هل عائشة رضي الله عنها لم تكن تعلم أن مريم والدة عيسى عليه السلام ليست أخت هارون عليه السلام بما يتضح عن هذا الأثر: قال الطبري: حدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية عن سعيد بن أبي صدقة عن محمد بن سيرين قال: ” نبئت أن كعبا قال: إن قوله (يَاأُخْتَ هَارُونَ) ليس بهارون أخي موسى، قال: فقالت له عائشة: كذبت قال: يا أمّ المؤمنين إن كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم وأخبر، وإلا فإني أجد بينهما ستّ مئة سنة قال: فسكتت، أو أن هذا الأثر ليس صحيح؟
هل كانت عائشة تعتقد أن مريم عليها السلام أخت لهارون النبي عليه السلام؟
السؤال: 414399
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الخبر رواه الطبري في “التفسير” (15/523)، قال: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي صَدَقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ كَعْبًا، قَالَ: ” إِنَّ قَوْلَهُ: ( يَا أُخْتَ هَارُونَ) لَيْسَ بِهَارُونَ أَخِي مُوسَى، قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: كَذَبْتَ، قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فَهُوَ أَعْلَمُ وَأَخْبَرُ، وَإِلَّا فَإِنِّي أَجِدُ بَيْنَهُمَا سِتَّ مِائَةِ سَنَةٍ، قَالَ: فَسَكَتَتْ”.
ويعقوب شيخ الطبري هنا هو: يعقوب بن إبراهيم كما صرّح بذلك الطبري في “تاريخه” (2/ 236).
فهو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، فرجال الإسناد المذكورون ثقات، سوى المبهم الذي روى عنه ابن سيرين ولم يسمّه، حيث قال: (نُبِّئْتُ أَنَّ كَعْبًا).
والمشترط لصحة الحديث أن يكون متصلا بالعدول الضابطين.
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى: ” فالصحيح المجمع عليه: ما اتصل إسناده بالعدول الضابطين، من غير شذوذ ولا علة ” انتهى من “المقنع” (1/42).
والمبهم غير معروف العدالة والضبط فلا يقبل حديثه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” ولا يقبل حديث المبهم ما لم يسمّ؛ لأن شرط قبول الخبر عدالة رواته، ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه، فكيف عدالته؟! ” انتهى من “نزهة النظر” (ص97).
لكن قد يمشّى هذا الخبر بناء على أن ابن سيرين كان ينتقي شيوخه، ولا يأخذ عن كل راو.
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
” وكان ابن سيرين والنخعي وغير واحد من التابعين يذهب هذا المذهب؛ في أن لا يقبل إلا عمن عرف، وما لقيت ولا علمت أحدا من أهل العلم بالحديث يخالف هذا المذهب ” انتهى من “الأم” (7/256).
فعلى القول بقبول هذا الخبر، فهو لا ينص على أن أم المؤمنين كانت ترى أن مريم عليها السلام كانت أختا لهارون النبي عليه السلام أخوة حقيقية.
وإنما يحتمل أنها كانت تراعي الخطاب القرآني فتثبت الأخوة لهارون عليه السلام أخوة النسل، أي أن نسبها ينتهي إلى نفس الفرع الذي كان منه هارون عليه السلام، على عادة العرب في نسبة الشخص إلى قبيلته بلفظ الأخوة، حيث يقولون في التعريف بالرجل: أخو بني فلان.
قال ابن عطية رحمه الله تعالى:
” وقال السدي وغيره: بل نسبوها إلى هارون أخي موسى؛ لأنها كانت من نسله، وهذا كما تقول لرجل من قبيلة يا أخا فلانة… وقال كعب الأحبار بحضرة عائشة أم المؤمنين: إن مريم ليست بأخت لهارون أخي موسى، فقالت عائشة: كذبت … ) ” انتهى من “المحرر الوجيز” (4/13).
ولعل هذا هو سبب سكوتها؛ لمّا رأت أنه لا يوجد بينها وبين كعب خلاف معتبر، فالذي ينفيه كعب غير الذي تثبته رضي الله عنها.
قال الدكتور عبد السلام بن صالح الجار الله:
” ولا يُظن بعائشة رضي الله عنها أنها تجهل عدم إمكانية أن يكون هارون المذكور أخا موسى حقيقة، وإنما أرادت أنها كانت من نسله، كما يقال: يا أخا تميم؛ أي: من نسله، وقد أورد ابن عطية قول عائشة تحت هذا القول، وكان كعب ينكر أن يكون هارون أخو موسى مطلقا، ويستدل بالتاريخ، ويرى أن هارون المذكور في الآية رجل صالح من بني إسرائيل ينسب إليه من يعرف بالصلاح ” انتهى من “نقد الصحابة والتابعين للتفسير” (ص 406).
فالحاصل؛ أن هذا الخبر إسناده فيه مبهم، وعلى فرض ثبوته، فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لم تصرح بأن مريم أختا لهارون النبي أخوة حقيقية.
ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (213161).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة