هل الحديث الذي رواه مسلم عن أم كلثوم بنت عقبة: (ليسَ الكَذّابُ الذي يُصْلِحُ بيْنَ النَّاسِ، ويقولُ خَيْرًا ويَنْمِي خَيْرًا)، قالَ ابنُ شِهابٍ: ولَمْ أسْمَعْ يُرَخَّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ كَذِبٌ إلَّا في ثَلاثٍ: الحَرْبُ، والإِصْلاحُ بيْنَ النَّاسِ، وحَديثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وحَديثُ المَرْأَةِ زَوْجَها. وفي روايةٍ : بهذا الإسْنادِ، إلى قَوْلِهِ: ونَمَى خَيْرًا ولَمْ يَذْكُرْ ما بَعْدَهُ"، هل الزيادة من مراسيل الزهري أم روى مسلم هذه الزيادة موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في موضع آخر بدون انقطاع؟
الأحوال التي يجوز فيها الكذب، هل ثبتت في حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم؟
السؤال: 389162
ملخص الجواب
عبارة (وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ) الراجح أن هذه الزيادة من كلام ابن شهاب، وليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
روى البخاري(2692) من طريق صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، ومسلم(2605) من طريق يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا).
وعند الإمام مسلم عقبه: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: "وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا".
وروى الإمام مسلم (2605) بإسناد آخر قول ابن شهاب هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ صَالِحٍ: وَقَالَتْ: (وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ)، بِمِثْلِ مَا جَعَلَهُ يُونُسُ، مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ.
فوقع الخلاف في نسبة هذه العبارة، حيث جعل يُونُس هَذِه الزِّيَادَة من قَول ابْن شهَاب.
ووافقه على هذا معمر، كما رواه عبد الرزاق في "المصنف" (11/162)؛قال: أخبرنا معمر عن الزهري، قال: (لَا يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ أَنَّهُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا فِي الْمَوَدَّةِ، وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِي الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ).
ومعمر ويونس مذكورون ضمن أثبت الناس في الرواية عن الزهري.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" أصحاب الزهري:
قد سبق أنهم خمس طبقات، وهم خلق كثير يطول عددهم، واختلفوا في أثبتهم وأوثقهم:..
وقالت طائفة أثبتهم معمر، وأصحهم حديثا، وبعده مالك.
قاله أحمد في رواية ابن هانئ عنه، وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: أثبت أصحاب الزهري مالك ومعمر ويونس…" انتهى من"شرح علل الترمذي" (2/ 671–672).
ولهذا نص جمع من أهل العلم على كون هذه العبارة من كلام الزهري.
قال الدارقطني رحمه الله تعالى:
" وروى هذا الحديث عبد الوهاب بن أبي بكر، عن الزهري، عن حميد، عن أمه: ( أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: لا يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعده كذبا )، وذكر الثلاثة، وهذا منكر، ولم يأت بالحديث المحفوظ الذي عند الناس" انتهى من "العلل"(15/359).
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:
" قال موسى بن هارون: وإنما هذا قول ابن شهاب، وليس هو متصلا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ بيّن ذلك يونس بن يزيد في عقب حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومعمر أيضا، قد ذكر قول الزهري في عقب حديث النبي صلى الله عليه وسلم رواه عبد الرزاق…
فأما قول موسى بن هارون أن يونس بن يزيد فصل بين الكلامين، وبين أن قوله: (ولم أسمع ترخص) كلام ابن شهاب، وأن معمرا رواه كذا.
فلعمري؛ إن الأمر على ما قال، ويقوّي في نفسي أن الصواب معهما، والقول قولهما، والله أعلم. " انتهى. "الفصل للوصل" (1 /269–272).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وما زاده مسلم والنسائي من رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه في آخره: ( ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث ) فذكرها، وهي: الحرب، وحديث الرجل لامرأته، والإصلاح بين الناس. وأورد النسائي أيضا هذه الزيادة من طريق الزبيدي عن ابن شهاب.
وهذه الزيادة مدرجة بيّن ذلك مسلم في روايته من طريق يونس عن الزهري فذكر الحديث، قال: وقال الزهري. وكذا أخرجها النسائي مفردة من رواية يونس. وقال: يونس أثبت في الزهري من غيره. وجزم موسى بن هارون وغيره بإدراجها " انتهى من"فتح الباري" (5/300).
وينظر: "آثار العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني" (6/114-115).
فالحاصل؛ أن الراجح هو أن هذه الزيادة من كلام ابن شهاب، وليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب