هل صحيح أنّ محمد بن عبد الوهاب النجديّ اتهم آدم وحواء بالشِّرك؟
هل نسب بعض العلماء الشرك لآدم وحواء؟
السؤال: 432084
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الأنبياء معصومون من الكفر والشرك حتى قبل بعثتهم، كما بينا في جواب السؤال رقم: (317529).
ثانيا:
قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ الأعراف/189-191.
والصحيح في معنى الآيات: أن الشرك إنما وقع من ذرية آدم، لا من آدم عليه السلام، وأن المراد بقوله: (من نفس واحدة) الجنس، أي جنس الإنسان وزوجته، فلا تعرّض في الآية لآدم عليه السلام وزوجه.
ويجوز أن يراد بالنفس آدم عليه السلام، وقوله: (جعلا له شركاء) أى جعل أولادهما له شركاء، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه آدم. وينظر: "تفسير البيضاوي" (3/ 45)، و"تفسير النسفي" (1/ 624).
وأما القول بأن الشرك وقع من آدم وحواء، فقول لا يصح وإن وجد في كلام المفسرين، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه>
قال ابن كثير: "وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه، كمجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة. ومن الطبقة الثانية: قتادة، والسدي، وغير واحد من السلف وجماعة من الخلف، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة، وكأنه -والله أعلم -أصله مأخوذ من أهل الكتاب، فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب، كما رواه ابن أبي حاتم…" انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/ 528).
وجاء في هذا حديث مرفوع رواه أحمد والترمذي والحاكم، لكنه حديث لا يصح.
فهذه أقوال ثلاثة، أصحها الأول، وهو المروي عن الحسن البصري رحمه الله.
روى ابن جرير بإسناده إلى الحسن البصري: عنى بها ذرية آدم، ومن أشرك منهم بعده، يعني: قوله جعلا له شركاء فيما آتاهما.
وعن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادا، فهودوا ونصروا.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/ 527): "وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رحمه الله، أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية".
وقال: "أما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا والله أعلم، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته؛ ولهذا قال الله: فتعالى الله عما يشركون" انتهى.
وقال العلامة الشيخ جمال الدين القاسمي، رحمه الله:
" هذه الآية سيقت توبيخا للمشركين في جنايتهم، ونقضهم ميثاقهم، في جريهم على خلاف ما يعاهدون الله عليه.
وذلك: أنه تعالى ذكر ما أنعم عليهم من الخلق من نفس واحدة، وجعل أزواجهم من أنفسهم ليأنسوا بهن، ثم إنشائه إياهم بعد الغشيان، متدرجين في أطوار الخلق من العدم إلى الوجود، ومن الضعف إلى القوة.
ثم بين إعطاءهم المواثيق؛ إن آتاهم ما يطلبون، وولد لهم ما يشتهون، ليكونن من الشاكرين.
ثم أخبر عن غدرهم وكفرانهم هذه النعم التي امتن سبحانه بها عليهم، ونقضهم ميثاقهم في إفراده بالشكر، حيث أشركوا معه غيره في ذلك…
وقد ذكر المفسرون هاهنا أحاديث وآثارا تفهم أن المراد بهذا السياق آدم وحواء، ولا حاجة بنا إلى روايتها لأنها واهية الإسناد معلولة، كما بينه الحافظ ابن كثير في (تفسيره). وتقبُّلُ ثُلَّةٍ من السلف لها، وتلقيها: لا يجدي في صحتها شيئا؛ إذا أصلها مأخوذ من أقاصيص مُسلمة أهل الكتاب، كما برهن عليه ابن كثير. وتهويل بعضهم بأنها مقتبسة من مشكاة النبوة، إذ أخرجها فلان وفلان، من تنميق الألفاظ لتمزيق المعاني، فإن المشكاة النبوية أجلّ من أن يقتبس منها إلا كل ما عرفت جودته.
إذا علمت ذلك، تبين لك أن من استند إلى تلك الأحاديث والآثار، فذهب إلى أن المراد بالنفس الواحدة وقرينتها، آدم وحواء، ثم أورد على نفسه أنهما بريئان من الشرك، وأن ظاهر النظم يقتضيه، ثم أخذ يؤوله، إما بتقدير مضاف، أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما، وإما بأن المراد جعل أحدهما وهو (حواء)، من إطلاق المثنى وإرادة المفرد، وإما بغير ذلك- فإنه ذهب في غير مذهب.
– وقد قرر ما ارتضيناه في معنى الآية غير واحد. قال الحسن البصري، فيما روى عنه ابن جرير: إن الآية عنى بها ذرية آدم، ومن أشرك منهم بعده. وفي رواية عنه: كان هذا في بعض الملل، ولم يكن بآدم.
قال ابن كثير: والأسانيد إلى الحسن، في تفسير هذا، صحيحة، وهو من أحسن التفاسير، وأولى ما حملت عليه الآية.
قال: ولو كان الحديث المرفوع، في أنها في آدم وحواء، محفوظا عنده من رواية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لما عدل عنه هو ولا غيره، لا سيما مع تقواه وورعه. فهذا يدل على أنه- إن صح- موقوف على الصحابي، لا مرفوع. انتهى.
وقال القفال: إنه تعالى ذكر هذه القصة على تمثيل ضرب المثل، وبيان هذه الحالة صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم، وقولهم بالشرك.
وتقرير هذا الكلام، كأنه تعالى يقول: هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة، وجعل من جنسها زوجها إنسانا يساويه في الإنسانية، فلما تغشى الزوج زوجته، وظهر الحمل، دعا الزوج والزوجة ربهما، لئن آتيتنا ولدا صالحا سويّا، لنكونن من الشاكرين لآلائك ونعمائك، فلما آتاهما الله ولدا صالحا سويا، جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما، لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع، كما هو قول الطبائعيين، وتارة إلى الكواكب، كما هو قول المنجمين. وتارة إلى الأصنام والأوثان، كما هو قول عبدة الأصنام.
وقال الناصر في (الانتصاف) – متعقبا على الزمخشري-: الأسلم والأقرب، والله أعلم، أن يكون المراد جنسي الذكر والأنثى، لا يقصد فيه إلى معيّن. وكأن المعنى- والله أعلم- خلقكم جنسا واحدا، وجعل أزواجكم منكم أيضا، لتسكنوا إليهن، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر، الجنس الآخر، الذي هو الأنثى، جرى من هذين الجنسين كيت وكيت، وإنما نسب هذه المقالة إلى الجنس، وإن كان فيهم الموحدون، على حد (بنو فلان قتلوا قتيلا)؛ يعني من نسبة ما صدر من البعض إلى الكل." انتهى، من "محاسن التأويل" (5/236).
ثالثا:
القول بأن الشرك وقع من آدم عليه السلام وحواء باطل من وجوه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وهذه القصة باطلة من وجوه:
الوجه الأول: أنه ليس في ذلك خبر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأخبار التي لا تُتلقى إلا بالوحي، وقد قال ابن حزم عن هذه القصة: إنها رواية خرافة مكذوبة موضوعة.
الوجه الثاني: أنه لو كانت هذه القصة في آدم وحواء؛ لكان حالهما إما أن يتوبا من الشرك، أو يموتا عليه، فإن قلنا: ماتا عليه ….
فمن جوز موت أحد من الأنبياء على الشرك فقد أعظم الفرية، وإن كان تابا من الشرك; فلا يليق بحكمة الله وعدله ورحمته أن يذكر خطأهما، ولا يذكر توبتهما منه، فيمتنع غاية الامتناع أن يذكر الله الخطيئة من آدم وحواء وقد تابا، ولم يذكر توبتهما، والله تعالى إذا ذكر خطيئة بعض أنبيائه ورسله ذكر توبتهم منها، كما في قصة آدم نفسه حين أكل من الشجرة وزوجه، وتابا من ذلك.
الوجه الثالث: أن الأنبياء معصومون من الشرك، باتفاق العلماء.
الوجه الرابع: أنه ثبت في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة، فيعتذر بأكله من الشجرة وهو معصية، ولو وقع منه الشرك؛ لكان اعتذاره به أقوى وأولى وأحرى.
الوجه الخامس: أن في هذه القصة أن الشيطان جاء إليهما وقال: "أنا صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة"، وهذا لا يقوله من يريد الإغواء، وإنما يأتي بشيء يقرب قبول قوله، فإذا قال: "أنا صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة"، فسيعلمان علم اليقين أنه عدو لهما، فلا يقبلان منه صرفا ولا عدلا.
الوجه السادس: أن في قوله في هذه القصة: "لأجعلن له قرنَيْ أَيِّل": إما أن يصدقا أن ذلك ممكن في حقه; فهذا شرك في الربوبية؛ لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله، أو لا يصدقا; فلا يمكن أن يقبلا قوله وهما يعلمان أن ذلك غير ممكن في حقه.
الوجه السابع: قوله تعالى: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ بضمير الجمع، ولو كان آدم وحواء; لقال: عما يشركان.
فهذه الوجوه تدل على أن هذه القصة باطلة من أساسها، وأنه لا يجوز أن يعتقد في آدم وحواء أن يقع منهما شرك بأي حال من الأحوال، والأنبياء منزهون عن الشرك، مبرءون منه باتفاق أهل العلم.
وعلى هذا؛ فيكون تفسير الآية كما أسلفنا: أنها عائدة إلى بني آدم الذين أشركوا شركا حقيقيا، فإن منهم مشركا، ومنهم موحدا" انتهى من "القول المفيد شرك كتاب التوحيد" (2/ 308).
رابعا:
الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أورد في كتابه ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه، وعن قتادة، وجعل هذا الشرك في مجرد تسمية الولد، وأنهما أطاعا إبليس في التسمية، لا في العبادة.
قال:
"الثالثة: أن هذا الشرك في مجرد تسمية لم تُقصد حقيقتها…
الخامسة: ذَكر السلف الفرق بين الشرك في الطاعة والشرك في العبادة."انتهى.
فالحاصل؛ أنه رحمه الله لم يأت بجديد، وإنما تبع ما هو مشتهر في كتب التفسير، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، وما صح عن قتادة، ولم يجعل المسألة من باب الشرك الأكبر أو الأصغر، وإنما من باب الطاعة في المعصية، والأنبياء ليسوا معصومين من الصغائر عند كثير من المحققين.
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: "فكل طاعة للشيطان أو للهوى: فيها هذا النوع من التشريك، إذ الواجب على العبد أن يعظم الله -جل وعلا- وأن لا يطيع إلا أمره -جل وعلا- وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
فظهر بهذا التقرير أن هذه القصة لا تقتضي نقصا في مقام آدم عليه السلام، ولا في مقام حواء، بل هو ذنب من الذنوب، تابا منه، كما حصل لهما أول مرة في الأكل من الشجرة، بل إن أكلهما من الشجرة ومخالفة أمر الله -جل وعلا- أعظم من هذا الذي حصل منهما هنا، وهو تسمية الولد عبد الحارث، وذلك أن الخطاب الأول كان من الله -جل وعلا- لآدم مباشرة، خاطبه الله -جل وعلا- ونهاه عن أكل هذه الشجرة، وهذا خطاب متوجه إلى آدم بنفسه، وأما هذه التسمية فإنه لم ينه عنها مباشرة، وإنما يفهم النهي عنها من وجوب حق الله -جل وعلا-، فذاك المقام زاد على هذا المقام من جهة خطاب الله -جل وعلا- المباشر لآدم، وهذا أمر معروف عند أهل العلم؛ ولهذا فسر قتادة كلمة شركاء بقوله – كما نقل الشيخ حيث قال – : " له بسند صحيح عن قتادة قال: شركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته" انتهى من " التمهيد شرح كتاب التوحيد" (1/ 499).
ونسوق هنا الحديث المرفوع تأكيدا لعذر الأئمة الذين تبنوا هذا القول.
روى أحمد (20117)، والترمذي (3077) عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ، وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَإِنَّهُ يَعِيشُ، فَسَمَّوْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَعَاشَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ، وَأَمْرِهِ. وأخرجه الطبري في "تفسيره" 9/146، والحاكم في مستدركه 2/545 ، وضعفه الألباني، وشعيب الأرنؤوط.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة