قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أكثر أهل النار هم النساء)، وأعلم أنه حديث صحيح، لكني وجدت حديثا آخر معناه: أن النساء هم أقل ساكني الجنة، ووجدت حديثا آخر أيضا يقول: (إن من سيدخل الجنة من النساء مثل هذا الغراب الأعصم) أي امرأة واحدة في كل جمع، لهذه الدرجة النساء قليلات في الجنة !، ولكن في حديث آخر قيل: (سيدخل الجنة من المتبرجات مثل هذا الغراب الأعصم)، في الأول قيل النساء، والثاني قيل المتبرجات. سؤالي هو: أي هذه الصيغ هي الصحيحة؟ وهل يدخل في معني تلك الأحاديث النساء الكافرات الغير مسلمات، أم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا خطابا للمؤمنات فقط؟
لماذا أكثر أهل النار هم النساء؟
السؤال: 390367
ملخص الجواب
النصوص المخبرة بكثرة النساء في النار؛ ليس القصد منها التقنيط من رحمة الله تعالى، وإنما سيقت للتحذير، ورفع همم النساء إلى عتق أنفسهن من النار، بالإكثار من الأعمال الصالحة؛ ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة النساء في النار، أرشدهن إلى الصدقة. وينظر للأهمية الجواب المطول ففيه زيادة توضيح وبيان حول المسألة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
روى الإمام أحمد في "المسند" (29/305)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيُّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَقَالَ:
" بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الشِّعْبِ إِذْ قَالَ: انْظُرُوا، هَلْ تَرَوْنَ شَيْئًا؟، فَقُلْنَا: نَرَى غِرْبَانًا فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ، إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فِي الْغِرْبَانِ.
صحح إسناده العراقي في "تخريج الإحياء" (1 /395).
وقال محققو المسند: " إسناده صحيح. عبد الصمد: هو ابن عبد الوارث، وحماد: هو ابن سلمة، وأبو جعفر الخطمي: هو عمير بن يزيد بن عمير الأنصاري ".
وصحح إسناده الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (4/466).
وأما تقييد النساء بالمتبرجات، فرواه البيهقي في "السنن الكبرى" (14/11)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حدثنا أَبُو الْأَزْهَرِ، حدثنا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُذَيْنَةَ الصَّدَفِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ، إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِلَّاتُ؛ وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ، إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ .
وهذا لا يعارض به الحديث السابق؛ لأن في إسناده عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو متكلم في ضبطه، فقد ضعفه جمع من العلماء. ولخص حاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، بقوله:
"عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلِم الجهني، أبو صالح المصري، كاتب الليث: صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة" انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 308).
وأبو أذينة مختلف في صحبته.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قال البغويّ: من أهل مصر، روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حديثا، ولا أدري له صحبة أم لا. وقال ابن السكن: أبو أذينة الصدفي له صحبة، وحديثه في أهل مصر" انتهى من "الإصابة" (12/14).
ورواه قوام السنة في "الترغيب والترهيب" (2/251)، قال:
" أخبرنا إسماعيل بن علي الخطيب بالري، أنبأنا أبو بكر: أحمد بن محمد بن إبراهيم الصيدلاني، أنبأنا أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال: حدثني موسى بن علي، عن أبيه، عن أبي أذينة الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( خير نسائكم الولود الودود المواتية المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المختالات، إنهن المنافقات؛ لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم ).
(المواتية) : الموافقة لزوجها، (المواسية) : المعاونة، و (المتبرجة) : أي تظهر الزينة لغير زوجها، و (المختالات) : المتكبرات المتبخترات، و (الغراب الأعصم) : هو الأبيض الجناحين، وقيل: هو الأبيض الرجلين " انتهى.
لكن هذا الإسناد فيه مجاهيل، وعثمان بن سعيد الدارمي لم يدرك موسى بن علي، فموسى توفي سنة 163 هـ، والدارمي ولد قبل المائتين بيسير.
ولمزيد الفائدة حول هذا الحديث تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (223833).
ورغم ما في الحديث من وهن إلا أن التبرج قد ثبت أنه سبب من أسباب الوعيد بالنار كما روى الإمام مسلم (2128) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا.
ويتأيد عموم الحديث الأول، بحديث عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ رواه البخاري (3241).
وقد عُلل كثرة النساء في النار بسبب غير التبرج، وهو كفران العشير، كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ.
فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ، أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ، مِنْ إِحْدَاكُنَّ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ رواه البخاري (1462)، ومسلم (80).
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُرِيتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ.
قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟
قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ رواه البخاري (29)، ومسلم (884).
وهذه الأحاديث تشير إلى أنها تتناول نساء المسلمين، لأنها علقت دخول النار على أسباب غير الكفر.
وهذا بدوره يشير إلى أن المقصود قلة النساء في الجنة ابتداء، قبل خروج عصاة المؤمنين من النار ودخولهم الجنة.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" فأما عصاة الموحدين، فأكثر من يدخل النار منهم النساء، كما في الصحيحين، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال في خطبة الكسوف … " انتهى من "مجموع رسائل ابن رجب" (4 / 372).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى:
" يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار، وأما بعد خروجهن بالشفاعة، وبرحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال: لا إله إلا الله، فالنساء في الجنة أكثر، والله أعلم، وحينئذ يكون لكل واحد منهم زوجتان من نساء الدنيا، وأما الحور العين فقد يكون لكل واحد منهم الكثير منهن " انتهى من "التذكرة" (2/983).
ثانيا:
هذه النصوص المخبرة بكثرة النساء في النار؛ ليس القصد منها التقنيط من رحمة الله تعالى، وإنما سيقت للتحذير، ورفع همم النساء إلى عتق أنفسهن من النار، بالإكثار من الأعمال الصالحة؛ ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة النساء في النار، أرشدهن إلى الصدقة.
فعلى المرأة المؤمنة أن تجمع في قلبها بين الخوف الذين يدفعها إلى النشاط في الأعمال الصالحة وترك المحرمات ، وبين الرجاء الذي ينفي عنها اليأس من رحمة الله تعالى، فالله تعالى وعد المرأة الصالحة بالأجر كما وعد الرجل الصالح؛ حيث قال الله تعالى:
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ غافر/40.
وتحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (21457)، ورقم: (197566).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة