يقول الله عز وجل: (وشجرة تخرج من طور سيناء)، فهل المقصود كل سيناء، أم جبل الطور فقط؛ لأنه على حسب علمي ليس هناك شجر زيتون حول جبل الطور الموجود فى سيناء مصر، أم أن هذا الجبل ليس فى سيناء مصر أصلا؟
تفسير قوله تعالى: (وشجرة تخرج من طور سيناء).
السؤال: 428929
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
يقول الله سبحانه: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ [المؤمنون: 20].
أما الشجرة، فهي: الزيتون.
انظر: “الكشف والبيان عن تفسير القرآن” (18/ 474).
وأما (طور سيناء)، فهو على الصحيح: الجبل الذي نودي منه موسى عليه السلام.
والمشهور عند أكثر أهل التفسير أن الجبل هو جبل الطور، وهو الجبل المعروف بسيناء.
ثم؛ لا فرق أن يقال: سيناء، أو: الشام؛ فإن سيناء من بلاد الشام كذلك، وهي الآن تابعة لبلاد مصر جغرافيًّا بحسب التقسيمات المعروفة، وكانت قديمًا تابعة لفلسطين.
انظر: “تفسير الطبري” (17/ 30)، “تفسير الثعلبي” (17/ 393)، “تفسير البغوي” (3/ 275)، وانظر: “التيسير في التفسير” (6/ 504)، “تفسير ابن كثير” (3/ 468).
قال “ابن عاشور”: “وطور سيناء: جبل في صحراء سيناء الواقعة بين عقبة أيلة وبين مصر، وهي من بلاد فلسطين في القديم، وفيه ناجى موسى ربه تعالى”.
“التحرير والتنوير” (18/ 34).
وقال “ياقوت”: “سيناء: اسم موضع بالشام، يضاف إليه الطور، وهو اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام”، انتهى.
“معجم البلدان” لياقوت (3/ 300)، وانظر: “الأماكن، ما اتفق لفظه وافترق مسماه” (639).
وهذا هو المتوافق مع القصة، فإن موسى عليه السلام كان راجعًا من “مدين” إلى “مصر”.
فالحاصل: أن المقصود بطور سيناء الجبل المعروف بمصر، وما حوله من الأماكن.
ثانيًا:
قال “ابن كثير”: “وقوله: وشجرة تخرج من طور سيناء يعني: الزيتونة، والطور: هو الجبل.
وقال بعضهم: إنما يسمى طورًا إذا كان فيه شجر، فإن عري عنها سمي جبلًا لا طورًا، والله أعلم.
وطور سيناء: هو طور سينين، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، عليه السلام، وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون”. تفسير ابن كثير (5/ 471)
وأمَّا معنى (الخروج من طور سيناء)، فقد ذكر الطاهر ابن عاشور معناه، فقال: “وقوله: تخرج من طور سيناء يقتضي أن لها مزيد اختصاص بطور سيناء، وقد غمض وجه ذاك.
والذي أراه أن الخروج مستعمل في معنى النشأة والتخلق، كقوله تعالى: (فأخرجنا به أزواجًا من نبات شتى) [طه: 53]، وقوله: (يخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه) [الزمر: 21].
وذلك أن حقيقة الخروج: هو البروز من المكان، ولما كان كل مخلوق يبرز بعد العدم، وكان المكان لازمًا لكل حادث؛ شُبِّه ظهور الشيء بعد أن كان معدومًا، بخروج الشيء من المكان الذي كان محجوبًا فيه، وهي استعارة شائعة في القرآن.
فيظهر أن المعنى أن الله خلق أول شجر الزيتون في طور سيناء، وذلك أن الأجناس والأنواع الموجودة على الكرة الأرضية لا بد لها من مواطن كان فيها ابتداء وجودها، قبل وجودها في غيرها؛ لأن بعض الأمكنة تكون أسعد لنشأة بعض الموجودات من بعض آخر، لمناسبة بين طبيعة المكان وطبيعة الشيء الموجود فيه، من حرارة أو برودة أو اعتدال.
ويجوز أن يكون معنى: (تخرج): تظهر، وتُعرف، فيكون أول اهتداء الناس إلى منافع هذه الشجرة، وانتقالهم إياها، كان من الزيتون الذي بطور سيناء، وقد كان الزيت يجلب إلى بلاد العرب من الشام ومن فلسطين.
وأيًّا ما كان؛ فليس القصد من ذكر أنها تخرج من طور سيناء إلا التنبيه على أنه منبتها الأصلي.
وإلا؛ فإن الامتنان بها لم يكن موجهًا يومئذ لسكان طور سيناء، وما كان هذا التنبيه إلا للتنويه بشرف منبتها، وكرم الموطن الذي ظهرت فيه.
ولم تزل شجرة الزيتون مشهورة بالبركة بين الناس”، انتهى.
انظر: “التحرير والتنوير” (18/ 34 – 37).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب