يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، مما علمته مؤخراً أن خبر الفاسق لا نصدقه حتى نتثبت من صحته، وعلمت أن الفاسق هو مرتكب الكبيرة، وللأسف فإن كثيرا ممن حولي سواء من الأصدقاء أو الأقارب تجدهم يقعون أحياناً في بعض الكبائر، كالغيبة، وربما ترك بعض الصلوات، أو يجاهرون ببعض الذنوب، كمشاهدة المحرمات، أو التدخين وغير ذلك، أنا أذكر لكم ذلك حتى أوضح أن الكثير ممن حولي قد يصح أن يطلق عليه فاسق، وأنا الصراحة أصبحت لا استطيع التعامل معهم كما في السابق، ومع ما يخبروني به فلا أستطيع تحديد ماهو المقصود بنوع الأخبار التي علي أن اتثبت منها قبل أن أصدقها منهم، هل المقصود هو كل ما قد يقوله الفاسق فيجب على المسلم أن يتثبت منه؟ أم المقصود هو الأخبار التي يترتب عليها أمور عظيمة؛ كالشهادة في المحاكم، أو الأمور المتعلقة بالحقوق، وماشابه ذلك؟
أرجو التوضيح، مع ذكر أمثله إن أمكن بالمقصود بتلك الأخبار التي يجب التثبت منها؛ لأنني والله أكون في حرج في كثير من المواقف مع أهلي وأصدقائي.
ما هي أخبار الفاسق التي يجب التثبت فيها؟
السؤال: 404842
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات/6.
هذه الآية بين أهل العلم أنها تتناول خبر الفاسق الذي تتعلق به مصالح الغير وحقوقهم، حتى لا يلحق بالناس ظلم كما تشير خاتمة الآية: ( أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
“وقوله: ( أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ) فجعل المحذور هو الإصابة لقوم بلا علم” انتهى من “مجموع الفتاوى” (15/307).
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى:
“وأما قوله: ( فَتَبَيَّنُوا ) فإن التبين هو العلم، فاقتضى أن لا يقدم بخبره إلا بعد العلم، فاقتضى ذلك النهي عن قبول شهادة الفاسق مطلقا، إذ كان كل شهادة خبرا، وكذلك سائر أخباره، فلذلك قلنا : شهادة الفاسق غير مقبولة في شيء من الحقوق ، وكذلك إخباره في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما كان من أمر الدين يتعلق به، من إثبات شرع أو حكم أو إثبات حق على إنسان.
واتفق أهل العلم على جواز قبول خبر الفاسق في أشياء فمنها:
أمور المعاملات يقبل فيها خبر الفاسق وذلك نحو الهدية إذا قال: إن فلانا أهدى إليك هذا يجوز له قبوله وقبضه.
ونحو قوله : وكلني فلان ببيع عبده هذا فيجوز شراؤه منه.
ونحو الإذن في الدخول إذا قال له قائل : ادخل، لا تعتبر فيه العدالة.
وكذلك جميع أخبار المعاملات ويقبل في جميع ذلك خبر الصبي والعبد والذمي…
يقبل فيها خبر الفاسق وهو مستثنى من جملة قوله تعالى: ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) لدلائل قد قامت عليه، فثبت أن مراد الآية في الشهادات وإلزام الحقوق أو إثبات أحكام الدين” انتهى من “أحكام القرآن” (5/ 278–279).
فيقبل خبر الفاسق عن نفسه وفيما لا تتعلق به حقوق الغير.
قال ابن العربي رحمه الله تعالى:
” من ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا؛ لأن الخبر أمانة، والفسق قرينة تبطلها، فأما في الإنسان على نفسه فلا يبطل إجماعا…
لا خلاف في أنه يصح أن يكون رسولا عن غيره في قول يبلغه، أو شيء يوصله ، أو إذن يعلمه، إذا لم يخرج عن حق المرسل والمبلغ. فإن تعلق به حق لغيرهما: لم يقبل قوله.
فهذا جائز للضرورة الداعية إليه” انتهى من “أحكام القرآن” (4/ 1715-1716).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى:
” في هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلا، لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق.
ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا، لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها.
وقد استثنى الإجماع من جملة ذلك ما يتعلق بالدعوى، والجحود، وإثبات حق مقصود على الغير، مثل أن يقول: هذا عبدي، فإنه يقبل قوله. وإذا قال: قد أنفذ فلان هذا لك هدية، فإنه يقبل ذلك. وكذلك يقبل في مثله خبر الكافر.
وكذلك إذا أقر لغيره بحق على نفسه فلا يبطل إجماعا ” انتهى من “تفسير القرطبي” (19/ 369).
فالحاصل؛ أن التثبت في خبر الفاسق مطلوب بحسب أثره على مصالح الغير الدينية والدنيوية، وقد تقوم القرينة على صدق الفاسق ، فيقبل خبره حينئذ.
وقال ابن القيم رحمه الله:
“والله سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق، بل بالتثبُّت والتبيُّن، فإن ظهرت الأدلة على صدقه قبل خبره، وإن ظهرت الأدلة على كذبه رد خبره، وإن لم يتبين واحد من الأمرين وقف خبره” انتهى من “أعلام الموقعين” (1/104).
وقال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 799):
“الواجب عند خبر الفاسق، التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه، عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه، كذب، ولم يعمل به، ففيه دليل، على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب، مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا” انتهى .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب