تنزيل
0 / 0

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتاجر في العبيد؟

السؤال: 434851

بالحديث الآتي كثير من غير المسلمين يجادلون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتاجر بالعبيد، فمن أين حصل النبي صلى الله عليه وسلم على هؤلاء العبيد؟ ولماذا لم يطلق سراحهم؟
ولماذا استبدل عبدين أسودين بعبد واحد؟
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، وَابْنُ، رُمْحٍ قَالاَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، ح وَحَدَّثَنِيهِ قُتَيْبَةُ، بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: “جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ‏(بِعْنِيهِ)،‏ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدُ حَتَّى يَسْأَلَهُ ‏”‏ أَعَبْدٌ هُوَ‏”‏‏.‏

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا:

لم يصح مطلقًا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتاجر في العبيد، ولم يرد هذا في أي حديث صحيح؛ وهذه فرية من جاهل بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، جاهل بالتاريخ، جاهل بما تعني كلمة “يتاجر” في شيء ما؛ العبيد، أو غير العبيد!!

وأما الحديث المشار إليه في السؤال، فنصه، كما رواه مسلم (1602) وغيره، من حديث جابر رضي الله عنه:

” جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى الهِجْرَةِ، وَلَمْ يَشْعُرْ أنَّهُ عَبْدٌ، فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقالَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: (بعْنِيهِ)، فَاشْتَرَاهُ بعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدُ حتَّى يَسْأَلَهُ: أَعَبْدٌ هُوَ؟).

فأين في هذا الحديث أو غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يتاجر ..)، بهذه الدعوى العريضة الكاذبة؟!

بل أين في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى هذا العبد من أصل أمره، أو تملكه، أو أسترقه؟

كل ما في هذا الحديث أن هذا الرجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة، مبايعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه حر، مستقل بأمره، يهاجر حيثما شاء، ويبايع، كيفما شاء.

قال القرطبي: ” فيه دليل: على أن الأصل في الناس الحرية، ولذلك لم يسأله؛ إذ حمله على ذلك الأصل، حيث لم يظهر له ما يخرجه عن ذلك؛ ولو لم يكن الأمر كذلك، لتعين أن يسأله.” انتهى، من “المفهم” (4/510).

وبناء على ما يظهر من “حرية الرجل”: قبل النبي صلى الله عليه وسلم هجرته إليه، وإلى مدينته، وبايعه على الإسلام والهجرة، كما يبايع أحرار الرجال.

لكن، لم يلبث أن جاء سيد هذا العبد، ومالكه الأصلي، وادعى أن هذا الرجل عبد، وليس حرا، وأنه ملك له. ودلت القرينة على صدق دعواه، ولم يكذبه العبد في ذلك.

ومعلوم أن العبد ليس له أن يترك سيده، ولا أن يأبق منه، ولا أن يسافر، فضلا عن أن يهاجر بالكلية، من غير إذن سيده، ورضاه.

فلما تبين استحقاق هذا الرجل لعبده، وأن يده لم تزل من عليه، كره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقض بيعة الرجل له، أو يرده عن هجرته، بعد ما جاء راغبا؛ وإن كان قد أخطأ من أول الأمر، حيث لم يقتض خبره على الوجه التام. ولأجل ذلك، افتداه النبي صلى الله عليه وسلم من مالكه، واسترضاه بعبدين، بدلا من عبد واحد!!

قال القرطبي: ” هذا إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى مكارم أخلاقه، ورغبة في تحصيل ثواب العتق، وكراهية أن يفسخ له عقد الهجرة. فحصل له العتق، وثبت له الولاء. فهذا المعتق مولى للنبي صلى الله عليه وسلم غير أنه لا يعرف اسمه.”. انتهى، من “المفهم” (4/511).

وقال النووي: ” وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق، والإحسان العام، فإنه كره أن يرد ذلك العبد خائبا بما قصده من الهجرة وملازمة الصحبة؛ فاشتراه، ليتم له ما أراد “. انتهى، من “شرح مسلم” (11/39).

وقال ابن رسلان: “وهذا العبد إنما أشتراه النبي – صلى الله عليه وسلم – بعبدين؛ رغبة في تحصيل ثواب العتق، وكراهية أن يفسخ له عقد الهجرة؛ فحصل له العتق وثبت له الولاء فهذا مولى النبي – صلى الله عليه وسلم -. قال القرطبي: لم يعرف اسمه”. انتهى، من “شرح سنن أبي داود” (14/87).

وصارت تلك المكرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمنا لحرية الرجل، لا ثمنا لانتقال رقه إلى شخص آخر، لا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره؛ ولم يذكر أحد من أهل السير هذا العبد الذي افتداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أنه عبد رقيق، ولا أنه حتى من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم!!

والظاهر من القصة أن مالك هذا العبد، وسيده: كان مسلما؛ وإلا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرد العبيد المسلمين، إذا خرجوا من ملك الكفار، وهاجروا إليه.

يقول ابن القيم: ” وكان هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِتقَ عبيدِ المشركين إذا خرجُوا إلى المسلمين، وأسلموا، ويقول: (هُمْ عُتَقَاءُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ) أخرجه أبو داود(2700)” انتهى، من “زاد المعاد” (3/136).

فأين ذلك كله من جهل الجاهلين، وكذب الكاذبين؟!

وقد صدق القائل، أبو عبادة البحتري:

إذا محاسنيَ اللاتي أُدِلُّ بها * عُدَّتْ ذنوباً فقل لي كيف أعتذرُ

وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (94840)، ورقم (327722)، ورقم: (326235).

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android