من هو الداعي في قوله تعالى: (يَومَئِذٍ يَتَّبِعونَ الدّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ) طه/١٠٨؟
تفسير قوله تعالى: (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له)
السؤال: 395842
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا :
قال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا طه/105-107.
يقول الشيخ السعدي: "يخبر تعالى عن أهوال القيامة، وما فيها من الزلازل والقلاقل، فقال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ) أي: ماذا يصنع بها يوم القيامة، وهل تبقى بحالها أم لا؟
(فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا) أي: يزيلها ويقلعها من أماكنها فتكون كالعهن وكالرمل، ثم يدكها فيجعلها هباء منبثا، فتضمحل وتتلاشى، ويسويها بالأرض، ويجعل الأرض قاعا صفصفا، مستويا لا يرى فيه أيها الناظر عِوَجًا، هذا من تمام استوائها. (وَلا أَمْتًا) أي: أودية وأماكن منخفضة، أو مرتفعة فتبرز الأرض، وتتسع للخلائق، ويمدها الله مد الأديم، فيكونون في موقف واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، ولهذا قال:
(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) وذلك حين يبعثون من قبورهم ويقومون منها، يدعوهم الداعي إلى الحضور والاجتماع للموقف، فيتبعونه مهطعين إليه، لا يلتفتون عنه، ولا يعرجون يمنة ولا يسرة.
وقوله: (لا عِوَجَ لَهُ) أي: لا عوج لدعوة الداعي، بل تكون دعوته حقا وصدقا، لجميع الخلق، يسمعهم جميعهم، ويصيح بهم أجمعين، فيحضرون لموقف القيامة، خاشعة أصواتهم للرحمن، (فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا) أي: إلا وطء الأقدام، أو المخافتة سرا بتحريك الشفتين فقط، يملكهم الخشوع والسكون والإنصات، انتظارا لحكم الرحمن فيهم، وتعنو وجوههم، أي: تذل وتخضع، فترى في ذلك الموقف العظيم، الأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، والأحرار والأرقاء، والملوك والسوقة، ساكتين منصتين، خاشعة أبصارهم، خاضعة رقابهم، جاثين على ركبهم، عانية وجوههم، لا يدرون ماذا ينفصل كل منهم به، ولا ماذا يفعل به، قد اشتغل كل بنفسه وشأنه، عن أبيه وأخيه، وصديقه وحبيبه (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)؛ فحينئذ يحكم فيهم الحاكم العدل الديان، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بالحرمان.
والأمل بالرب الكريم، الرحمن الرحيم، أن يرى الخلائق منه، من الفضل والإحسان، والعفو والصفح والغفران، ما لا تعبر عنه الألسنة، ولا تتصوره الأفكار، ويتطلع لرحمته إذ ذاك جميع الخلق لما يشاهدونه، فيختص المؤمنون به وبرسله بالرحمة.
فإن قيل: من أين لكم هذا الأمل؟ وإن شئت قلت: من أين لكم هذا العلم بما ذكر؟
قلنا: لما نعلمه من غلبة رحمته لغضبه، ومن سعة جوده، الذي عم جميع البرايا، ومما نشاهده في أنفسنا وفي غيرنا، من النعم المتواترة في هذه الدار، وخصوصا في فصل القيامة".
انتهى من "تفسير السعدي" (ص513)
ثانيا:
قوله تعالى : يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا طه/108.
أخبر الله تعالى عن يوم القيامة في كتابه العزيز في سورة كثيرة، ومنها سورة طه ، وبين فيها : أن الناس يومئذ يتبعون صوت الداعي الذي يدعوهم إلى موقف القيامة، (لَا عِوَجَ لَهُ) أي: لا عوج لهم عنه، ولكنَّهم يأتمون به، ويأتونه.
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: يومئذ يتبع الناس صوت داعي الله الذي يدعوهم إلى موقف القيامة، فيحشرهم إليه (لا عوج له) طه/108، يقول: لا عوج لهم عنه، ولا انحراف، ولكنهم سراعًا إليه ينحشرون.
وقيل: لا عوج له، والمعنى: لا عوج لهم عنه، لأن معنى الكلام: ما ذكرنا؛ من أنه لا يعوجون له، ولا عنه. ولكنهم يؤمونه، ويأتونه، كما يقال في الكلام: دعاني فلان دعوة لا عوج لي عنها: أي لا أعوج عنها.
وقوله (وخشعت الأصوات للرحمن) طه/108، يقول تعالى ذكره: وسكنت أصوات الخلائق للرحمن فوصف الأصوات بالخشوع.
والمعنى لأهلها: أنهم خضع جميعهم لربهم، فلا تسمع لناطق منهم منطقا إلا من أذن له الرحمن" انتهى من "تفسير الطبري"(16/167).
وذكر بعض العلماء أن الداعي: "الذي يدعوهم إلى موقف القيامة وهو إسرافيل – عليه السلام -"، انظر: "الكشف والبيان عن تفسير القرآن"(18/60).
وذكره البلنسي في كتابه: "تفسير مبهمات القرآن" (2/210).
وذكر الطاهر ابن عاشور الخلاف فيه، فقال: "والداعي، قيل: هو الملك إسرافيل- عليه السلام- يدعو بنداء التسخير والتكوين، فتعود الأجساد والأرواح فيها، وتهطع إلى المكان المدعو إليه. وقيل: الداعي الرسول، أي يتبع كل قوم رسولهم" انتهى من "التحرير والتنوير"(16/309).
والقول بأنه إسرافيل عليه السلام، ورد عن يحيى بن سلام، ومقاتل بن سليمان.
انظر: "موسوعة التفسير المأثور"(14/412).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب