فيما يتعلق باثنين من الأحاديث حول الحجر الأسود، بما أنّ إزالة الخطايا منفعة نفع، ألا يتناقض هذان الحديثان مع بعضهما البعض؟ وكيف يمكننا التوفيق بينهما؟ أليس من الشّرك أن نعتقد أنّ الحجر الأسود أو أيّ شيء آخر إلى جانب الله تعالى يزيل الخطايا؟
كيف يكون مسح الحجر الأسود مكفرا للخطايا، وهو حجر لا ينفع ولا يضر؟
السؤال: 361280
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ" رواه البخاري (1597)، ومسلم (1270).
وما قاله عمر رضي الله عنه هو الحق؛ فالحجر في ذاته كسائر المخلوقات؛ لا يملك نفعا ولا ضرا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وشرع الله سبحانه وتعالى لعباده أن يقبلوه؛ لكمال الذل والعبودية، ولهذا قال عمر رضي الله عنه حين قبّله: ( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع )، وصدق رضي الله عنه، فإن الأحجار لا تضر ولا تنفع. الضرر والنفع بيد الله عز وجل، كما قال تعالى: ( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ) " انتهى من"رياض الصالحين" (2/316).
ومن هذه المنفعة التي "لا يملكها" الحجر، ولا غيره من المخلوقات: منفعة غفران الذنوب؛ فلا يغفر الذنب، ولا يأخذ به إلا الله تعالى وحده.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ آل عمران/135.
وما ورد عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ زِحَامًا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّكَ تُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ زِحَامًا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُزَاحِمُ عَلَيْهِ؟
فَقَالَ: إِنْ أَفْعَلْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مَسْحَهُمَا كَفَّارَةٌ لِلْخَطَايَارواه الترمذي (959)، وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ".
فهذا الحديث لا يعارض أن الحجر نفسه لا ينفع ولا يضر؛ لأنه لم ينسب إلى الحجر القدرة على تكفير الخطايا؛ وإنما جعل الله مسحه سببا يكفر الله به خطايا من شاء، كما جعل الوضوء والصلاة والحج وغير هذا من العبادات سببا يكفر بها خطايا من شاء من عباده.
فمسحه هو طاعة وامتثال لإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم، وليس اعتقادا في قدرات الحجر.
جاء في "شرح صحيح البخاري" لابن بطال رحمه الله تعالى:
" وإنما شرع النبي عليه السلام تقبيله، على ما كانت شريعة إبراهيم عليه السلام، مع أن معناه التذلل لله والخضوع، والائتمار لما أمر به على لسان نبى من أنبيائه، وليعلم عيانا ومشاهدة طاعة من أطاع أمره، وعصيان من أبى من امتثاله. وهى شبيهة بقصة إبليس فيما أمر به من السجود لآدم اختبارا له " انتهى من"شرح صحيح البخاري" (4/279).
والامتثال للشرع جعله الله تعالى سببا لجلب الحسنات وتكفير السيئات.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
" ومعنى – قول عمر – : " لا تضر ولا تنفع ": أي بذاتك وقدرتك، وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع في الجزاء عليه والثواب " انتهى من"إكمال المعلم" (4/345).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب