحابة، إلا أن حكم من كان هذا حاله في هذه الطبقة أنه مستور، وحديثه حسن.
قال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/618):" ومن مذهب بعض المحدثين كابن رجب وابن كثير تحسين حديث المستور من التابعين " انتهى.
وإما أن نجمع بين الطرق فنقول:
إن زهير بن عبد الله كان يرويه مرة مرسلا، ويرويه مرة عن الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم؛ دون أن يعين اسمه، ولعل هذا أقرب، لأن هشاما الدستوائي ثقة ثبت إمام، وأبان بن يزيد العطار ثقة ثبت أيضا، والحارث بن عبيد الإيادي صدوق يخطئ، ومخالفوهم ثقات أثبات أيضا، وهم شعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة، فالجمع أولى.
والحديث حسنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/88)، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (828).
وللحديث طريق آخر لا يصح.
أخرجه الحارث في مسنده كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (863)، قال حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا , ثنا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ , عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ بَاتَ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَمَنْ رَمَى بِلَيْلٍ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ فِي ارْتِجَاجِهِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ .
ثانيا:
معنى "الارتجاج" في حديث : (ومن ركب البحر بعد ما يرتج)
وأما معنى "الارتجاج"، و "برئت منه الذمة"، فكما يلي:
الارتجاج: المقصود به اضطراب البحر وهيجانه واشتداد موجه.
قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/197):" مَنْ رَكبَ البَحرَ إِذَا ارْتَجَّ فَقد بَرئت مِنْهُ الذِّمَّةُ ؛ أَيِ اضْطَرب، وَهُوَ افْتَعل، مِنَ الرَّجِّ، وَهُوَ الحركةُ الشَّديدَةُ " انتهى.
قال ابن عبد البر في "التمهيد" (1/234):" وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْبَحْرَ إِذَا ارْتَجَّ لَمْ يَجُزْ رُكُوبُهُ لِأَحَدٍ، بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فِي حِينِ ارْتِجَاجِهِ." انتهى.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (6/88):" وَفِيهِ تَقْيِيدُ الْمَنْعِ بِالِارْتِجَاجِ، وَمَفْهُومُهُ الْجَوَازُ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا غَلَبَتِ السَّلَامَةُ فَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ سَوَاءٌ" انتهى.
معنى "برئت منه الذمة" في الحديث
وأما معنى قوله:" فقد برئت منه الذمة "، أي أن من ركب البحر وقت اضطرابه، فقد عرض نفسه للهلاك، فتولى الله عنه، وليس له عهد عند الله بحفظه لأنه مفرط.
قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (5/88):" قوله: (برئت منه الذمة): ومعناه إن شاء الله -: فقد برئت منه ذمة الحفظ؛ لأنه ألقى بيده إلى التهلكة وغرر بنفسه، ولم يُرِدْ فقد برئت منه ذمة الإسلام؛ لأنه لا يبرأ أحد من الإسلام إلا بالكفر" انتهى ـ
و قال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" (19/243):" (فقد برئت منه الذمة) أي أن لكل أحد من اللَّه عهدًا بالحفظ والكلاءة، وإذا نام على سطح غير محجر فقد عرض نفسه للهلاك، ولم يحترز لها بما يمنعه من السقوط؛ فقد خذلته ذمة اللَّه "انتهى.
ويمكن مراجعة الجواب رقم: (104665) في بيان حكم ركوب البحر تفصيلا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة