في قوله تعالى(وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك) سورة الأحزاب/50، لماذا لم يقل أعمامك، وأخوالك؟
ما الحكمة من إفراد العم وجمع العمات في قوله تعالى: (وبنات عمِّك وبنات عمَّاتك)؟
السؤال: 394820
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
اختلف العلماء في سبب ذكر العم والخال بلفظ المفرد، وذكر العمات والخالات بلفظ الجمع، ولهم في ذلك أقوال:
1- أن ذلك جرى على العرف اللغوي، وأن العم والخال في الإطلاق اسم جنس؛ كالشاعر.
يقول الإمام “ابن العربي”: “قوله: وبنات عمك [الأحزاب: 50] فذكره مفردًا، وقال: وبنات عماتك [الأحزاب: 50] فذكرهن جميعًا.
وكذلك قال: وبنات خالك فردًا، وبنات خالاتك جمعًا.
والحكمة في ذلك: أن العم والخال في الإطلاق اسم جنس، كالشاعر والراجز، وليس كذلك في العمة والخالة، وهذا عرف لغوي؛ فجاء الكلام عليه، بغاية البيان، لرفع الإشكال؛ وهذا دقيق، فتأملوه”، انتهى من “أحكام القرآن” لابن العربي(3/ 593).
ونقله “القرطبي” في “الجامع لأحكام القرآن” (14/ 208)، وأقره، و”أبو حيان” في “تفسيره”، وأقره كذلك.
وقال “ابن عاشور”: «وإنما أفرد لفظ (عم) وجمع لفظ (عمات): لأن العم في استعمال كلام العرب يطلق على أخي الأب، ويطلق على أخي الجد، وأخي جد الأب، وهكذا؛ فهم يقولون: هؤلاء بنو عم، أو بنات عم، إذا كانوا لعم واحد، أو لعدة أعمام، ويفهم المراد من القرائن.
قال الراجز، أنشده الأخفش:
ما برِئَت من ريبة وذمّ … في حربنا إلا بناتُ العمّ
وقال رؤبة بن العجاج:
قالت بنات العم: يا سلمى؛ وإنْ … كان فقيرا مُعْدِما؟ قالت: وإنْ
فأما لفظ (العمة): فإنه لا يراد به الجنس في كلامهم، فإذا قالوا: هؤلاء بنو عمة، أرادوا أنهم بنو عمة معينة، فجيء في الآية: (عماتك) جمعًا؛ لئلا يُفهم منه بنات عمة معينة.
وكذلك القول في إفراد لفظ (الخال)، من قوله: (بنات خالك)، وجمع الخالة في قوله: (وبنات خالاتك)”، انتهى من “التحرير والتنوير” (22/ 66).
2- أنَّ ذلك من التفنن في التعبير، وهو جارٍ على طرق العرب في رقة التعبير.
قال “القاسمي”: “ولهم في إفراد العم والخال وجمع العمة والخالة، عدة أوجه، فيها اللطيف والضعيف.
وعندي: أن الإفراد والجمع تابع لمقتضى السبك والنظم، ورقة التعبير، ورشاقة التأدية، كما يَدريه من يذوق طعم بلاغة القول، ويشرب من عين فصاحته.
فالإفراد فيهما هنا أرق وأعذب من الجمع.
كما أن في آية بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ [النور: 61]، أمتن وأبلغ من الإفراد.
ولكل مقام مقال، ولكل مجال حال”، انتهى من “تفسير القاسمي – محاسن التأويل” (8/ 94 – 95).
3-للإمام “تقي الدين السبكي” رحمه الله رسالة لطيفة حول هذه المسألة، وهي مطبوعة في فتاويه (1/ 87)، وهي بعنوان: “بذل الهمة في افراد العم وجمع العمة”، وذكر للإفراد والجمع وجها لطيفا، وهو: أنه نظر في أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، وتبين له أن “المقصود من بنات العم أم حبيبة بنت العباس خاصة”.
قال: “فانظر ما أعظم هذه الإشارات التي في القرآن، والأدب مع شيخ قريش العباس بن عبد المطلب؛ فأفرد اسم العم تنويهًا به”، و”أن لعماته بنات يمكن توجه الإحلال إليهن؛ ولم يوجد فيهن المعنى المقتضي للإفراد، فلذلك جمعهن؛ بخلاف الأعمام”، انتهى من “فتاوى السبكي” (1/ 90).
ثانيًا:
كان للنبي صلوات الله وسلامه عليه أعمام وعمات، ولم يكن لأمه صلوات الله وسلامه عليه إخوة ولا أخوات.
قال “ابن جزي” في تفسير الآية: “يعني قرابته من جهة أبيه، ومن جهة أمه، وكان له عليه الصلاة والسلام أعمام وعمات إخوة لأبيه، ولم يكن لأمه عليه الصلاة والسلام أخ ولا أخت، وإنما يعني بخاله وخالاته: عشيرةَ أمه، وهم بنو زهرة، ولذلك كانوا يقولون نحن أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم”، انتهى من “تفسير ابن جزي” (2/ 155).
وبعض العلماء يذكر خالًا، وبعضهم يذكر خالات للنبي صلوات الله وسلامه عليه، وقد فصلنا ذلك في الجواب رقم: (227797).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة