هل كان اليهود يخوضون حروبا مع العرب و اليهود ويستنصرون بخروج النبي محمد صلى الله عليه و سلم حتى يهزموهم، و يردوا الثأر، وفي النهاية لم يأمنوا به؛ لأنهم ظنوا بأنه سيكون من بني إسرائيل؟
هل كان هذا السبب في إيمان أهل المدينة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لانهم كانوا يعرفون بخروج نبي في ذلك الزمن؟
هل كان اليهود يستنصرون بخروج نبي لقتال العرب، وهل كان هذا سببا لإيمان أهل المدينة؟
السؤال: 428459
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
نعم ثبت أن اليهود كان يبشرون بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم، ويستنصرون بمبعثه على أهل المدينة.
وقد ذكر الله تعالى ذلك في القرآن عنهم، وجعله من حجته عليهم في جحودهم، وعتوهم على رب العالمين، وكفرهم بنبيه صلى الله عليه وسلم، بعد علمهم به.
قال الله تعالى: ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) البقرة/89
قال العلامة جمال الدين القاسمي، رحمه الله: ” ( وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ ) : هو القرآن الكريم الذي مقصود هذه السورة وصفه بالهدى. وتنكيره: للتفخيم. ونعته بقوله: ( مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) : للتشريف. ( مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ) ؛ من التوراة …
قوله : ( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ ) – أي قبل مجيئه – ( يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) : جملة حالية مفيدة لكمال مكابرتهم وعنادهم.
والاستفتاح: الاستنصار؛ أي طلب النصر، أي يطلبون من الله النصر على المشركين، لِما أنهم كانوا مستذَلِّين في جزيرة العرب، ولذا كانوا يُحالفون بعض القبائل تعزّزا بهم، على ما تقدم.
( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا ) : صحته، وصدقه، كان من حقهم أن يسارعوا إلى الإيمان به، لظفرهم بأمنيتهم حينئذ، وهو انتصارهم على المشركين، وحصول العزة لهم مع المؤمنين؛ ولكن: ( كَفَرُوا بِهِ ) : أي امتنعوا من الإيمان به ؛ خوفا من زوال رئاستهم وأموالهم، وأصرّوا على الإنكار، مع علمهم بحقيقة نبوته.
ولذا قال عبد الله بن سلام في قصة إسلامه: يا معشر اليهود؛ اتقوا الله، فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق. رواه البخاريّ في الهجرة.
وروى أيضا أن عبد الله بن سلام لما بلغه مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم أتاه، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيّ. فلما أجابه عنها قال: أشهد أنك رسول الله … ) . انتهى، من “تفسير القاسمي” (1/349)، وينظر تفسير هذه الآيات الكريمات في تفسير الطبري وابن كثير، وغيرها من كتب التفاسير.
قال ابن هشام في “سيرته” (1/196): “قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل، عن سلمة بن سلامة بن وقش، وكان سلمة من أصحاب بدر، قال: كان لنا جار من يهود، في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل.. فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار.
قال: فقال ذلك لقوم أهل شرك، أصحاب أوثان، لا يرون أن بعثا كائنٌ بعد الموت.
فقالوا له: ويحك يا فلان؛ أو ترى هذا كائنا؛ أن الناس يبعثون بعد موتهم الى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟
قال: نعم والذي يُحلف به، ولود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه، ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه، بأن ينجو من تلك النار غدًا.
فقالوا له: ويحك يا فلان فما آية ذلك؟
قال: نبي مبعوث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده الى مكة واليمن.
فقالوا: ومتى تراه؟
قال: فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنًا، فقال: إن يستنفد هذا الغلامُ عمره، يدركه.
قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمد رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا، فآمنا به، وكفر به بغيًا وحسدًا.
قال: فقلنا له ويحك يا فلان؛ ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟
قال: بلى؛ ولكن ليس به”.
ثانيًا:
نعم، أيضا؛ كان هذا من التصرفات التي رسخت في نفوس أهل يثرب أن هذا الزمان زمان مبعث نبي.
وفي “السيرة النبوية لابن هشام” (1/195-196): “قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه، قالوا:
إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه؛ لما كنا نسمع من رجال يهود!!
كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون، قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم؛ فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم.
فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا الى الله تعالى، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به؛ وكفروا به!!
ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ البقرة/89.
قال ابن هشام: يستفتحون يستنصرون”. انتهى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب