ما حُكم دين المندائيين وأتباعه؟ وهل هم الصابئة الذين ورد ذكرهم في القرآن؟
الصابئة المندائية، هل هي الصائبة الوارد ذكرها في القرآن الكريم ؟
السؤال: 402027
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الصابئة الوارد ذكرهم في القرآن، ذكروا على حالين، حال التوحيد والإيمان والنجاة يوم القيامة.
قال الله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة/62.
وقال الله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ المائدة/69.
وذكروا في موضع آخر على وجه يشير إلى أن فيهم من هو معرّض للعذاب والخلود في النار كحال المشركين والمجوس.
قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ الحج/17.
وقد اختلف أهل العلم في وصف حالهم على أقوال كثيرة.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" فأما ( الصَّابِئُونَ )…
قال الزجاج: معنى الصابئين: الخارجون من دين إلى دين، يقال: صبأ فلان: إذا خرج من دينه…
وفي الصابئين سبعة أقوال:
أحدها: أنه صنف من النصارى ألين قولا منهم، وهم السائحون المحلقة أوساط رؤوسهم، روي عن ابن عباس. والثاني: أنهم قوم بين النصارى والمجوس، ليس لهم دين، قاله مجاهد.
والثالث: أنهم قوم بين اليهود والنصارى، قاله سعيد بن جبير.
والرابع: قوم كالمجوس، قاله الحسن والحكم.
والخامس: فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور، قاله أبو العالية.
والسادس: قوم يصلون إلى القبلة، ويعبدون الملائكة، ويقرءون الزبور، قاله قتادة.
والسابع: قوم يقولون: لا إله إلا الله، فقط، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي، قاله ابن زيد " انتهى من "زاد المسير" (1/ 91-92).
لكن الذي يفهم من مجموع الآيات؛ أن الصابئة ليسوا أمة واحدة، بل كان فيهم المؤمن والكافر.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" وقد اختلف الناس فيهم اختلافا كثيرا، وأشكل أمرهم على الأئمة لعدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم…
قلت: الصابئة أمة كبيرة، فيهم السعيد والشقي، وهي إحدى الأمم المنقسمة إلى مؤمن وكافر، فإن الأمم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم نوعان:
نوع كفار أشقياء كلهم، ليس فيهم سعيد كعبدة الأوثان والمجوس.
ونوع منقسمون إلى سعيد وشقي، وهم اليهود والنصارى والصابئة.
وقد ذكر الله سبحانه النوعين في كتابه فقال: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ).
وكذلك قال في المائدة.
وقال في سورة الحج: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد )، فلم يقل هاهنا: من آمن منهم بالله واليوم الآخر؛ لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا، فذكر ست أمم، منهم اثنتان شقيّتان، وأربع منهم منقسمة إلى شقي وسعيد، وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر، ذكرهم أربع أمم ليس إلا.
ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين، وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلها معهم، فعلم أن الصابئين فيهم المؤمن والكافر والشقي والسعيد.
وهذه أمة قديمة قبل اليهود والنصارى، وهم أنواع: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون…
وعقد أمرهم أنهم يأخذون بمحاسن ما عند أهل الشرائع بزعمهم، ولا يوالون أهل ملة ويعادون أخرى، ولا يتعصبون لملة على ملة، والملل عندهم نواميس لمصالح العالم، فلا معنى لمحاربة بعضها بعضا، بل يؤخذ بمحاسنها وما تكمل به النفوس وتتهذب به الأخلاق، ولذلك سموا صابئين، كأنهم صبؤوا عن التعبد بكل ملة من الملل والانتساب إليها؛ ولهذا قال غير واحد من السلف: ليسوا يهودا ولا نصارى ولا مجوسا.
وهم نوعان: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون؛ فالحنفاء هم الناجون منهم… " انتهى من "أحكام أهل الذمة" (1/ 231 – 242).
والمؤمنون منهم الناجون يوم القيامة كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن المؤمنين من النصارى كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فأما بعد بعثته، فهم مأمورون أجمعهم باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أبى فهو موعود بالنار، وهذا من الأمور المعلومة من دين الإسلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فإن الصابئة في الأصل كانوا على هدى كما كانت اليهود والنصارى، ولهذا ذكر الله أن في هذه الطوائف سُعداء في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )، فدلَّ هذا على أن هذه الملل الأربعة كان فيها من يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحا، وأنهم سعداء في الآخرة، ثم لمّا بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان من كفر به منهم ومن غيرهم شقيّا معذّبا " انتهى من "الرد على الشاذلي في حزبيه" (ص 136 – 137).
ثانيا:
الصابئة إذا أطلقت في هذا العصر، فإنه يراد بها المندائية، فهي الطائفة الوحيدة اليوم التي تنسب إلى هذه الديانة.
وهذه الطائفة المعاصرة لا تتناولها قطعا آية البقرة ولا آية المائدة؛ لأنهم لم يؤمنوا بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يوحدون الله تعالى، ولا يعبدونه على الوجه الذي جاء به الإسلام، فحالهم كحال اليهود والنصارى الذي أدركوا الإسلام ولم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم.
ولكن تتناولهم آية الحج كسائر أصحاب الأديان الكفرية الذين سيقضى الله فيهم يوم القيامة، وأن أعلى حالهم أن فيهم شبها بأهل الكتاب من يهود ونصارى.
جاء في "الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب" (2/724):
" الصابئة المندائية: هي طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم، والتي تعتبر يحيى عليه السلام نبيّا لها، يقدّس أصحابها الكواكب والنجوم، ويعظمونها، ويعتبر الاتجاه نحو نجم القطب الشمالي، وكذلك التعميد في المياه الجارية، من أهم معالم هذه الديانة التي يجيز أغلب فقهاء المسلمين أخذ الجزية من معتنقيها، أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى " انتهى.
وينظر جواب السؤال (49048)، (104342) ، (171935) .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة