يوجد حديث في صحيح مسلم: أن الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله، والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض حسنات وثواب، ولكن يوجد أحاديث أخرى تقول: إن من قال سبحان الله، والحمد لله، ولا إله الا الله، و الله أكبر يأخد 20 حسنة إذا قال سبحان الله، و20 حسنة إذا قال الحمد لله، كيف هل 20 حسنة تملأ الميزان، ويوجد حديث آخر أن من قال سبحان الله 10، والحمد لله 10، والله اكبر 10، هذه 1500 في الميزان، كيف 1500، وفي صحيح مسلم يوجد تملأ الميزان؟
ما المقصود بحديث ( والحمد لله تملأ الميزان)؟
السؤال: 426688
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
روى الإمام مسلم (223) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ – أَوْ تَمْلَأُ – مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ).
وهذا الحديث يثبت أن: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ : تَمْلَأُ الْمِيزَانَ ).
بينما ورد في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خَلَّتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ، أَلَا وَهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا، وَيُكَبِّرُهُ عَشْرًا “، قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ، قَالَ: فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي المِيزَانِ، وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَةً، فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي المِيزَانِ، فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ؟ قَالُوا: فَكَيْفَ لَا نُحْصِيهَا؟ قَالَ: يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ، فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، حَتَّى يَنْفَتِلَ، فَلَعَلَّهُ أَلَّا يَفْعَلَ، وَيَأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ، فَلَا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ ).
والحديث: رواه الترمذي (3410)، والنسائي (1348)، وأبو داود (5065)، وابن ماجه (926)، وقال الترمذي: ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ “.
ولا شك أن الميزان يستوعب أكثر من الألف وخمسمائة حسنة، المذكورة في هذا الحديث.
والجمع بينهما:
إما بحمل ( الْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ ) على أن الحمد نفسه يوزن فيملأ الميزان، لأنه يحتوي إثبات جميع صفات الكمال لله تعالى.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
” وسبب ذلك: أن التحميد إثبات المحامد كلها لله، فدخل في ذلك إثبات صفات الكمال ونعوت الجلال كلها … ” انتهى من “جامع العلوم والحكم” (2 / 17 – 18).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” وقد وردت الأحاديث بوزن الأعمال أنفسها، كما في “صحيح مسلم”، من طريق أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها ).
فقوله: ( والحمد لله تملأ الميزان ): فيه دلالة على أن العمل نفسه يوزن، وذلك بأحد شيئين؛ إما أن العمل نفسه وإن كان عرضا قد قام بالفاعل، يحيله الله تعالى يوم القيامة، فيجعله ذاتا توضع في الميزان…
الأمر الثاني: أن العمل نفسه يوزن بوضع الصحيفة التي كتب فيها العمل، فيوزن العمل بالصحيفة، كما في حديث البطاقة. والله أعلم” انتهى من “البداية والنهاية” (19 / 502-504).
وعلى القول الأول: أن نفس العمل هو الذي يوزن، يكون حديث عبد الله بن عمرو: ( وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي المِيزَانِ )، إنما فيه بيان عدد حسنات هذه الكلمة في الميزان؛ وليس فيه بيان لذات الحمد، وكيف يكون ثقله في الميزان. وحديث أبي مالك: ( الحمد لله تملأ الميزان ) يكون المراد به أن نفس “الحمد” هو الذي يملأ الميزان.
وعلى القول الثاني الذي ذكره ابن كثير، يكون معنى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ )؛ أي: ثواب الحمد يملأ الميزان.
قال النووي رحمه الله تعالى:
” وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( والحمد لله تملأ الميزان ) فمعناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان، وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الموازين وخفتها ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (3 / 101).
فعلى هذا القول، يجمع بين الحديثين: بأن الحسنة بعشر أمثالها، ثم يضاعفها الله تعالى لمن شاء إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ) رواه البخاري (6491) ومسلم (131).
فيحمل: ( وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي المِيزَانِ )، على أن هذا أقل أجر لها، وهو الحاصل لكل ذاكر لله تعالى بها.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
” والظاهر أن كثرة المضاعفة تكون بحسب حسن الإسلام، ففي “صحيح مسلم”، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أحسن أحدكم إسلامه، فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف … )؛ فالمضاعفة للحسنة بعشر أمثالها لا بد منه، والزيادة على ذلك تكون بحسب إحسان الإسلام، وإخلاص النية، والحاجة إلى ذلك العمل وفضله، كالنفقة في الجهاد، وفي الحج، وفي الأقارب، وفي اليتامى والمساكين، وأوقات الحاجة إلى النفقة ” انتهى من “جامع العلوم والحكم” (1 / 295).
وأما مضاعفة أجرها، فيصل إلى حد يملأ الميزان، وهذا لمن حسن إسلامه واستقام حاله.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” وذكر ابن بطال عن بعض العلماء: أن الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه؛ إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام، وليس من أصر على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلاحق بالأفاضل المطهرين في ذلك.
ويشهد له قوله تعالى: ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) ” انتهى من “فتح الباري” (11 / 208).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب