سمعت حديثا يقول: (إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم، فأحدثهم عهداً بالرؤية كل جمعة، وتراه المؤمنات يومي الفطر والنحر)، فهل حقاً لا يمكن لامرأة أن ترى الله تعالى في غير هذين اليومين، ولا يمكنها أن ترى الله بقدر الرجال الذين في مراتب عالية؟ كنت أعتقد أن أفضل نعيم ـ رؤية الله تعالى ـ يتفاوت فيه أهل الجنة حسب منزلتهم، لكن الحقيقة يتفاوتون فيه حسب جنسهم، أريد أن أعرف لِمَ التفضيل؟ فأدنى أنثى منزلة ترى الله تعالى يومي الفطر والنحر فقط، أما أدنى رجل يرى الله تعالى أكثر من جميع نساء الجنة!
هل يفضل الرجال على النساء في رؤية الله في الجنة؟
السؤال: 407497
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
حديث (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رَأَى الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَحْدَثَهُمْ عَهْدًا بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَيَرَاهُ الْمُؤْمِنَاتُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ).
رواه الدارقطني في كتاب "رؤية الله"(ص171) وهو حديث ضعيف، لا حجة فيه.
ثانيا:
أعظم نعيم أهل الجنة هو رؤية الله الكريم المنان، وهذا يحصل لجميع أهل الجنة، رجالا ونساء؛ لعموم الأدلة الواردة في ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الدليل على أنهن يرينه: أن النصوص المخبرة بالرؤية في الآخرة للمؤمنين تشمل النساء، لفظا ومعنى، ولم يعارض هذا العموم ما يقتضي إخراجهن من ذلك، فيجب القول بالدليل السالم عن المعارض المقاوم.
ولو قيل لنا: ما الدليل على أن الفرس يرون الله؟ أو أن الطوال من الرجال يرون الله، أو إيش الدليل على أن نساء الحبشة يخرجن من النار؟ لكان مثل هذا العموم في ذلك بالغا جدا، إلا إذا خصص.
ثم يعلم أن العموم المسند المجرد عن قبول التخصيص: يكاد يكون قاطعا في شموله …
أما " النصوص العامة " فمثل ما في الصحيحين عن أبي هريرة {أن الناس قالوا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله؛ قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا ، قال: فإنكم ترونه كذلك … هذان الحديثان من أصح الأحاديث فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإنكم ترونه كذلك؛ يحشر الناس فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه.
أليس قد علم بالضرورة أن هذا خطاب لأهل الموقف من الرجال والنساء؟ لأن لفظ الناس يعم الصنفين ولأن الحشر مشترك بين الصنفين.
وهذا العموم لا يجوز تخصيصه، وإن جاز؛ جاز على ضعف؛ لأن النساء أكثر من الرجال إذ قد صح أنهن أكثر أهل النار ، وقد صح لكل رجل من أهل الجنة زوجتان من الإنسيات سوى الحور العين ، وذلك لأن من في الجنة من النساء أكثر من الرجال، وكذلك في النار، فيكون الخلق منهم أكثر.
واللفظ العام لا يجوز أن يحمل على القليل من الصور، دون الكثير، بلا قرينة متصلة؛ لأن ذلك تلبيس وعي ينزه عنه كلام الشارع …
وفي حديث أبي رزين العقيلي المشهور من غير وجه قال: قلنا يا رسول الله: أكلنا يرى ربه يوم القيامة؟ قال: أكلكم يرى القمر مخليا به؟ قالوا: بلى فالله أعظم وقوله: كلكم يرى ربه كقوله: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في مال زوجها وهي مسئولة عن رعيتها من أشمل اللفظ. ومن هذا قوله: كلكم يرى ربه مخليا به، وما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه كما يخلو أحدكم بالقمر، وما منكم إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان إلى غير ذلك من الأحاديث الصحاح والحسان التي تصرح بأن جميع الناس ذكورهم وإناثهم مشتركون في هذه الأمور من " المحاسبة " و " الرؤية " و " الخلوة " و " الكلام ".
وكذلك الأحاديث في " رؤيته – سبحانه – في الجنة " مثل ما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله فما شيء أعطوه أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة.
قوله: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يعم الرجال والنساء؛ فإن لفظ الأهل يشمل الصنفين.
وأيضا فقد علم أن النساء من أهل الجنة. وقوله: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه: خطاب لجميع أهل الجنة الذين دخلوها، ووعدوا بالجزاء؛ وهذا قد دخل فيه جميع النساء المكلفات.
وكذلك قولهم: ألم يثقل ، ويبيض ، ويدخل ، وينجز : يعم الصنفين.
وقوله: فيكشف الحجاب فينظرون إليه : الضمير يعود إلى ما تقدم وهو يعم الصنفين.
ثم الاستدلال بالآية دليل آخر؛ لأن الله سبحانه قال: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ؛ ومعلوم أن النساء من الذين أحسنوا .
ثم قوله فيما بعد: أولئك أصحاب الجنة يقتضي حصر أصحاب الجنة في أولئك ، والنساء من أصحاب الجنة ؛ فيجب أن يكُنَّ من أولئك، وأولئك إشارة إلى الذين لهم الحسنى وزيادة؛ فوجب دخول النساء في الذين لهم الحسنى وزيادة ، واقتضى أن كل من كان من أصحاب الجنة فإنه موعود بالزيادة على الحسنى، التي هي النظر إلى الله سبحانه؛ ولا يستثنى من ذلك أحد إلا بدليل.
وهذه " الرؤية العامة " لم توقت بوقت، بل قد تكون عقب الدخول قبل استقرارهم في المنازل، والله أعلم أي وقت يكون ذلك.
وكذلك ما دل من الكتاب على " الرؤية " كقوله: وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة * ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة: هو تقسيم لجنس الإنسان المذكور في قوله: ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر * بل الإنسان على نفسه بصيرة؛ وظاهره: انقسام الوجوه إلى هذين النوعين، كما أن قوله: وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة أيضا [تقسيم] إلى هذين النوعين، فمن لم يكن من الوجوه الباسرة، كان من الوجوه الناضرة الناظرة؛ كيف وقد ثبت في الحديث أن النساء يزددن حسنا وجمالا، كما يزداد الرجال في مواقيت النظر؟
وكذلك قوله: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون: قد فسر بالرؤية. وقوله: إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون فإن هذا كله يعم الرجال والنساء …
وكذلك قوله: إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون إن " البر " سبب هذا الثواب و " البر " مشترك بين الصنفين.
وكذلك كل ما علقت به " الرؤية " من اسم الإيمان ونحوه : يقتضي أنه هو السبب في ذلك ؛ فيعم الطائفتين.
وبهذا " الوجه " احتج الأئمة أن الكفار لا يرون ربهم، فقالوا: لما حجب الكفار بالسخط، دل على أن المؤمنين يرونه بالرضى، ومعلوم أن المؤمنات فارقن الكفار فيما استحقوا به السخط والحجاب، وشاركوا المؤمنين فيما استحقوا به الرضوان والمعاينة.
فثبتت الرؤية في حقهم باعتبار الطرد واعتبار العكس.
وهذا باب واسع؛ إن لم نقطعه لم ينقطع" انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 437 – 440).
والحاصل: أن حصول الرؤية للنساء كالرجال، وأن الأمر لا يتعلق بالجنس: أمر تظاهرت عليه الأدلة الشرعية البيِّنة في ذلك المراد؛ من غير معارض لصالح لدلالة شيء منها!!
ثالثا:
أما رؤية الرجال لربهم تعالى يوم الجمعة، فقد روى مسلم (2833) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا).
وهذا ظاهر في أن هذه الرؤية الخاصة إنما تكون للرجال، أي مجيئهم إلى سوق الجمعة، لكن لا يمنع من حصول الرؤية للنساء وهن في منازلهن.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وما في هذا الحديث من ازدياد وجوههم حسنا وجمالا : لا يقتضي انحصار ذلك في الريح ؛ فإن أزواجهم قد ازدادوا حسنا وجمالا ، ولم يشركوهم في الريح؛ بل يجوز أن يكون حصل في الريح زيادة على ما حصل لهم قبل ذلك، ويجوز أن يكون هذا الحديث مختصرا من بقية الأحاديث بأن سبب الازدياد " رؤية الله تعالى"، مع ما اقترن بها.
وعلى هذا فيمكن أن يكون " نساؤهم المؤمنات " رأين الله في منازلهن في الجنة " رؤية " اقتضت زيادة الحسن والجمال – إذا كان السبب هو الرؤية كما جاء مفسرا في أحاديث أخر – كما أنهم في الدنيا: كان الرجال يروحون إلى المساجد فيتوجهون إلى الله هنالك، والنساء في بيوتهن يتوجهن إلى الله بصلاة الظهر؛ والرجال يزدادون نورا في الدنيا بهذه الصلاة، وكذلك النساء يزددن نورا بصلاتهن، كل بحسبه؛ والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن، بل كل عبد يراه مخليا به في وقت واحد" انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 408).
فطيبي نفسا أيتها السائلة، وقري عينا، واجتهدي في الطاعات لتكوني في أعلى الدرجات، فإن الدرجات على الأعمال، لا على الجنس، وتارك الصلاة أو من لا يصلي إلا الجمع مختلف فيه، وهو كافر عند كثير من أهل العلم، فلا يدخل الجنة – على ذلك القول – أصلا.
واعلمي أن المؤمنة في الجنة راضية هانئة، منعمة، لا تشعر ببخس ولا ظلم ولا حزن، فليس في الجنة حزن، بل سرور وحبور، كما قال الله على لسان أهل الجنة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) فاطر/34، 35
وينبغي للإنسان أن يستفسر عن أمر دينه، وأن يتأمل ما يقال له، وأن يناقش إن احتاج الأمر إلى نقاش، لكن دون استعمال العبارات التي فيها اتهام للدين والشريعة، فإن الكلمة قد تهوي بالإنسان في النار، كما روى البخاري (6478)، ومسلم (2988) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ).
وروى البخاري (6477)، ومسلم (2988) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ).
نسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يلهمك رشدك، ويرزقنا وإياك الجنة، ويعيذنا من النار.
وينظر جواب السؤال (144199 )
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة