كيف سمع عبدالله بن العباس رضي الله عنه ما جرى بين الرسول عليه أفضل الصلاه والسلام وجبريل عليه السلام؟ هل كان يرى الملائكة، أم إن النبي أخبره بذلك؟ في هذا الحديث: عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نَقِيضَا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: (هذا باب من السماء فُتِحَ اليوم، ولم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه مَلَكٌ، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم).
استفسار حول رواية ابن عباس لما جرى بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبين جبريل عليه السلام.
السؤال: 391114
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
جبريل عليه السلام كان يتمثل عادة للنبي صلى الله عليه وسلم على هيئة رجل.
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ) رواه البخاري (2)، ومسلم(2333).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ" رواه الإمام أحمد في"المسند"(10/102)، وصححه محققو المسند.
لكن إن أتاه وهو في محضر من الصحابة، فعادة لا يعلمون به.
كما في حديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: " أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: (مَنْ هَذَا؟)
قَالَتْ: (هَذَا دِحْيَةُ)، قال فقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللَّهِ! مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ عن جِبْرِيلَ" رواه البخاري(3634)، ومسلم(2451).
فأم سلمة رضي الله عنها رغم حضورها المجلس إلا أنها لم تعلم بخبره إلا من النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحابة رضوان الله عليهم عندما يخبرون أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم قولا؛ فالأصل أنهم أخذوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الوحي كان يأتي إليه صلى الله عليه وسلم وليس إليهم رضوان الله عليهم.
ثانيا:
حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ) رواه مسلم (806).
إما أن ابن عباس قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من الصحابة الذين سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الجالس كان جبريل عليه السلام؛ لكن لم يذكر تفاصيل ذلك اختصارا للحديث، أو حدث الاختصار من الرواة.
وإذا قدر أن ابن عباس كان شاهدا للمجلس، فلا بعد أن يكون قد عرف ذلك من خبر النبي صلى الله عليه وسلم، كما أخبرهم في حديث جبريل المشهور : ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم )، أو من خبره الذي أخبره النبي صلى الله عليه وسلم، فإن البشر لا يخبرون النبي صلى الله عليه وسلم عن أخبار السماء.
ومن الأمثلة التي توضح هذا؛ حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:" كَانَ يُعْرَضُ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، عُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ" رواه الإمام أحمد في "المسند" (5/395)، وقال محققو المسند: " إسناده صحيح على شرط الشيخين ".
فإذا بحثنا سنجد تنصيصا على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حصل منه اخبار بهذا، كما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا… حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهَا.
فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ: إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي) رواه البخاري (3624)، ومسلم (2450).
وعلى كل حال؛ فالأمر في ذلك سهل، ولا إشكال فيه ليوقف عنده أصلا، ولا يترتب عليه شيء من فائدة، في علم، أو عمل!!
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب