الحديث الأول يتكلم عن رجل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يكون معه في الجنة، فقال له الرسول ماذا فعلت من أجل ذلك؟ قال: لا كثير صلاة، ولا صوم إلا إنني أحب الله ورسوله، فقال الرسول (المرء مع من أحب)، الثاني أن أحد الصحابة سأل الرسول الكريم طلبا واحداً هو أن يحشر معه، فقال له الرسول أطلب غير ذلك، فقال: أريد هذا فقط، فقال له: أعني على نفسك بالعبادة، فكيف التوفيق بين الحديثين؟
سبب اختلاف الجواب بين حديثي: (المرء مع من أحب)، و (أعنِّي على نفسك بكثرة السُّجود )
السؤال: 424610
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أما الحديث الأول، فرواه البخاري (6169)، ومسلم (2640) عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.
ورواه البخاري (6171)، ومسلم (2639) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟
قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.
فهذا الحديث عن مطلق النجاة يوم القيامة من النار والفوز بالجنة، فالمعيّة هنا المعيّة في الجنة وليس في المنزلة، أي يكون معهم في الجنة وإن تباينت منازلهم ودرجاتهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله: ( إنك مع من أحببت ) أي ملحق بهم، حتى تكون من زمرتهم، وبهذا يندفع إيراد أن منازلهم متفاوتة، فكيف تصح المعية؟
فيقال: إن المعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما، ولا تلزم في جميع الأشياء، فإذا اتفق أن الجميع دخلوا الجنة: صدقت المعية، وإن تفاوتت الدرجات " انتهى من "فتح الباري" (10/ 555).
وأما ما رواه مسلم (489) عن رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيّ، قَالَ: " كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ!
فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟
قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ.
قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.
فظاهر هذا الحديث هو عن معيّة خاصة في الجنة، بالقرب النبي صلى الله عليه وسلم، ومرافقته فيها، كقربه منه في الدنيا عند خدمته.
قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى:
" ( فقلت: أسألك مرافقتك )، أي: كَوني رفيقا لك (في الجنة )، بأن أكون قريبا منك، متمتعا بنظرك " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (2/615).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى:
" قوله: ( أَو غَيرَ ذلك )… أي: أو: سل غير ذلك؛ كأنه حَضَّه على سؤال شيء آخر غير مرافقته؛ لأنه فهم منه أنه يطلب المساواة معه في درجته، وذلك ما لا ينبغي لغيره. فلما قال الرجل: هو ذاك؛ قال له: ( أعني على نفسك بكثرة السجود )؛ أي: الصلاة؛ ليزداد من القرب ورفعة الدرجات؛ حتى يقرب من منزلته، وإن لم يساوِه فيها.
ولا يعترض هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه حذيفة ليلة الأحزاب: ( ألا رجل يأتيني بخبر القوم؛ جعله الله معي يوم القيامة )؛ لأن هذا مثل قوله تعالى: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ … ) الآية؛ لأن هذه المعية: هي النجاة من النار، والفوز بالجنة، إلا أن أهل الجنة على مراتبهم ومنازلهم بحسب أعمالهم وأحوالهم. وقد دل على هذا نصا: قوله صلى الله عليه وسلم: ( المرء مع من أحب، وله ما اكتسب ) " انتهى من "المفهم" (2 / 93 – 94).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب