إذا كان الشهداء يحصلون على اثنين وسبعين من الحور العين، فماذا عن الصدّيقين فهم أعلى منزلة من الشهداء، هل سيكون لدى الصدّيقين منزلة أفضل أو أكثر؟
كم عدد الحور العين للصديقين في الجنة؟
السؤال: 363978
Table Of Contents
أولا:
تفاضل أهل الجنة في النعيم
لا شك أن أهل الجنة يتفاضلون في النعيم وعلو المنزلة، فالصديقون وهم من المقربين لهم المنازل العالية.
قال الله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًاالنساء/69.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" فأما مراتب الكمال فأربع: النبوة والصديقية والشهادة والولاية، وقد ذكرها الله سبحانه في قوله: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) … " انتهى من" مفتاح دار السعادة" (1/222).
فالصديقون هم الكُمّل، فلهم المنازل العالية.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" فأكمل الخلق من حقق متابعته وتصديقه قولا وعملا وحالا، وهم الصديقون من أمته الذين رأسهم: أبو بكر – خليفته بعده – وهم أعلى أهل الجنة درجة بعد النبيين، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: ( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق إلى المغرب لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء ما يبلغها غيرهم، قال: إي والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ). " انتهى من"فتح الباري" (1 / 54).
ثانيا:
كم عدد الحور العين للصديقين؟
وأما تعيين مقدار الحور العين للصديقين، والفرق بين ما للصديقين وما للشهداء، فالله أعلم به، فلم يفصل لنا الوحي كل أنواع النعيم لكل منزلة، بل استأثر الله تعالى بأكثر تفاصيله، ووعد عباده بالنعيم العظيم الذي لا يخطر على بال العباد في الدنيا.
قال الله تعالى:فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ السجدة/17.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ، مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) رواه البخاري (4780)، ومسلم (2824).
وقوله: ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ.
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" ومعنى هذا الكلام: أن الله تعالى ادخر في الجنة من النعيم والخيرات واللذات ما لم يطلع عليه أحد من الخلق، لا بالإخبار عنه، ولا بالفكرة فيه، وقد تعرَّض بعض الناس لتعيينه، وهو تكلّف ينفيه الخبر نفسه، إذ قد نفى علمه والشعور به عن كل أحد، ويشهد له ويحققه قوله: ( بله ما أطلعكم الله عليه )، أي: دع ما أطلعكم عليه. يعني: أن المعد المذكور غير الذي أطلع عليه أحدا من الخلق " انتهى. "المفهم" (7 / 172).
وعن الشَّعْبِيّ، يُخْبِرُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قَالَ: رَبِّ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ )، قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) الْآيَةَ رواه مسلم (189).
وأمور الغيب التي لم يفصّلها الوحي، فليس للمسلم أن يدقق فيها بعقله فيتكلم بلا علم، فقد نهى الله تعالى عن ذلك: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا الإسراء /36.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن اتباع الإنسان ما ليس له به علم، ويشمل ذلك قوله: رأيت، ولم ير. وسمعت، ولم يسمع، وعلمت، ولم يعلم. ويدخل فيه كل قول بلا علم، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم، وقد أشار جل وعلا إلى هذا المعنى في آيات أخر " انتهى من "أـضواء البيان" (3 / 682).
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" ومما يدخل في النهي عن التعمق والبحث عنه: أمور الغيب الخبريّة التي أمر بالإيمان بها، ولم يبين كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفية ذلك هو مما لا يعني، وهو مما ينهى عنه، وقد يوجب الحيرة والشك، ويرتقي إلى التكذيب…
قال إسحاق بن راهويه: لا يجوز التفكر في الخالق، ويجوز للعباد أن يتفكروا في المخلوقين بما سمعوا فيهم، ولا يزيدون على ذلك، لأنهم إن فعلوا تاهوا … " انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2 / 172 – 173).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب