كنت أتلو القرآن ، فاستوقفتني آية: ( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا)، فما الفرق بين كلمة فأجآءها وكلمة جاءها؟ وما دلالة استخدام فأجآءها في المعنى؟
ما الفرق بين (أجاء) و(جاء)؟
السؤال: 400667
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قال تعالى عن حمل مريم لعيسى عليهما السلام: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا مريم/ 22-23.
أولًا:
في “الصحاح”: “وأجأْته إلى كذا؛ بمعنى: ألجأته، واضطررته إليه.
قال زهير بن أبي سُلْمى:
وجارٍ سار معتمدًا إليكم * أجاَءتْه المخافة والرجاء” انتهى من”الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية” (1/42).
ويقول الشيخ محمد جبل: “ولعله وَضَح أن أصل المجيء: انحدار. ومن هنا يتضح مأتى استعمال “أجاءه إلى كذا” ، بمعنى: ألجأه واضطره، كأنه أحْدره أو دفعه”، انتهى من”المعجم الاشتقاقي المؤصل” (1/264).
ثانيًا:
قال الواحدي: “قوله تعالى: فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ أي: الجأها واضطرها، يقال: جاء بها، وأجاءها بمعنىً.
هذا قول جميع أهل اللغة، وأنشدوا لزهير:
أَجَأَتْهُ المَخَافَةُ والرَّجَاء
قالوا: والعرب تقول في أمثالها: شر مَا أَجَاءكَ إلى مُخَّةِ عُرْقُوب، يريدون اضطرك وألجأك إليها.
قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي في تفسير (أجاءها): ألجأها”، انتهى من”التفسير البسيط” (14/219).
وذكر الطبري وغيره أن “أجاء” هو الفعل المتعدي من “جاء”، قال الطبري: “يقول تعالى ذكره: فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة، ثم قيل: لما أسقطت الباء منه أجاءها، كما يقال: أتيتك بزيد، فإذا حذفت الباء قيل آتيتك زيدا، كما قال جل ثناؤه: آتوني زبر الحديد والمعنى: ائتوني بزبر الحديد، ولكن الألف مدت لما حذفت الباء، وكما قالوا: خرجت به وأخرجته، وذهبت به وأذهبته وإنما هو (أفعلَ) من المجيء، كما يقال: جاء هو، وأجأته أنا: أي جئت به، ومثل من أمثال العرب: “شر ما أجاءني إلى مُخَّة عرقوب”، وأشاء ويقال: شر ما يجيئك ويشيئك إلى ذلك، ومنه قول زهير:
وجار سار معتمدا إليكم … أجاءته المخافة والرجاء
يعني: جاء به، وأجاءه إلينا، وأشاءك: من لغة تميم، وأجاءك من لغة أهل العالية، وإنما تأول من تأول ذلك بمعنى: ألجأها، لأن المخاض لما أجاءها إلى جذع النخلة، كان قد ألجأها إليه”، انتهى من”تفسير الطبري” (15/ 492 – 493).
وقال الطاهر: “وأجاءها معناه ألجأها، وأصله جاء، عُدّي بالهمزة، فقيل: أجاءه، أي جعله جائيا. ثم أطلق مجازا على إلجاء شيء شيئا إلى شيء، كأنه يجيء به إلى ذلك الشيء، ويضطره إلى المجيء إليه”، انتهى من”التحرير والتنوير” (16/ 85).
فالحاصل:
أن الفعل (جاء): فعل لازم، وأن (أجاء) متعد بالهمزة ، وأصله (جاء)؛ ففيه معنى: جاء، وزيادة، والمعنى: أن مريم عليها السلام لقيت شدة من المخاض، فاضطُّرت إلى جذع النخلة لتحتضنها، فقد كانت – على الصحيح – في حملها كسائر النساء.
قال ابن كثير في “تفسيره” (3/ 129): “فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر .. والفاء وإن كانت للتعقيب، لكن تعقيب كل شيء بحسبه”.
وقال ابن عطية في “تفسيره” (9/445): “وظاهر قوله: (فأجاءها المخاض) يقتضي أنها كانت على عُرف النساء، وتظاهرت الروايات على ذلك”.
وقال الشنقيطي في “أضواء البيان” (4/ 244): “وأظهر الأقوال أنه حمل كعادة حمل النساء، وإن كان منشؤه خارقا للعادة”.
وانظر: “التفسير البسيط” (14/218).
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب